المركبات الكهربائية في السعودية تشق طريقها وسط التحديات

السعودية، الساعية لتنويع اقتصادها المرتهن بالنفط، تهدف إلى أنّ تكون مركزا لسوق المركبات الكهربائية المهمة والناشئة.
الخميس 2024/07/25
بهرج التكنولوجيا والتصميم لا يكفيان

تحاول السيارات الكهربائية شق طريقها في السوق السعودية الناشئة بالنسبة إلى هذه النوعية من المركبات وسط الكثير من التحديات، حيث يبدي المستهلكون اهتماما بتبنيها على نحو واسع باعتبارها أحد أهم مسارات الحكومة في سياسة التحول الأخضر.

الرياض- قرر الموظف السعودي حمد الرفدان شراء مركبة كهربائية سيستعملها كـ”سيارة ثانية” من دون الاستغناء عن سيارته رباعية الدفع التي تلتهم الوقود، في بلده الساعي لأن يكون مركزا لتصنيع السيارات النظيفة مع إطلاق علامة محلية.

وفي أكبر بلد مصدّر للنفط بالعالم يفضل السكان المركبات الكبيرة، لكن أحيانا يكون المصروف المترتب عليها سببا في التوجه نحو السيارات الكهربائية، رغم أنّ سعر لتر البنزين لا يتجاوز 2.33 ريال (0.62 دولار) ولا يمكن أن يقارَن بأسعار الأسواق الأخرى.

وكانت الأسعار المرتفعة لسيارات لوسيد، نحو 346 ألف ريال (92 ألف دولار)، وتسلا التي لا وكيل لها في السعودية أحد أسباب إحجام السكان عن شراء السيارات الكهربائية، لكنّ دخول شركة بي.واي.دي الصينية السوق بأسعار مقبولة غيّر المعادلة.

حسام عراقي: التحديات تتخطى  البنى التحتية لتشمل الحجم والتحمّل
حسام عراقي: التحديات تتخطى  البنى التحتية لتشمل الحجم والتحمّل

وفيما كان يتفقد سيارته الكهربائية الصينية التي كلفته أكثر بقليل من 53.3 ألف دولار، قال الرفدان الموظف في قطاع الموارد البشرية في شركة خاصة “ما جعلني أتوجه إلى السيارة الكهربائية هو الجانب الاقتصادي”.

وأوضح في حديثه مع وكالة فرانس برس “لديّ سيارة دفع رباعي تستهلك شهريا وقودا بقرابة 1800 إلى ألفي ريال (480 – 533 دولارا)”.

وأضاف الرفدان مبديا إعجابه بمقدمة السيارة السوداء التي لا تحتوي سوى على بطارية كبيرة دون محرك “كما أنه لا توجد كلفة للصيانة الدورية للسيارة مثل (تغيير) مختلف الزيوت وفحمات المكابح”، التي كانت تكلفه مئات الريالات شهريا.

وقد أبدى الرأي نفسه أكثر من ثلاثة سعوديين مهتمين بالسيارات الكهربائية كانوا في المعرض. كما أكد الرفدان أن خياره مبنيّ أيضا على “أسباب بيئية فهي (السيارات الكهربائية) تساعد على خفض حرارة المدن”.

وباتت العاصمة الرياض، البالغ عدد سكانها أكثر من 8 ملايين نسمة، مزدحمة بشكل كبير وتشهد اختناقات مرورية حادة في أوقات الذروة، ما يزيد من استخدام الوقود بلا داعٍ.

وتشكل المسافات الطويلة بين المدن الرئيسية عائقا كبيرا أمام انتشار السيارات الكهربائية في البلاد، رغم جدواها الاقتصادية داخل المدن.

وتبلغ المسافة بين الرياض وجدة، ثانية كبرى مدن البلاد، نحو 950 كيلومترا. وهو ما يتجاوز المدى الأقصى لمعظم بطاريات السيارات الكهربائية المتاحة، البالغ نحو 400 كيلومتر.

وقال الرفدان “سأستخدمها داخل مدينة الرياض لكن يستحيل استخدامها للسفر خارجها، لا يمكن المغامرة خصوصا أنّ البنية التحتية في بدايتها”.

ودفعت المخاوف بشأن البنية التحتية، وخصوصا بسبب عدم توافر محطات شحن، السلطات إلى إطلاق شركة البنية التحتية للمركبات الكهربائية (إيفيك) التي تسعى لتركيب 5 آلاف شاحن موزعة على أكثر من ألف موقع شحن بحلول 2030.

779

سيارة كهربائية تم توريدها خلال 2023 مقابل 210 سيارات في 2022، وفق البيانات المتوفرة

وبدأت الشركة بالفعل تركيب عدد منها في مرائب المراكز التجارية لكنّ مستخدمين اشتكوا من أنّ عددا من نقاط الشحن حول المدينة خارجة عن الخدمة.

