المركزي التركي يستنزف احتياطياته النقدية لتقوية الليرة المنهارة

أنقرة - يغامر البنك المركزي التركي بمواصلة استنزاف احتياطياته النقدية بهدف تقوية الليرة المنهارة، وذلك في واحدة من المحاولات المتكررة منذ سنوات رغم شكوك المحللين في جدواها.
وأظهرت بيانات الخميس أن صافي الاحتياطي النقدي انخفض بأكثر من ملياري دولار إلى 32.79 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في الثاني من مايو الجاري، وذلك في أعقاب تداعيات الاضطرابات التي شهدتها الأسواق إثر اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
ووفقا للبيانات الأسبوعية التي ينشرها المركزي، انخفض صافي الاحتياطيات، الذي بلغ 73.9 مليار دولار في 14 مارس، بنحو 40 مليار دولار منذ ذلك الحين.
وفقدت العملة التركية الكثير من قيمتها في العامين الأخيرين ما ضغط بشكل كبير على المستهلكين في ظل تضخم قياسي، ليصل سعر صرف الدولار الخميس عند نحو 38.36 ليرة.
ودافع محافظ المركزي فاتح كاراهان عن قرار البنك ببيع المليارات من الدولارات من الاحتياطيات لضمان استقرار سعر الليرة خلال الأسابيع الماضية، متبنياً نبرة متحدية في وجه انتقادات سياسيين.
وقال كاراهان أمام المشرعين في أنقرة الأسبوع الجاري إن هذه التحركات كانت ضرورية من أجل “تجنب التقلبات المفرطة في سعر الصرف.”
وأضاف “تدخلنا مؤخراً ونواصل التدخل من خلال عمليات بيع عندما يكون الطلب على العملات الأجنبية مرتفعاً والعرض منخفضاً.”
ويؤكد محللون أن تصريحاته جاءت بمنزلة إقرار علني نادر بالتدخلات في سوق الصرف الأجنبي، وإشارة إلى احتمال تنفيذ المزيد من هذه الإجراءات مستقبلاً.
وقال كاراهان “ستتواصل الإجراءات الهادفة إلى تعزيز الإقبال على الليرة، وسنواصل من خلالها دعم الاحتياطيات.”
لكن وفقا لغرانت ويبستر، مدير الأموال في لندن لدى شركة ناينتي ون، التي تدير أصولاً بنحو 170 مليار دولار، فإن إعادة بناء تلك الاحتياطيات ستكون مهمة صعبة في ظل استمرار تأثر المستثمرين بالخسائر التي تكبّدوها في مارس.
وأوضح أن اعتقال إمام أوغلو الذي كانت تأمل المعارضة الرئيسية في ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في عام 2028، يعني أن على المستثمرين أخذ حالة عدم الاستقرار السياسي في الحسبان.
وقال لوكالة بلومبيرغ “من غير المرجح أن نشهد نفس حجم تدفقات المحافظ الاستثمارية التي شهدتها تركيا خلال عام 2024.”
وأضاف “المستثمرون الذين لا يتداولون عادة في تركيا، دخلوا السوق، ثم شعروا بخيبة أمل عندما ضعفت العملة وارتفعت التقلبات.”
وأشار ويبستر إلى أنه من الواضح أيضاً أن الجدول السياسي المؤدي إلى انتخابات 2028 قد تم تسريعه، وهو ما يستدعي شيئاً من الحذر.”
ويتعين على المركزي الإعلان عن أيّ مبيعات مباشرة في سوق الدولار، لكنه فضل في السنوات الماضية الاستعانة بالبنوك الحكومية التي يمكنها شراء الليرة. ولا يُعلن عن هذه التحركات غير المباشرة بشكل علني.
وأنفق المركزي التركي نحو 50 مليار دولار لكبح انهيار السوق خلال مارس، عندما ألقت الشرطة القبض على الخصم السياسي الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي لا يزال قيد الاحتجاز على خلفية تهم فساد ينفيها.
وفي 19 مارس، وهو اليوم الذي احتُجز فيه إمام أوغلو، تراجعت الليرة بنسبة 12 في المئة أمام الدولار قبل أن يتدخل البنك المركزي للحد من الخسائر.
32.79
مليار دولار حجم الاحتياطي النقدي لدى المركزي في الأسبوع المنتهي في الثاني من مايو الحالي
كما رفع المركزي أسعار الفائدة واتخذ سلسلة من التدابير الطارئة لدعم العملة خلال الأسابيع التالية. وكان ذلك جزئياً بسبب الضغط الإضافي الذي نجم عن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم على معظم الدول، ما حرك تقلبات عالمية واسعة النطاق.
واتهمت شخصيات من المعارضة المركزي بانعدام الشفافية، وهو ما نفاه كاراهان. وألمح سعدالله كيساجك، عضو البرلمان عن حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا)، إلى أن البنك يتبع “نظام سعر صرف مربوط” بدلاً من النظام الأفضل المعتمد على التعويم الحر.
وقال كاراهان إن عمليات البيع من قبل المستثمرين الأجانب في 19 مارس كانت “أعلى بكثير” من المتوسطات التاريخية، كما أيد نشر المركزي بيانات تتعلق بإجراءاته.
وذكر “ننشر يومياً الميزانيات التحليلية، وهي مفصلة للغاية.. لذا، يمكن حساب التغير في صافي مركز العملات الأجنبية بشكل يومي. لا أعتقد أن هناك مشكلة في الشفافية.” وأوضح أن البنك سيحاول إعادة بناء الاحتياطيات قدر الإمكان.
وكانت الاحتياطيات قد ارتفعت بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين مع رفع البنك المركزي أسعار الفائدة للحد من التضخم.
ومع أن الأسواق التركية منذ منتصف أبريل، شهدت تراجع الطلب على الدولار بين المستهلكين والمستثمرين الأجانب، فلا يزال البنك المركزي قلقا.
وأعلن نهاية الأسبوع الماضي عن قواعد جديدة تهدف إلى كبح الإقبال على العملات الأجنبية، من بينها جعل الاحتفاظ بأصول غير مقومة بالليرة أكثر كلفة بالنسبة إلى البنوك.