المركزي التونسي يخفف التشديد النقدي للمرة الأولى منذ 2020

الخطوة تأتي وسط ضغوط شديدة من الرئيس قيس سعيد الذي دعا مرارا إلى تيسير السياسة النقدية.
الخميس 2025/03/27
يا تُرى، هل يهدأ التضخم

تونس - قرر مجلس إدارة البنك المركزي التونسي خلال اجتماعه المنعقد الأربعاء خفض نسبة الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس لتبلغ 7.5 في المئة، كما توقع المحللون.

وقال المركزي في بيان إنه “لتحقيق هذه الغاية، تم تخفيض تسهيلات الودائع والقروض على مدار 24 ساعة إلى 6.5 في المئة و8.5 في المئة على التوالي.” وسيدخل هذا القرار حيز التنفيذ اعتبارا من يوم الخميس.

وتأتي الخطوة وسط ضغوط شديدة من الرئيس قيس سعيد الذي دعا مرارا إلى تيسير السياسة النقدية وأبلغ محافظ البنك المركزي فتحي النوري الشهر الماضي بوجود شكاوى عديدة بشأن ارتفاع أسعار الفائدة.

وكان البنك قد اتخذ سلسلة من الزيادة في الفائدة بعد أشهر من الحرب في شرق أوروبا، وكانت أكبرها نهاية العام 2022 بمقدار 75 نقطة أساس عندما كانت الأسعار في ذروتها، مما ترك التونسيين في وضع صعب مع التهام التضخم جزءا كبيرا من الرواتب.

ويتابع المحللون باهتمام ما ستؤول إليه أول عملية خفض لسعر الفائدة منذ خمس سنوات في الفترة المقبلة بعدما لوحظ هدوء طفيف في الأسعار، لأن الاقتصاد يحتاج إلى دفعة قوية حتى ينتعش.

7.5

في المئة سعر الفائدة الذي أقره البنك المركزي الأربعاء نزولا من نسبة 8 في المئة

ويرى البعض أنه كان من الأجدى على المركزي خلال اجتماعه في يونيو الماضي خفض الفائدة ليضع خطوة استباقية قد تساعد في تحرير الأنشطة الاقتصادية التي تعاني، وأيضا لإعطاء التونسيين فرصة لالتقاط الأنفاس من الضغوط المعيشية.

لكن المسؤولين فضلوا التريث منذ ذلك لأسباب منها عدم استقرار الأوضاع العالمية بالنظر إلى تأثيراتها العميقة على الاقتصاد المحلي الذي يمر بفترة من الركود.

وبدت السلطات التونسية متفائلة حيال قدرة سياساتها المتبعة على إحكام السيطرة على التضخم بشكل أكبر بنهاية الربع الأول من هذا العام، بعد أن تسبب ارتفاع الأسعار في الضغط على القدرة الشرائية مع زيادة غير مسبوقة في التكاليف منذ ثلاث سنوات.

وتوقعت وزارة التجارة وتنمية الصادرات في أحدث تقييم لها الشهر الماضي، تواصل تراجع نسبة التضخم خلال فبراير ومارس وتسجيل انخفاضات إضافية في أسعار المواد الاستهلاكية الحساسة بالتزامن مع شهر رمضان.

ومع ذلك يستبعد خبراء اعتبار انخفاض التضخم رغم وجود ما يوحي بعودته إلى الارتفاع خلال شهر رمضان، دليلا كافيا على تحسن نمو الناتج المحلي الإجمالي بالنظر إلى استمرار تأثيراته الواضحة على النشاط الكلي.

وتراجع معدل التضخم إلى 5.7 في المئة في فبراير من ستة في المئة في يناير الماضي و6.2 في المئة في ديسمبر 2024، ليصل إلى أدنى مستوى منذ فبراير 2023 عند بلغ 10.4 في المئة.

وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية، أمر الرئيس التونسي السلطات باستخدام التمويل من البنك المركزي لسداد ديون البلاد الخارجية، وذلك بعدما تخلى عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار في عام 2023.

البنك الدولي يتوقع أن ينمو الاقتصاد التونسي بواقع 2.2 في المئة هذا العام ارتفاعا من 1.2 في المئة مسجلة بنهاية 2024

ويرفض سعيد ما يعتبره “إملاءات” صندوق النقد، ولا سيما في ما يتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، ويرى فيها “تهديدا للسلم الاجتماعي” في البلاد.

وخلال عام 2024 تم اللجوء إلى البنك المركزي لاقتراض 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) لتمويل الميزانية، إذ ذهب جزء منها لسداد الديون، وهذه السنة تتكرر العملية نفسها.

وتتداول السندات السيادية البالغة قيمتها 700 مليون يورو (759 مليون دولار) والمستحقة في يوليو 2026 بعائد يبلغ نحو 9.8 في المئة، وهو معدل مرتفع مقارنة بمعظم الحكومات الأخرى.

كما ساهمت مساعدات من السعودية والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (أفركسيم بنك) في دعم الوضع المالي لتونس خلال السنوات الأخيرة.

وفي أواخر فبراير، رفعت موديز التصنيف الائتماني لتونس من سي.أي.أي 2 إلى سي.أي.أي 1، لكن تصنيفها لا يزال دون الدرجة الاستثمارية. وأرجعت الوكالة قرارها حينها إلى تراجع احتياجات التمويل الخارجي، وتحسن احتياطيات النقد الأجنبي.

وتواجه البلاد أزمات متعددة منذ فوضى العام 2011. وقد ارتفعت الحاجة إلى التمويل بشكل كبير، خاصة لتوفير وظائف في القطاع العام، وهو أحد المطالب الأساسية للتونسيين.

وتبدو تونس في أمس الحاجة إلى تحفيز اقتصادي يجعلها قادرة على النهوض من أزمة معقدة تواجهها، ودفعت بتصنيفها إلى مستويات متدنية رغم المحاولات الحكومية المضنية لدفع عجلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.

ويتوقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد التونسي بواقع 2.2 في المئة هذا العام ارتفاعا من 1.2 في المئة مسجلة بنهاية 2024، وأن يصل إلى 2.3 في المئة في غضون عام 2026.

أما الحكومة فترجح في ميزانية 2025 معدل نمو عند 2.9 في المئة، ولكنه يظل أقل بكثير من المتوسط المسجل قبل 2010 بنحو 5.4 في المئة، وبالتالي فهو غير كاف لضمان الرفاه الاجتماعي والنمو والتنمية، بحسب الخبراء.

11