"المرموم: فيلم في الصحراء" مهرجان يجمع السينما بالفنون الأخرى

يسعى مهرجان “المرموم: فيلم في الصحراء” الذي تقيمه هيئة الثقافة والفنون في دبي “دبي للثقافة” إلى فتح نوافذ بين مختلف الفنون والفن السينمائي، في تأكيد على التكامل بينها، علاوة على عنايته الأساسية بتثمين التراث المحلي ودعم الحراك السينمائي والاستثمار في الأجيال القادمة عبر أفلامه وتظاهراته.
دبي - تواصلت فعاليات النسخة الثانية من مهرجان “المرموم: فيلم في الصحراء” في “محمية المرموم الصحراوية” بدبي، التي انطلقت الجمعة التاسع من ديسمبر الجاري على امتداد ثلاثة أيام، متضمنة عرض 27 فيلما روائيا و23 جلسة حوارية وورشة عمل متخصصة بهدف تعزيز المشهد السينمائي المحلي ودعم ورعاية أصحاب المواهب الإبداعية.
ومن حلال هذا المهرجان الذي اختتم مساء الأحد الحادي عشر من ديسمبر الجاري تقدم الجهة المنظمة هيئة الثقافة والفنون في دبي “دبي للثقافة” لمنتجي السينما المحلية والإقليمية آفاقا واسعة ومساحات إبداعية جديدة تساهم في تحفيز السينمائيين وتنشيط الحراك السينمائي في أماكن غير تقليدية ووسط بيئة تتمازج فيها الفنون.
أفلام وفعاليات
وقدم الحدث باقة متنوعة من الأفلام وورش العمل التفاعلية والجلسات الحوارية والتركيبات الفنية ومعارض الصور الفوتوغرافية والعروض الحية أطلت بها النسخة الثانية من المهرجان التي استمرت حتى الحادي عشر من ديسمبر الجاري، وأقيمت تحت شعار “قصص ترويها الطبيعة” بهدف دعم منتجي الأفلام الناشئين في دبي وتعزيز مكانة صحراء المرموم وجهة سياحية ثقافية ومحمية طبيعية ثرية بعناصر التراث والثقافة المحلية ليعزز ذلك من جهود “دبي للثقافة” الهادفة إلى تطوير منظومة إبداعية متكاملة قادرة على استقطاب منتجي الأعمال السينمائية ورفع مستوى الوعي لدى كافة فئات المجتمع حول دور السينما في تنمية تجاربها الثقافية.
وقال الشيخ مكتوم بن مروان آل مكتوم مدير مشروع مهرجان المرموم ضابط أول في إدارة المشاريع والفعاليات في “دبي للثقافة” “يتيح مهرجان ‘المرموم: فيلم في الصحراء‘ أمام الجمهور فرصة التعرف على تفاصيل المشهد السينمائي المحلي والإقليمي وإمكانيات تنميته والدور الذي يلعبه هذا القطاع في تطوير اقتصاد دبي الإبداعي”. مؤكدا أهمية غرس الشغف بـ”الفن السابع” لدى الأجيال القادمة وتوجيه نظرة منتجي الأفلام إلى حكايات المجتمع المختلفة وتقديمها في قوالب فنية متعددة.
من جانبها أشارت شما يحيى المهيري مديرة مشروع “المرموم: فيلم في الصحراء” ضابط أول في مكتب المدير التنفيذي لقطاع الفنون والآداب في “دبي للثقافة” إلى أن كافة فعاليات المهرجان صممت بطريقة احترافية لتلبية احتياجات منتجي الأفلام في الإمارات والمنطقة، موضحة أن المهرجان يتضمن الكثير من الفعاليات والجلسات التي يسعى من خلالها إلى تطوير مهارات منتجي الأفلام وتمكينهم وتعزيز حضورهم على الساحة المحلية، ما يلبي طموحات “دبي للثقافة” الساعية إلى ترسيخ مكانة دبي مركزا عالميا لإنتاج السينما.
وأضاء المهرجان شاشاته تحت سماء المرموم بسبعة وعشرين فيلما تحمل في حكاياتها بصمات العديد من منتجي الأفلام الإماراتيين والخليجيين والعرب، وتناقش باقة الأعمال السينمائية العديد من القضايا المجتمعية والبيئية كما ضم البرنامج طيفا من الأفلام الوثائقية والصامتة ومن أبرز هذه الأعمال: “عسل مطر وغبار” للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم و”حين” للمخرج الاماراتي سعيد راشد وفيلم قصير وثائقي يعرض لأول مرة من مركز الشيخ محمد بن راشد للفضاء عن إطلاق المستكشف راشد وغيرها الكثير.
