المرأة كلمة السر في الريادة الحضارية

تعميق الاهتمام بقضايا المرأة العربية في البحث العلمي يعتبر مقياسا حقيقيا ومركزيا  لقياس تطور المجتمع أو تخلفه.
الأحد 2022/07/03
المرأة مقياس لحالة المجتمع (لوحة للفنان إبراهيم الحميد)

إذا نظرنا نظرة فاحصة معمقة عبر سجلات التاريخ الحافلة بالأحداث وذكريات العطاء والمجد المشرق، نجد دورا مؤثرا وعظيما حققته المرأة العربية عبر هذه النافذة، فكانت نموذجا مشرقا ومجدا من نور في جميع الأدوار المناطة بها داخل وخارج الأسرة، فهي المربية الماهرة والعالمة والفقيهة والمرشدة والمعلمة والشاعرة والأديبة والطبيبة التي تخيط الجراحات النازفة المرئية وغير المرئية، وصانعة أجيال أزهرت وأثمرت غرسا وأنضجت حضارة مشرقة في العديد من المراحل والعصور.

وبرغم التحديات كافة ما زالت المرأة العربية تسطر عظيم الإنجازات وأعظم معاني التضحية في المجتمع، نراها ليلا ونهارا تكدح وتكد وتساهم بكل طاقة تمتلكها في رعاية بيتها وأفراد أسرتها، فهي الأم القلب النابض حياة في كل طريق نسلكه، الزوجة الصابرة، الأخت الحانية، القريبة المشاركة، الرفيقة المعلمة، والعنصر الفاعل حياة في المجتمع، مما يجعل الدور الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمع لا يمكن إغفاله أو التقليل من قيمته وخطورته.

لقد توقفت كثيراً عند اختيار عنوان يعطي للمرأة العربية والإسلامية مكانتها المتنامية وحقها المأمول، ويكاد من الصعب على فنان محترف مبدع أن يستطيع نقش مدى الصبر والعطاء والجمال اللامتناهي لعظيم دور المرأة العربية وتضحياتها. ولو أضفنا إلى ذلك الصبر الشامخ للمرأة في ظل التحديات التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية لوجدنا أنفسنا أمام زهرة تنمية المجتمع، أيقونة العطاء، ميدان الحب والعطاء، روح المشاركة، أساس البنيان وقطاف الثمار؛ فالمرأة العربية في مجتمعاتنا هي الصورة الحقيقية الكلية للمجتمع، وهي المقياس الحقيقي للنظر إلى  مدى التقدم والنهضة في المجتمع.

عند النظر إلى الرسالة المقدسة التي تؤدى من قبل المرأة العربية بكل معاني الصبر والأمل رغم عظيم الألم ومواجهة جميع التحديات وصولا إلى تأدية المهام الكبرى المتمثلة في رسالة البناء والعطاء، نستطيع أن نقطف ثمرة بناء الأمة والمجتمع بشكل حقيقي وتنموي، وبذلك يتكون الجيل الصاعد الجديد وينشأ نشأة سليمة، فالمرأة التي تدرك حقيقة وعظيم دورها وتلتزم بواجباتها على الوجه الأمثل، إنما تؤثر في حركة الحياة في وطنها تأثيراً بالغاً، يدفع به إلى فضاء التقدم والرقي والريادة الحضارية النشطة.

إذاً فالمرأة العربية هي الركيزة الأساسية داخل الأسرة والمجتمع، ومن دون تعظيم دور المرأة والاهتمام بها لا يمكن حدوث التنمية الفاعلة في المجتمعات، ومجمل التحديات التي تواجه المرأة العربية، كالعنف والظروف الاقتصادية وغيرهما، يتوجب أن يتم العمل من منظور تنموي وبتعاون كامل من كافة الجهات القيادية وصناع القرار ومؤسسات المجتمع لمعالجتها وتوسيع الدور التنموي للمرأة العربية داخل المجتمع. 

Thumbnail

وبناء على ذلك بإمكان المرأة النهوض بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً إذا أعدت بصورة صحيحة للقيام بدورها المناط بها، لأجل المساهمة في بناء المجتمع بشكل قوي قادر على التعامل مع متغيرات وظروف الحياة بطريقة تحقق التنمية والمساهمة بكفاءة في عملية الإعداد والبناء، ومن هنا جاء سبق وتركيز الإسلام على بناء شخصية المرأة بشكل أصيل ومتكامل.

إن بروز المرأة العربية في العديد من المنابر الأكاديمية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها يعد في حقيقة الأمر تتويجاً للنجاحات المستمرة التي يتم إحرازها حتى الآن في عملية الكفاح المتواصلة والهادفة إلى تطوير وبناء المجتمع والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية الشاملة، من خلال وجود المرأة العربية كعضو فعال في المجتمع العربي عبر فتح بيئة خصبة لعملية تمكين المرأة. وهذه هي المرأة العربية التي تسطر يوماً بعد يوم ملامح الأفق الجميل، والمجد العظيم، والتضحيات التي تقوم بها بدءًا من محيطها الأقرب (أسرتها الصغيرة) ومروراً بمجتمعها الخارجي ووصولًا إلى العالم أجمع، لتشكل بصمات واضحة في الإبداع والتفوق والريادة في كافة المجالات المجتمعية الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية.

ولا بد من التأكيد على أن تعميق الاهتمام بقضايا المرأة العربية في البحث العلمي يعتبر مقياسا حقيقيا ومركزيا  لقياس تطور المجتمع من عدمه، فتقدم مجتمعاتنا العربية والإسلامية مرهون بتقدم المرأة فيها؛ فلا يمكن تصور تقدم مجتمعنا تاركا وراءه نصفه الثاني في حالة تخلف وضياع وتهميش، وقد أثبتت التجارب الواقعية ما قدمته المرأة العربية من تضحيات عظيمة، وإنجازات كبيرة في العديد من الميادين رغم كل العقبات والتحديات وضعف الإمكانيات، وكم تحملت وصبرت وكافحت من أجل أن تشارك في صناعة حضارة مجتمعية مشرقة وتصنع جيلا واعيا يعزز ويقدر ويحترم المرأة ودورها العظيم في كل مرحلة من مراحل البناء والنهوض.

يمكنني القول إن المرأة العربية هي الصورة المشرقة الكاملة عند النظر إلى المجتمع، فظروفها وأحوالها وخصائصها تنعكس فيها القيم الأساسية التي تحكم حركة المجتمع وتسير أموره، إنها خط الدفاع الأول، وكلمة السر في البناء والعطاء، ومفتاح الأمان والدفء ومنظومة التربية، وكفى بالأمهات العربيات كنموذج أصيل من شعب رائع، يتحملن كل شيء، يدركن أن الأحزان والشدائد لا مفر منها ومستعدات لأن يغصن فيها ليعبرن إلى الشاطئ الآخر بكل دفء وأمان.

ينشر بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية اللندنية

10