المرصد السوري لحقوق الإنسان يواجه حملة إلكترونية لمنع توثيق الجرائم

دمشق - كشف رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان عن حملة ضغوط غير مسبوقة، بلغت حد التهديدات المباشرة بالقتل، إثر تغطية المرصد للانتهاكات والجرائم التي شهدتها منطقة الساحل السوري.
وتعرض المرصد بحسب عبدالرحمن لضغوط هائلة وصلت إلى حد “إبعاده عن بعض القنوات العربية الكبرى، في مسعى لحرمان الضحايا من صوتهم الحقيقي ومنع نقل معاناتهم إلى العالم،” في سياق سعي جهات نافذة إلى “طمس الحقائق ومنع توثيق المجازر” التي راح ضحيتها المئات من المدنيين، في واحدة من أسوأ موجات العنف منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
ولعب المرصد السوري دورا كبيرا في تسليط الضوء على الأحداث في سوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد وبعده، وكانت تغطيته مكثفة لأحداث الساحل التي حظيت باهتمام الصحف العالمية التي تحدثت عن المخاوف من نشوب حرب أهلية جديدة.
وبتغطية المرصد لانتهاكات نظام بشار الأسد ضد السوريين كان قد شكل عاملا مهما في دعم الحكومة الحالية، ووصولها إلى السلطة. لكن عقب تسليط الضوء على الفوضى الأمنية والأحداث الدامية في البلاد وتناول ما تسميه السلطة الجديدة “أخطاء فردية” في مختلف المدن والمحافظات، انقلبت الأمور وبات المرصد أحد أكثر المزعجين للسلطة التي تحظى بدعم إعلامي واضح من قبل العديد من المنابر الإعلامية العربية مع عدم وجود إعلام حقيقي مؤثر داخل سوريا.
المرصد السوري لحقوق الإنسان يعتبر مصدرا للعديد من وسائل الإعلام العالمية ويمتلك شبكة واسعة من المراسلين في البلاد
ويعتبر المرصد مصدرا للعديد من وسائل الإعلام العالمية إذ يمتلك شبكة واسعة من المراسلين ومزودي المعلومات في البلاد، وقال هنري بودكين، مراسل صحيفة “تلغراف” البريطانية في الشرق الأوسط، إن “الحاكم السوري الجديد حاول تسويق رؤيته لسوريا الجديدة، من خلال فتح أبواب دمشق أمام الوفود والصحافيين الغربيين، لكن هذه المساعي تواجه خطراً الآن، بسبب إراقة دماء الأقليات على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط.”
وساهمت تغطية المرصد الانتهاكات بسوريا في إحراج حكومة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، مع تغييب الإعلام الرسمي الذي يوفر المعلومة وينقل الحدث وسط تجاهل السلطة لأهمية وجود منابر رسمية.
ونوه عبدالرحمن إلى أن الأمر الأكثر خطورة هو أن “من يتعاونون مع المرصد داخل سوريا يعيشون حالة رعب حقيقية، حيث يمكن لأي شخص في ظل الفوضى والقتل المجاني أن يكون هدفًا للتصفية الجسدية، مع جاهزية التهمة مسبقًا بأن فلول النظام السابق هم من قاموا بالاغتيال.”
ووصف الحملة الموجهة ضد المرصد بأنها “أشرس” مما تعرضوا له في أي وقت مضى، مشيرًا إلى أنهم سبق أن واجهوا تهديدات من “إيران ونظام الأسد، وتنظيم داعش، وميليشيا حزب الله، وجبهة النصرة عندما كانت تسيطر على إدلب.”
لكن هذه المرة تتخذ الهجمة طابعًا ممنهجًا ومنظمًا، يتجاوز مجرد التهديدات الفردية إلى حملة موسعة تستهدف تزييف الوقائع وإرهاب كل من يسعى لكشف الحقيقة.
وأكد مصدر مطلع للمرصد أن “فرقًا أمنية سيبرانية، يُعتقد أنها تعمل من إحدى الدول العربية، متورطة في حملة تضليل إعلامي ممنهجة” تهدف إلى “تشويه الوقائع المتعلقة بالمجزرة التي شهدتها منطقة الساحل.”
