المركزي اللبناني يتوقف عن تمويل واردات البنزين

بيروت – فاجأت السلطات النقدية اللبنانية الأوساط الشعبية وقطاع الأعمال الاثنين بتعليق تمويل توريد شحنات البنزين، في قرار يعكس حجم الضغوط المالية المسلطة على هذه المؤسسة في ظل وضع يزداد قتامة كل يوم.
وقال مصرف لبنان المركزي إنه توقف تماما عن توفير الدولار لواردات البنزين، في خطوة ستؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار الوقود وتقلبها بشكل كبير وزيادة الضغط على العملة المحلية التي تفقد قيمتها على نحو مطرد.
وعلى الرغم من أن المركزي قال العام الماضي إنه سيتوقف عن توفير الدولار بأسعار الصرف المدعومة بشدة بسبب تضاؤل احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية، لكنه واصل القيام بذلك بسعر أقل من أسعار السوق في منصته للصرافة (صيرفة).
لكنه خفض تدريجيا حجم الدولارات التي يوفرها عبر صيرفة خلال الأسابيع الماضية في إطار خطة أوسع لإنهاء دعم أغلب البضائع في ظل انهيار مالي دخل عامه الرابع بدون أي مؤشرات على التحسن.
وقال متحدث باسم المركزي إنه “سيتعين على المستوردين الآن الحصول على الدولار من السوق السوداء”.
مارون شماس: إذا زادت تقلبات الصرف ستزيد تقلبات سعر الوقود
وتم تداول الليرة اللبنانية عند نحو 35 ألفا مقابل الدولار الاثنين. وكان السعر عند منصة صيرفة الأسبوع الماضي عند نحو 28 ألفا.
وأبلغ مارون شماس عضو تجمع الشركات المستوردة للنفط وكالة رويترز “إذا زادت التقلبات في سعر الصرف، ستزيد التقلبات في سعر الوقود”.
وقفز سعر 20 لترا من البنزين بواقع 20 ألف ليرة الاثنين، وهي زيادة حادة مقارنة بتقلبات يومية عادية بواقع آلاف قليلة من الليرات في الأسابيع السابقة.
وأضاف شماس أن المستوردين قادرون حتى الآن على الحصول على كل احتياجاتهم من الدولار من السوق السوداء وأن القائمين على ضخ البنزين سيواصلون قبول الدفع بالليرة وفقا لسعر السوق السوداء اليومي.
وتعد أزمة الوقود إحدى أبرز انعكاسات أزمة اقتصادية حادة يعانيها لبنان منذ أواخر 2019، وتسببت بانهيار مالي، وعدم وفرة النقد الأجنبي الكافي لاستيراد السلع الأساسية، كالأدوية وغيرها.
كما أن أزمة الوقود تنعكس على مختلف القطاعات والخدمات الأساسية في مقدمتها المستشفيات وأفران صناعة الخبز والاتصالات وغير ذلك من المجالات التي لا تعمل سوى بالمشتقات النفطية.
ويكافح الناس من أجل تحصيل الأساسيات لكن استفحال الأزمة المالية والاقتصادية جعلتهم عاجزين، بعد تآكل رواتبهم بفعل الانهيار الدراماتيكي في قيمة العملة، والارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات.
وكررت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ تفجر الأزمة أواخر 2029 حلولها الترقيعية التي ما فتئت تقدمها للمواطنين للتهرب من المسؤولية عن فشلها في إدارة الأزمة الاقتصادية الحادة والتي تتجسد في فقدان المحروقات من البلاد جراء نقص السيولة النقدية.
ففي يونيو العام الماضي، أجازت حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب مقترحا لتمويل واردات الوقود بسعر صرف 3900 ليرة للدولار بدلا من سعر الصرف السابق البالغ 1500 ليرة، في ظل تفاقم نقص البنزين.
وبعد هذا الإجراء حصل ما كان يتوقعه المحللون حيث أدى سعر الصرف الأقل، الذي يقلص فعليا دعم الوقود، إلى رفع سعر البنزين للمستهلكين، لكنه سمح للحكومة بتوفير إمدادات من الوقود لفترة أطول.
ولكن الأمر كان مؤقتا ولم يكن ذا جدوى، إذ مع اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل ستة أشهر زادت أسعار النفط الخام والمشتقات النفطية إلى مستوى لم يعد بإمكان بيروت توفير التمويل لجلب الشحنات.
وكان محافظ المركزي رياض سلامة قد طالب الصيف الماضي منحه أساسا قانونيا لإقراضها بالعملات الأجنبية من الاحتياطيات الإلزامية لتمويل واردات الوقود المدعومة، والتي تكلف نصف مخصصات الدعم السنوية، في مؤشر على نفاد الاحتياطيات لدى البنك.
وتمثل الاحتياطيات الإلزامية، وهي ودائع بالعملة الصعبة لدى المركزي من البنوك المحلية، نسبة مئوية من ودائع العملاء ولا يُسحب منها عادة إلا في ظروف استثنائية، وبالمسوغ القانوني المناسب.
وبلغت احتياطيات لبنان من النقد الأجنبي ما يزيد قليلا عن 15 مليار دولار في مارس العام الماضي بعد أن كانت عند نحو 30 مليار دولار في نهاية العام 2019. ولم يقدم المركزي تحديثا للرقم منذ ذلك الحين.