المركزي السوداني يبدأ ترميم السياسات النقدية البالية

كشف البنك المركزي السوداني عن سياسات جديدة لإدارة الأزمات المالية والنقدية المتراكمة في وقت تنتظر فيه الأوساط الشعبية تحقيق تغيير نوعي في الأوضاع المعيشية والاقتصادية لبداية عهد جديد يطوي التركة الثقيلة للحكومات السابقة.
الخرطوم - شرع محافظ بنك السودان المركزي بدرالدين إبراهيم عبدالرحيم مع بداية العام الجديد في بلورة خطة تتعلق بسياسات نقدية بديلة لاحتواء الأزمات الاقتصادية المتراكمة.
وأعلن عبدالرحيم، خلال مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، عن الخطوط العريضة لاستراتيجية البنك المركزي لهذا العام تتضمن برنامجا شاملا وتستهدف تحقيق هدفين أساسيين هما الاستقرارين النقدي والمالي.
ويعتبر البعض أن المحافظ الجديد لديه نوايا للقطع بشكل كلي مع سياسات البنك المركزي خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي أطاح به الجيش في أبريل الماضي بعد احتجاجات شعبية عارمة.
خطة نقدية لعام 2020
- خفض معدل التضخم تحت 30 بالمئة
- تحقيق معدل نمو بنسبة 2.9 بالمئة
- تشجيع اندماجات طوعية بين البنوك
- صناديق لدعم المشاريع الصغيرة
- إجراءات لتمويل مشاريع الشباب
- خفض تكلفة التمويل إلى 15 بالمئة
- توسيع استخدام الدفع الإلكتروني
وتراود الأوساط الاقتصادية والشعبية طموحات كبيرة في أن يعمل عبدالرحيم على تجاوز الأزمة سريعا من أجل المساهمة في تحقيق النمو المستدام، وذلك من خلال كبح التضخم واستقرار المستوى العام للأسعار.
ويقول محللون إنه رغم التحديات الصعبة، التي تواجه المحافظ الجديد، تحدو المصرفيين والمستثمرين والتجار والمواطنين آمال عريضة في أن يتمكن من إصلاح سياسة نقدية قوضت الاستثمار والنمو طيلة سنوات.
ونسبت وكالة الأنباء الرسمية إلى عبدالرحيم قوله إن “سياسات البنك المركزي للعام 2020 تستهدف تحقيق الاستقرار النقدي والمالي وفق المعايير الدولية”.
وأشار إلى أن ذلك الهدف مرتبط باستقرار المستوى العام للأسعار في السوق بهدف تعزيز الثقة في الجهاز المصرفي.
ويسعى المركزي إلى ضبط معدلات التضخم في حدود 30 بالمئة للإسهام في تحقيق معدل نمو حقيقي بنسبة 2.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وباستهداف نمو في عرض النقود بنحو 50 بالمئة.
وأكد عبدالرحيم أن استقرار واستدامة سعر الصرف سيكونان بزيادة معروض النقد الأجنبي وترشيد استخدامه والطلب عليه وبمنح المصدرين مرونة في الاستيراد واستخدام واسترداد عوائد الصادرات.
ولفت إلى أن تخارج المركزي من تجارة الذهب لن يكون إلا بغرض بناء الاحتياطات النقدية من العملة الصعبة التي لا تتجاوز حاليا المليار دولار، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.
وعن استخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة للمركزي، أكد محافظ المركزي السوداني على ضرورة أن تكون الاحتياطات النقدية القانونية بنسبة 20 بالمئة ويكون مؤشر تكلفة التمويل في حدود 15 بالمئة سنويا.
وبالإضافة إلى ذلك، سيواصل المركزي انتهاج عمليات السوق المفتوحة والتدخل في سوق النقد الأجنبي وإحكام دوره كمقرض أخير لإدارة السيولة.
وقاطع آلاف السودانيين المصارف منذ أشهر بعد تفاقم أزمة السيولة النقدية وعجز المؤسسات المالية عن الإيفاء بمستحقات الزبائن الموجودة في حساباتهم.
وعمد كبار التجار مطلع العام الماضي إلى الاحتفاظ بأموالهم في المنازل والمتاجر بدلا عن إيداعها في الحسابات البنكية.
ودفع انهيار الجنيه حكومة البشير إلى خيار طباعة فئات نقدية أعلى من المتداولة في السوق لسد الفجوة الكبيرة في التمويل، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية للبلاد بعد عام من رفع العقوبات الأميركية والتي استمرت لعقدين من الزمن.
ولكن اليوم تتجه سياسات المركزي الحالية إلى دعم البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية بتقوية مراكزها المالية عبر رفع رؤوس أموالها أو العمل على الاندماج الطوعي حتى تتمكن من المنافسة وذلك في إطار السلامة المالية وتعزيز شبكة الأمان المالي.
وقال عبدالرحيم “نعمل على تعزيز الثقة في الجهاز المصرفي بما يضمن زيادة موارده وخلق كيانات مالية ومصرفية قادرة على المنافسة داخليا وخارجيا وتوجيه التمويل للقطاعات الإنتاجية وتعزيز دور القطاع الخاص وتوسيع قادة الشمول المالي بتعزيز ونشر برامج التمويل الأصغر والصغير”.
وأكد أنه سيتم تفعيل قطاع التمويل الأصغر لارتفاع الطلب عليه ولإسهامه في مجال التشغيل والتوظيف الذاتي.
ولفت إلى أن السياسة تتضمن منح التمويل الأصغر فرصا لقبول ودائع الزبائن بعد استيفاء شروط محددة وأنه سيتم تسخير محافظ لدعم مؤسسات التمويل الأصغر.
وقال “هناك برنامج لتمكين الشباب وسيتم التوقيع عليه منتصف يناير الجاري بضمانات تبلغ 18 مليون دولار ويبلغ سقف التمويل 30 ألف دولار”.
وهناك اتجاه لتوسيع قاعدة التمويل الأصغر عبر التمويل بالجملة ونشر قاعدة التمويل الأصغر في الأرياف عبر قانون الجمعيات التعاونية، كما سيتم تدريب الشباب بكافة مناطق البلاد.
ويتوقع أن يتم تنفيذ إجراءات لرفع رؤوس الأموال على أن يكون لقطاع المصارف الدور الأكبر في دعم سوق العمل، الذي ورد بالموازنة هذا العام.
ومن بين الخطط التي يتبناها المركزي استهداف تغيير ثقافة التعامل بالأوراق النقدية بتوسيع قاعدة ومجالات استخدام وسائل الدفع الإلكتروني.
ولتنفيذ سياساته الجديدة سيعمل المركزي السوداني على إعادة هيكلة نشاطه بالتعاون مع خبراء من صندوق النقد الدولي تتضمن دراسة الوضع الحالي للبنك والتحديات والمتطلبات المستقبلية.
وأعلن عبدالرحيم إجراء تعيينات جديدة تقوم على معايير الكفاءة والشفافية لأول مرة منذ سنوات ويتم التعيين عبر لجنة الاختيار العامة.
وكشف أيضا عن اعتماد قانون جديد يجري العمل به الآن لتحقيق الاستقلالية المالية للمركزي وتعزيز موقفه.
وتخوض الحكومة الانتقالية التي تشكلت في أغسطس الماضي، محادثات شاقة لإقناع الأطراف الدائنة بتخفيف أعباء الديون الأجنبية، التي تصل إلى 62 مليار دولار، وفق أحدث الإحصائيات الرسمية.