المرصد السوري لعب دورا كبيرا في تسليط الضوء على الأحداث في سوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد وبعده
وتلقت هذه الفرق دعمًا مباشرًا من السلطات السورية، وسعت إلى تشويه الأدلة وتعطيل أي ردود فعل دولية على الانتهاكات عبر تقنيات حديثة للتلاعب بالمحتوى الرقمي.
ووفق المرصد، فإن إحدى هذه الفرق “أطلقت حملة مكثفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي،” تضمنت نشر “ملايين التغريدات والمنشورات المضللة،” مستعينة “بتكتيكات متطورة”، منها “تصميم فيديوهات مزيفة، وإنشاء حسابات وهمية، واختراق منصات إلكترونية لنشر سردية مشوهة” عن الأحداث الدامية في منطق الساحل.
ورغم هذه الهجمات الشرسة أوضح عبدالرحمن أن المرصد قد واصل توثيق ما وصفه بـ”المجزرة” التي وقعت في 7 مارس، حيث أكد إعدام 1557 مدنيًا من الطائفة العلوية في عمليات قتل ميدانية.
وجمع المرصد “فيديوهات وتسجيلات توثق تورط عناصر أمنية في المجازر” التي وقعت في مدن الساحل، مثل بانياس وريف اللاذقية، وقام بنشرها عبر وسائل إعلام دولية لإحباط محاولات التلاعب بالمعلومات.
إلى جانب ذلك تواصل المرصد مع ذوي الضحايا ونشر شهاداتهم مباشرة، “الأمر الذي ساعد في كشف الروايات المضللة ومنع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً.” وطالب عبدالرحمن بضرورة فتح تحقيق دولي مستقل بشأن أحداث الساحل، بقيادة خبراء في الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وذلك لضمان تقديم المسؤولين عن المجازر إلى العدالة.
كما شدد مدير المرصد على أن “الإفلات من العقاب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الجرائم،” محذرًا من أن استمرار العنف الطائفي في “المناطق ذات الغالبية العلوية” قد يهدد بنسف السلم الأهلي في سوريا.
المرصد جمع فيديوهات وتسجيلات توثق تورط عناصر أمنية في المجازر التي وقعت في مدن الساحل
وفي مواجهة الهجمات الإلكترونية وحملات التشويه، دعا عبدالرحمن الجهات المهاجمة إلى “توجيه جهودها وأموالها لمنع وقوع المزيد من المجازر، بدلًا من استخدامها لإسكات الأصوات الحقوقية وترهيب الناشطين.”
ونوه إلى أن “الهجمات الإلكترونية ومحاولات التلاعب بالحقائق لن تنجح في طمس حجم الفظائع التي ارتُكبت،” مهما تصاعدت حملات التشويه.
وفي سياق متصل كانت الرئاسة السورية الانتقالية قد أعلنت مؤخرًا عن تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن موجة من العنف الطائفي، حيث وثقت الأمم المتحدة عمليات إعدام تعسفية شملت قتل عائلات بأكملها، من بينهم نساء وأطفال ومعاقون.
كما أكدت تقارير أممية أن ما جرى في الساحل السوري يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يُصنّف كجرائم حرب.
وأشار مدير المرصد إلى أنه تعرض لتهديدات بالقتل من قبل السلطات السورية الجديدة بسبب البيانات التي رصدها المرصد، لافتا إلى أن أحد القياديين العسكريين السوريين قال إنه سيتم اغتيال رامي عبدالرحمن إذا وصل إلى سوريا.
وأكد عبدالرحمن أن هذه التهديدات “لن تفيد، إما أن تكون وقفة عز أو لا تكون.” وأوضح أنه قد جرى إجبار الإعلاميين الأجانب على مغادرة البلاد خلال شهر، والسماح فقط لوسائل الإعلام المقربة من السلطة بالتغطية الإعلامية، مع تحديد مناطق معينة يمكنهم الوصول إليها دون غيرها.
وأشار المرصد إلى أن هذا التقييد الإعلامي قد يكون جزءًا من محاولة لإخفاء أدلة على جرائم حرب وانتهاكات إنسانية. كما حذّر من أن عزل الساحل السوري عن التغطية الإعلامية الدولية قد يُمهّد لتغييرات ديمغرافية قسرية، ويعزز الإفلات من العقاب.