المزاج التصالحي في الإقليم يحيي أمل إيران في فتح حوار غير مشروط مع السعودية

طهران- كثّفت إيران بشكل لافت من دعواتها للحوار مع السعودية، وذلك في محاولة للاستثمار في المزاج التصالحي السائد في المنطقة والذي وقفت الرياض وراء إشاعته بقيادتها مسارا للمصالحة بين قطر والدول التي قاطعتها في وقت سابق اعتراضا على سياساتها المضادّة لأمن المنطقة واستقرارها.
وانضمّ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى دعاة الحوار مع السعودية معتبرا أن التعاون بين بلاده والمملكة من شأنه تغيير أوضاع المنطقة وإتاحة المجال لإحلال السلام والإعمار والتطور لكل بلدانها.
ويبدو اهتمام طهران بالتحاور مع الرياض على طريقتها ووفق تصوّرها نابعا من حاجتها إلى التهدئة في مرحلة حساسة بفعل ما يجري خلالها من تغييرات متسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وينعكس ذلك الاهتمام في تعدّد الأصوات المروّجة للتهدئة والداعية للحوار، بالاعتماد على مسؤولين حاليين وسابقين، وحتى على شخصيات قطرية من داخل السلطة وخارجها، ليصبح الأمر بذلك أشبه بحملة منسّقة إيرانية قطرية هدفها التأثير في الموقف السعودي الممانع لأي حوار أو مصالحة مع إيران دون إقدام الأخيرة على تغييرات جذرية في سياساتها الإقليمية.
ويتضمّن انخراط نجاد المنتمي لمعسكر المحافظين الموجود خارج دائرة السلطة منذ هزيمته في الانتخابات الرئاسية سنة 2012 أمام مرشّح “المعتدلين” آنذاك والرئيس الحالي حسن روحاني، رسالة بأنّ إيران بمحافظيها و”معتدليها” تريد الحوار مع السعودية.
ولا يبدو تكثيف تلك الدعوات الإيرانية، في هذا التوقيت بالذات، منفصلا عن التغييرات الهامّة في المشهدين الإقليمي والدولي، سواء لجهة التطورات العميقة التي حدثت مؤخّرا في علاقة إسرائيل بعدد من بلدان المنطقة، أو لجهة انتقال الولايات المتّحدة من حكم الجمهوريين بقيادة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، إلى حكم الديمقراطيين بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن.
لم تتوان الدوحة في دعم دعوات طهران للحوار مع الرياض، سواء على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
وتخشى إيران من تشكّل جبهة واسعة مضادة لها تشترك فيها إسرائيل مع عدد من بلدان المنطقة، وتعمل من خلال دعواتها للحوار على محاولة إضعاف تلك الجبهة وتثبيط عزيمة الدول المشكّلة لها على المواجهة والتصدي للسياسات الإيرانية.
وفي المقابل يتوقّع الإيرانيون أنّ للسعودية هواجس من إزاحة حليفها الكبير دونالد ترامب من حكم الولايات المتّحدة وعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، وأن من شأن ذلك أن يلين موقف المملكة من إيران ويدفعها إلى قبول التحاور بهدف التخلّص من ملف خلافي آخر على غرار الملف القطري، وأيضا الملف اليمني في ما يتعلّق بالخلافات الحادّة التي كانت قائمة داخل معسكر الشرعية اليمنية وتمكّنت الرياض من إنهائها ودفع الأفرقاء داخل ذلك المعسكر إلى تشكيل حكومة شراكة.
لكنّ أغلب الملاحظين يستبعدون أن تتعاطى السعودية مع ملف الخلافات مع إيران كتعاطيها مع الملفين القطري واليمني، وربّما التركي أيضا.
فالرياض التي أصدرت إشارات على إمكانية تجاوز خلافاتها مع أنقرة يستبعد أنّ تفتح بابا لطي الخلافات الكثيرة والعميقة مع طهران التي تشكّل سياساتها خطرا كبيرا على المنطقة وأمنها واستقرارها.
وعلى سبيل المثال، فإنّ السعودية لا يمكنها التعايش مع برنامج نووي إيراني مشكوك في سلميته ويقول الخبراء إنّه قابل للتحول بسرعة إلى برنامج للتسلّح النووي، كما لا يمكنها القبول بالبرنامج الصاروخي لإيران ولا بتسريب جزء منه إلى الأذرع الإيرانية في المنطقة من ميليشيات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان، وخصوصا في اليمن على الحدود الجنوبية للمملكة حيث يستخدم الحوثيون الصواريخ والطائرات المسيّرة المهرّبة من إيران في ضرب أهداف مدنية ومنشآت اقتصادية داخل الأراضي السعودية.

وقال نجاد في حديث لصحيفة القبس الكويتية إنّ “إيران والسعودية بلدان كبيران ومهمّان ومؤثران في المنطقة والأوساط الدولية، ولم تكن هناك خلافات مهمة في علاقاتهما التاريخية”، مضيفا “الصداقة والتعاون والتنسيق.. مطالب يتطلع إليها البلدان والشعبان، ومن شأن كل ذلك تغيير أوضاع المنطقة، وإيجاد نوع من الوحدة بين شعوبها، وظهور فرص ذهبية لإحلال السلم والإعمار والتطور”.
ومنذ الإعلان عن انفراج الأزمة بين قطر والدول الأربع في القمة الخليجية المنعقدة مؤخرا بالسعودية، كثّف كبار المسؤولين الإيرانيين من إشاراتهم “التصالحية” مع الخليج والسعودية، في محاولة لاستثمار مزاج المصالحات السائد في المنطقة، وكذلك استغلال المتغيرات الدولية.
وعبّر الرئيس الإيراني حسن روحاني في اتصال هاتفي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني “عن أمله في أن تؤدي التطورات الدولية الأخيرة إلى تصحيح سياسات بعض دول المنطقة وتعزيز فرص الحوار لتحقيق تفاهم إقليمي”، مضيفا “لدينا إرادة للحوار والتفاهم وإقامة علاقات أخوية مع دول الخليج”، متجاوزا ذلك إلى التعبير عن ثقته في أنّ “علاقات دول المنطقة ستكون أفضل خلال الشهور المقبلة”.
أما وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف فقد وجّه، في معرض تعليقه على المصالحة القطرية الخليجية رسالة “إلى بقية الجيران العرب”، مفادها أنّ “إيران ليست عدوا أو تهديدا”.
ومن جهتها لم تتوان الدوحة في دعم دعوات طهران للحوار مع الرياض، سواء على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي دعا في وقت سابق إلى “تهدئة التوتر في منطقة الخليج وإلى حوار بين الدول العربية وإيران”، أو بشكل غير رسمي عن طريق رئيس وزرائها الأسبق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي دعا بدوره إلى فتح حوار بين دول الخليج وإيران وعدم المراهنة على التوتر بين طهران وواشنطن، قائلا في تغريدة على تويتر “اليوم بعد انتهاء التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي ووصول إدارة جديدة للبيت الأبيض، أرى الفرصة قائمة لحوار مع إيران”.