وتولت المخرجة والشاعرة نجوم الغانم وطوني المسيح المدير الإداري في فوكس سينما والمخرج والمنتج عمر بطي والمنتجة والمخرجة نهلة الفهد والمخرجة آمنة بلهول مهمة تقييم الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان التي تضم فئات الأفلام الوثائقية وأفلام الأنيمشن (التحريك) وأفلام الحركة الحية (لايف أكشن).
كما شهد المهرجان على مدار أيامه الثلاثة ثلاثا وعشرين جلسة حوارية وورشة عمل متخصصة تولت تقديمها مجموعة من الخبراء في إنتاج الأفلام ومن بينهم أفنان القاسمي كاتبة السيناريو وصاحبة النص الدرامي “بنات الملاكمة” والتي قدمت ورشة “كيف تكتب نصا قابلا للبيع” في حين قدمت المنتجة السودانية المقيمة في دبي أمل الجادي ورشة بعنوان “لغة الفيلم” وفيها أضاءت على طرق سرد الأفلام وتفاصيلها الدقيقة كما استعرضت طرق التمثيل وقاعدة هيتشكوك المؤثرة والعناصر الخمسة التي تشكل القاعدة الأساسية للغة الأفلام.
وقدم المصور السينمائي السلوفيني بينو سارادزيتش لجمهور المهرجان خبرته في عمليات المونتاج والتقطيع في ورشة عمل تستعرض أساسيات ما بعد التصوير السينمائي. أما لينا يونس فقدمت ورشة بعنوان “طور فيلمك الوثائقي”، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الجلسات التي يتطلب حضورها تسجيلا مسبقا.
وكان الجمهور على موعد مع مجموعة من المعارض الفنية تؤكد على أن السينما ليست بمعزل عن بقية الفنون.
وحفلت النسخة الثانية من المهرجان بفعاليات متعددة وبأعمال سينمائية وفنية متنوعة، لتأخذ زوارها من الجمهور وعشاق “الفن السابع” في مسارات مُلهمة يبحرون من خلالها في تاريخ السينما ويكتشفون روائع الإبداعات الإماراتية على رمال محمية المرموم الصحراوية، التي تجمع فيها أبرز الفنانين ومنتجو الأفلام تحت سقف المهرجان، ليعكسوا برؤاهم “قصصا ترويها الطبيعة”، وهو الشعار الذي يفتح به المهرجان آفاقا واسعة أمام السينمائيين، ليعكس ذلك التزامات “دبي للثقافة” بدعم ورعاية المواهب.
وتضمن المهرجان الذي تدعم “دبي للثقافة” من خلاله مبادرة “وجهات دبي” معارض وأعمالا فنية مختلفة تسرد تاريخ السينما المحلية وتستحضر الإرث الثقافي المحلي، ليؤكد ذلك على أهمية المهرجان كمنصة مبتكرة لتمكين منتجي الأفلام من عرض قصصهم المختلفة، ما يصب في إطار التزامات “دبي للثقافة” بتعزيز المشهد السينمائي المحلي.
معارض فنية
خلال المهرجان قدم الفنان الإماراتي متعدد التخصصات عمار العطّار صورة شاملة عن الثقافة السينمائية في الإمارات، عبر معرضه “السينما في دولة الإمارات”، الذي رصد فيه بدايات “الفن السابع” وصور الطقوس العائلية الأسبوعية المتمثّلة في الذهاب إلى صالات العرض، وقدمها عبر مجموعة صور متنوعة عرضها إلى جانب مجموعة السجلات والمقتنيات والمطبوعات والنشرات الإعلانية السينمائية التي كانت توزع يدويا.
وقدم الفنان كذلك ملصقات لأفلام قديمة عرضت في الصالات المحلية، بالإضافة إلى المعدات العتيقة التي كانت مستخدمة في عرض الأفلام والإعلان عن قواعد السلوك والدعاية لشركات وأعمال محلية، ليعيد بذلك العطار تجسيد الثقافة المادية للسينما في الإمارات.
