المرأة اللاجئة طاقة كبلتها المجتمعات العربية وحررتها الحياة الغربية

يقابل العالم اليوم وجها جديدا للمرأة العربية يطل من تحت أنقاض حروب عصفت وتعصف ببلدانهن وتقاذفتهن بعيدا عن أوطانهن. ودفع عدم استقرار بعض البلدان العربية سياسيا وأمنيا بالنساء إلى طرق المجهول، فوجدن أنفسهن يحملن لقب لاجئات ويواجهن الكثير من الصعاب. واندفعن صبايا وقاصرات، أمهات وعازبات ضمن موجة هجرة غير شرعية وتفرقن بين البلدان العربية والغربية بحثا عن النجاة والأمن وحفظا للكرامة، إلا أن رحلة اللجوء لم تكن أقل خطرا من الحروب ولا أكثرا أمنا. ولم يكن الاستقرار بالمجتمعات الجديدة سواء كانت عربية أم غربية بتلك السهولة التي اعتقدها البعض.
الأحد 2016/06/26
تحدي العوائق في السباحة للنجاة من الموت إلى المشاركة في اولمبياد 2016

وجدت المرأة اللاجئة نفسها مكرهة على التشبث بالحياة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، فكانت إما ضحية وحوش بشرية تتاجر في كل شيء وأي شيء، أو معنفة من قبل قوانين ذكورية رافقتها من بلدها الأم لتتناقض ونواميس مجتمعها الجديد لأنها تعطيها حق الحياة، أو قوة خارقة تذلل الصعاب وتحقق ناجحا لإثبات وجودها.

ولاقت المرأة اللاجئة في كلّ من المجتمعات العربية والأجنبية ما ساعدها على الاندماج كما اصطدمت بما عرقل مسارها وعمق مأساتها.

وحاولت المجتمعات الجديدة دعم اللاجئة ومساعدتها على الاندماج رغم كل الصعوبات التي تتمثل في بعض منها في الأعداد الغفيرة من اللاجئين مما يعيق مسار احتواء كل اللاجئات وقبولهن أو الرفض الذكوري لمساواة المرأة له في إعالة عائلتها وغالبا ما يكون هذا الرفض من ذويها، ولا سيما زوجها.

وفي كثير من الأحيان فرض على هؤلاء النساء أن يصبحن المعيل ومقدم الرعاية الرئيسي، فيعتنين بأنفسهن وبعائلاتهن بعيدا عن مجتمعاتهن ومصادر الدعم التقليدية. وترزح معظمهن تحت هذا العبء، ويعتمد كثير منهن بشكل كامل على المساعدة الخارجية.

وعلى سبيل المثال قامت منظمة تدعى الخدمة الاجتماعية للمرأة الكاثوليكية ومقرها مدينة فريشن غرب كولونيا، وهي منظمة مساعدات إنسانية تعنى بالمرأة خاصة والمهاجرين بشكل عام، بتقديم دروس للاجئات من أجل تسهيل اندماجهن داخل المجتمع الألماني.

وقد سمحت هذه المنظمة للاجئات باصطحاب أطفالهن أثناء دروس تعلم اللغة وهذا ما لا تقدمه دروس الاندماج في المعاهد المختصة، كما تقول مكين شلبال، المسؤولة عن قسم الخدمات الاجتماعية للمرأة الكاثوليكية وهي تقدم أيضا إلى جانب متطوعين آخرين دروس اللغة الألمانية للمهاجرين واللاجئين.

وتقول مكين “دروس الاندماج في المعاهد تلزم الأم بالانتظار إلى أن يلتحق الأطفال بالروضة، وهكذا تضيع عليها ثلاث سنوات دون تعلم اللغة، لهذا نحاول هنا خلق فضاء مناسب يراعي ظروف الأمهات اللاجئات من جهة، والعمل على إدماجهن في المجتمع من جهة أخرى. ولهذا خصصنا فصلا دراسيا خاصا بالأمهات وأطفالهن، حتى ينعمن بالراحة والألفة فيما بينهن”.