ورأى الخبير في مجال السيارات حسام عراقي أنّ التحديات تتجاوز البنى التحتية. وقال إن “أغلب السيارات الكهربائية المنتَجَة راهنا صغيرة إلى متوسطة، وهو ما لا يتناسب مع احتياجات الأسر السعودية كبيرة العدد”.

وأشار إلى عوامل أخرى منها تأثير ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في منطقة الخليج على كفاءة البطاريات.

ولا تزال هذه السوق صغيرة في السعودية التي استوردت 779 سيارة كهربائية خلال 2023 مقابل 210 سيارات في 2022، حسب ما أفادت به صحيفة “الاقتصادية” اليومية في أبريل الماضي.

وتوقع مدير مبيعات شركة صينية للسيارات الكهربائية في الرياض المصري حسن محمد أنّ تشهد سنة 2024 زيادة كبيرة في مبيعات هذه السيارات في السعودية.

وفيما كان سعوديون يجرون اختبار قيادة لسيارات كهربائية في معرض بي.واي.دي الجديد شمال الرياض، قال محمد إنّ “هناك إقبالا جيدا عليها حاليا. أكثر من علامة سيارات فتحت أبوابها هنا، وباتت لها خدمة ما بعد البيع، وهو ما شجع المستهلكين”.

وفي انتظار انتهاء تحضير البنى التحتية قررت الشركة الصينية توفير الشواحن مجانا لتركيبها في منازل الزبائن، وهو ما تقدمه الآن أيضا لوسيد لتحفيز عمليات البيع.

وأكد محمد أن “الموضوع أبسط من أن تتوافر الشواحن في كل مكان بالشوارع، فالمستخدم يحتاج إلى شحن سيارته لخمس وست ساعات أثناء نومه ليجدها بالمدى الكامل صباحا”.

وشكّلت السيارات الكهربائية نحو 18 في المئة من جميع السيارات المباعة في العالم عام 2023، ما يعكس ارتفاعا من 14 في المئة عام 2022 واثنين في المئة فقط قبل 5 سنوات في 2018، بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة.

بندر الخلف: نحن مسؤولون عن تنفيذ إستراتيجية تهدف إلى إنتاج 300 ألف سيارة كهربائية
بندر الخلف: نحن مسؤولون عن تنفيذ إستراتيجية تهدف إلى إنتاج 300 ألف سيارة كهربائية

وسُجلت قرابة 14 مليون سيارة كهربائية جديدة على مستوى العالم العام الماضي، 95 في المئة منها في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، ليصل إجمالي عددها على الطرق إلى 40 مليونا، وفق التقرير ذاته.

وتهدف السعودية، الساعية لتنويع اقتصادها المرتهن بالنفط، إلى أنّ تكون مركزا لهذه السوق المهمة والناشئة. ويمتلك صندوقها السيادي 60 في المئة من لوسيد التي افتتحت مصنعا العام الماضي في جدة.

كما اتفقت مع شركة هيونداي الكورية الجنوبية على بناء مصنع على الأراضي السعودية ينتج سيارات تعمل بالكهرباء والغاز، بالإضافة إلى إطلاق علامتها المحلية سير في 2022.

وقال وزير الصناعة بندر الخريف في مقابلة مع وكالة فرانس برس في فبراير الماضي “نحن مسؤولون عن تنفيذ إستراتيجية تهدف إلى إنتاج 300 ألف سيارة” كهربائية، من دون أنّ يحدد وقت ذلك.

وأشار إلى محادثات “مع مختلف الشركات المصنعة للبطاريات” التي عدّها “جزءا أساسيا جدًا” من صناعة المركبات الكهربائية.

وتنسجم تلك الخطط مع سعي السعودية لتحقيق الحياد الكربوني في 2050. لكنّ المصري عمر الشامي المقيم في السعودية قرر إمساك العصا من المنتصف وشراء سيارة تعمل بالوقود ويمكن شحنها بالكهرباء.

وقال الصيدلي وهو يشحن سيارته البيضاء التي اشتراها لزوجته إنّ “التوازن بين الكهرباء والبنزين سيكون موفرا وسهلا… قد يتغير الأمر في المستقبل مع انتشار الشواحن وتعزيز سرعة الشحن”.

وبالنسبة إلى السعودي الرفدان فإن الاستغناء عن الوقود وسهولة ملء خزان السيارة هما أمر “يحتاج وقتا”، مثلما هو الأمر بخصوص “الاعتياد على العودة إلى المنزل وشحن السيارة كما نشحن جوالاتنا”.

11