في حين، تمثل جدارية “سيف وناعمة وآمنة يلعبون” التي أبدعتها الفنانة الإماراتية فاطمة آل علي بحثا فنيا في قطاع إنتاج الأفلام في الدولة، حيث أنشئت أول صالة سينما في إمارة الشارقة عام 1943 وعرفت آنذاك باسم “سينما المحطة” وكانت مفتوحة في الهواء الطلق بينما مقاعدها مصنوعة من علب التنك، حيث تعكس الجدارية القفزات النوعية التي شهدتها دور العرض في الدولة من “الدكة” حتى مقاعد الخمس نجمات.
وفي الجدارية سعت آل علي إلى إبراز هذا التاريخ بطريقة مبتكرة، عبر تقديمه كصورة في كتاب يحمله طفل في أحد أقسام الجدارية التي صورت الصغار كمنتجي أفلام في إشارة إلى ضرورة تحفيز الأجيال القادمة على دخول وتعلم أصول “الفن السابع”.
ومن وحي الألعاب الشعبية، استلهمت الفنانة شما المزروعي عملها الفني التركيبي “تلفون خربان” الذي تُعبر من خلاله عن الحنين إلى الماضي، وتقدم فيه وصفا لطبيعة الثقافة الكامنة وراء الألعاب التي كان الصغار يمارسونها سابقا، ليبدو العمل أشبه ببحث بصري في العلاقات الاجتماعية ويصور كيف كان الصغار يقضون أوقاتهم دون الحاجة إلى التكنولوجيا للترفيه عن أنفسهم.
أما زميلتها الفنانة سارة الخيال فاستلهمت عملها الغرافيكي “خيوط من الذاكرة” من تفاصيل حرفة السدو وما تحمله من جماليات وألوان نابضة بالحياة، لتقدمه على شكل جدارية مليئة بالتفاصيل الصغيرة والأشكال الهندسية التي تبرز روائع الحرفة التقليدية التي أدرجت على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
وتحت سماء المرموم، لمع تاريخ “المجمع الثقافي” عبر العمل الفني التركيبي “تحريك الكثبان” الذي ابتكرته الفنانة عائشة حاضر، لتعيد فيه سرد تاريخ المجمع الذي تأسس في أبوظبي عام 1981، ليكون من أولى المؤسسات الثقافية في الدولة. في هذا العمل استخدمت عائشة “بلاط نافورة المجمع” التي تمثل جزءا من تاريخه، وأعادت تقديمها بطريقة إبداعية، ليمثل “تحريك الكثبان” اعترافا بأهمية الفن والثقافة ومكانتهما في الإمارات، ويعكس طبيعة التحولات التي شهدتها الدولة منذ لحظات تأسيسها وحتى اليوم.
في المقابل، وثق المصور الإماراتي علي بن ثالث، أمين عام جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، في معرضه الفوتوغرافي “روائع الحياة البرية في المرموم”، حيث تبرز مجموعة صوره طبيعة ما تمتلكه المحمية من تنوع بيئي فريد، ما يؤكد على مكانة صحراء المرموم وجهةً سياحية ثقافية ومحمية طبيعية غنية بعناصر التراث المحلي.
وعلى الطرف الآخر، تجلت روائع التراث المحلي تحت سماء مهرجان “المرموم: فيلم في الصحراء”، حيث أفردت “دبي للثقافة” مساحة واسعة له لتضيء على جماليات عناصره ومكوناته والحرف التقليدية كحرف التلي، والسدو، والغزل، بالإضافة إلى اللقيمات، والرقاق، والقهوة العربية، وهو ما يمثل احتفاء بالموروث المحلي، وهو ما يؤكد حرص “دبي للثقافة” على التعريف بثراء التراث الإماراتي وضرورة المحافظة عليه وتعزيز حضوره في مختلف الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية التي تشهدها الإمارة.
يذكر أن “دبي للثقافة” حرصت على تصميم فعاليات المهرجان المجانية لتلبي طموحات مختلف شرائح المجتمع وفئة أصحاب الهمم أيضا لإتاحة الفرصة أمامهم للاستمتاع بجماليات السينما والأعمال الفنية والمعارض المصاحبة للمهرجان الذي يقام بالشراكة مع العديد من الجهات الحكومية والخاصة في دبي.