كما وضعت جمعية “نساء في المهجر” على ذمة اللاجئات قسما مختصا في مشاكل الحياة اليومية للنساء. بعض هذه المشاكل تخص السلطات الألمانية وأخرى تخص التحرش الجنسي، الذي تتعرض له النساء في مبيتات اللاجئين الجماعية وخارجها.

ووفق مصادر من داخل الجمعية فإن أهم أهداف جمعية “نسوة لاجئات يتكلمن بصوت عال” هي توعية المرأة العربية اللاجئة وتعريفها بحقوقها وواجباتها في المهجر الألماني، بالإضافة إلى التعرف على مشاغلهن والصعوبات التي تواجههن في محيطهن الألماني الجديد والوضع غير الإنساني، الذي بات اليوم واقعهن في هذه المبيتات الجماعية.

جمعية "نساء في المهجر" وضعت على ذمة اللاجئات قسما مختصا في مشاكل الحياة اليومية للنساء، من بينها تعرضهن للتحرش الجنسي في مبيتات اللاجئين الجماعية وخارجها

وأوضحت أولريكه لاكرو، ألمانية الأصل وناشطة في هذا المشروع، “ما هذه الجمعية إلا مشروع نسائي، ولا تنشغل سوى بمشكلات المرأة اللاجئة. لقد أسست الجمعية سنة 2002 وتنشط فيها، إلى جانب بعض العربيات السوريات الجديدات، نسوة من مختلف دول المعمورة يعشن في محافظتي براندنبورغ وبرلين فررن من بلدانهن جراء القمع والاستبداد السياسي”.

وأثبتت المرأة اللاجئة أنها قادرة على سرعة الاندماج داخل المجتمعات الجديدة مستفيدة من القوانين التي تصب في صالحها في بعض الدول الغربية التي لجأت إليها، لكنها في المقابل كبلتها الأعراف والنظرة الدونية التي حملتها معها في حقائب السفر زادها الوحيد.

ومن الأمثلة الحية على ذلك تظاهر أكثر من ألفي رجل من اللاجئين السوريين في ألمانيا، محتجين ومطالبين بالذهاب إلى النمسا، بعد أن حصلت نساؤهم على حقوقهن بالحماية القانونية، التي تمنع الزوج من ضرب زوجته وممارسة العنف ضدها. فكان الحل لدى السلطات الألمانية، بطلب عودة هؤلاء إلى سوريا، من دون اصطحاب زوجاتهم وأولادهم.

كما ناشد وزير العدل الألماني هايكو ماس السلطات عدم الاعتراف بالزواج القسري وتعدّد الزوجات لدى اللاجئين أيضا.

وأكد الوزير الاتحادي “يجب ألا نسمح بالزواج القسري، لا سيما إذا تعلق الأمر بفتيات قاصرات”.

يشار إلى أن بعض طالبي اللجوء في ألمانيا توجّهوا إلى السلطات خلال الأشهر الماضية بصحبة زوجات قاصرات، وجاء بعضهم مع أطفال أيضا.

ويضع تصريح ماس يدا على وضع من الأوضاع الصعبة التي تعايشها المرأة العربية داخل بلدها وخارجه، ولئن كان رفض ألمانيا تعدد الزوجات أمرا طبيعيا بوصفها من الدول الرافضة لذلك، فإن تفشي هذه الظاهرة التي اتخذت مسارا مغاير لطبيعتها المتعرف عليها دينيا أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للمرأة اللاجئة وصار تحت مجهر الدول العربية كذلك.

وإدراكا من مفوضية اللاجئين وشركائها بهذا الواقع الذي تعايشه العديد من اللاجئات وضرورة البحث عن حلول، عقد في القاهرة في الفترة من 3 إلى 5 مايو الماضي مؤتمر بعنوان “قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية: الواقع والمستقبل” وذلك بهدف رفع مستوى الوعي حول الوضع الخطير الذي تعانيه المرأة في سياق الحرب والنزوح وإيجاد الحلول.

وحثت جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة الدول الأعضاء على اعتماد استراتيجية إقليمية بشأن حماية الفتيات والنساء اللاجئات.

وقد أزاح هذا المؤتمر الستار عن بعض الممارسات غير الإنسانية في حق المرأة العربية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تمارس ضدها تحت غطاء الزواج. وأشار المؤتمر إلى أن زواج المصريين بالسوريات خصوصا القاصرات “استغلال لظروفهن السيئة”، لا سيما وأن عدد هذه الزيجات بلغ 12 ألف حالة زواج خلال عام واحد كلل أغلبها بالطلاق، مؤكدا أن ذلك السلوك يمثل اتجارا بالبشر، ويعد اعتداء على قيم وحقوق الإنسان، وتعارضا مع المواثيق الدولية.

خيوط التطريز ترسم هويتها

ورغم ذلك لا زالت بعض الأوساط الاجتماعية ورجال الدين في مصر يرون أن زواج اللاجئة البالغة هو خير وسيلة لتوفير الحماية الاجتماعية لها، وهو وقاية لها من الوقوع في براثن شبكات الاتجار بالنساء واستغلالهن.

وقدم المؤتمر بعض الشهادات للاجئات وقد عبّر 60 بالمئة من النساء اللواتي أجريت معهن مقابلات عن شعورهن بانعدام الأمن، وأعربت امرأة من بين ثلاث نساء عن خوفها الشديد أو عجزها حتى عن مغادرة المنزل. واشتكى الكثير من النساء من تحرشات لفظية منتظمة صادرة عن سائقي سيارات الأجرة والباصات وملّاك العقارات ومقدمي الخدمات، بالإضافة إلى الرجال في المتاجر والأسواق والمواصلات العامة وحتى في نقاط توزيع المساعدات.

وأظهر تقرير جديد صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ أكثر من 145 ألف عائلة سورية لاجئة في مصر ولبنان والعراق والأردن -أو عائلة من بين أربع- ترأسها نساء يخضن بمفردهن كفاحا من أجل البقاء على قيد الحياة.

وكشف التقرير النقاب عن الصراع اليومي من أجل تدبر الأمور المعيشية، فيما تناضل النساء للحفاظ على كرامتهن والاهتمام بعائلاتهن في منازل متداعية ومكتظة، وملاجئ مؤقتة وخيام غير آمنة. ويعيش الكثير منهن تحت خطر العنف أو الاستغلال، ويواجه أطفالهن صدمات نفسية ومآسٍ متزايدة.

وقال أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “بالنسبة إلى مئات الآلاف من النساء، لم يكن الفرار من الوطن المدمر سوى الخطوة الأولى في رحلة محفوفة بالمشقة”. كما أن الدلائل كلها تشير إلى أن النساء عموما، أكثر قدرة على الاندماج في المجتمعات الجديدة، فالمرأة مستعدة لتعلم لغة البلد الجديد، وليس لديها أيّ تحفظ تجاه انخراطها في عمل ما.

وقدمت العديد من اللاجئات مثالا حيا على ذلك، حيث سردت صالبي جاباكشوريان إحدى اللاجئات الفارّات رفقة ابنها من المعارك في مدينة حلب السورية قصة كفاحها في مناخ غربي يختلف في نواح عدة عن مناخها العربي.

ولخصت صالبي الوضع بقولها إنها بعد أربعة أعوام على فرارها من سوريا مع ابنها كايتس إلى أرمينيا، باتت تملك أحد أشهر المطاعم في يريفان.

ويأتي نجاح صالبي نتيجة لمساعدة المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة للاجئين، وقال أناهيت هايرابتيان، المنسق في المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة “نعطي دروسا حتى يعتاد اللاجئون السوريون على القوانين والتنظيم الضريبي. ونقدم أدوات وتجهيزات للذين يريدون إنشاء تجارة صغيرة”. وأضاف هايرابتيان أن “عشرات المطاعم السورية الجديدة والمقاهي، أحدثت تحولا فعليا في تقاليد الطهو المعروفة في العاصمة”.

وفي الإطار ذاته حاولت لاجئات فلسطينيات في لبنان أن ينسجن قصص نجاحهن بخيوط التطريز، حيث جمع التطريز التقليدي الفلسطيني بين كثيرات أمثال فاطمة وكفاح ولطيفة وأمل وسعاد وصبحية وغيرهن حيث ينسجن جميعا قصص نجاحه ويوفرن من خلال التطريز أموالا لمساعدة أُسرهن. وهؤلاء من بين أكثر من 100 لاجئة فلسطينية يعشن في لبنان تعلمن التطريز التقليدي الفلسطيني من خلال مشروع تطريز يموله الاتحاد الأوروبي ويهدف إلى زيادة دخل اللاجئات الفلسطينيات من خلال التطريز التقليدي.

وبدأ المشروع قبل ثلاث سنوات وله متجر على الإنترنت يبيع من خلاله وسائد وشالات وأوشحة وحقائب وإكسسوارات وأحزمة. وهدف المشروع هو المساهمة في تحقيق أمن اقتصادي للاجئات الفلسطينيات الأكثر عرضة للخطر في مخيمات بطرابلس وصيدا وصور في لبنان.

أول فصل في دروس حياة جديدة

والمستفيدات من المشروع هنّ لاجئات من العازبات والأرامل والمطلقات وكذلك اللائي يعاني أزواجهن أمراضا أو إعاقات أو زوجات المسجونين.

وأكدت بعض النساء أن هذا المشروع صنع فارقا كبيرا في حياتهن، حيث قالت امرأة تدعى فاطمة “أول شي بلشت بالقطع الصغيرة لما كانوا يدربونا. وبتعرف أول شي الواحد ببدايته كل شي صعب بس مع التعليم والتدريب بيصير له دور إيجابي أكيد. هلا من ناحية شو له تأثير ع حياتي. أكيد فيه له تأثير. صار فيه هدف. صار فيه نقطة انطلاق ممكن أنا أبلش منها. وهن كان بيلعبوا دور بها الشي. وكان لهن دور كبير بها الشي”. كما أن نجاة يسرى مارديني من رحلة محفوفة بالمخاطر عند عبورها بحر إيجه في محاولة للوصول إلى الشواطئ الأوروبية، فتحت أمامها طريق الشهرة والنجاح لتصبح إحدى اللاجئين العشرة المرشحين للمشاركة في الألعاب الأولمبية المقرر تنظيمها في شهر أغسطس في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل.

وتقول مارديني البالغة من العمر 18 عاما “أرغب في أن يكون اللاجئون فخورين بي. أريد أن أشجعهم”. وأعربت مارديني عن أملها في التتويج بميدالية ذهبية خلال أولمبياد طوكيو عام 2020، فيما أشار مدربها زفين سبانيكريبس إلى أن تأهلها للأدوار النهائية خلال الأولمبياد القادم سيكون بمثابة معجزة.

وفي قصص نجاح اللاجئات ببلدان المهجر ما يدعم النظرة المتفائلة لمارديني، حيث مثلت المجتمعات الغربية في كثير من الأحيان مناخا جيدا ترعرعت فيه المرأة العربية وأثبتت من خلاله أنها قادرة على العطاء والنجاح.

وقد لفت العديد من اللاجئات الأنظار إليهن وسلطت الأضواء على نجاحهن على غرار اختيار اللاجئة البوسنية “عايدة هادزيك” لتكون أول وزيرة مسلمة في السويد، وقد حظيت بهذه المكانة بفضل تصنيفها من قبل مجلة اقتصادية سويدية في المرتبة العاشرة من بين مئة امرأة ناجحة. كما رسخت البارونة الباكستانية سعيدة وارسي الوزيرة السابقة بمجلس الوزراء البريطاني قصتها ضمن أبرز قصص نجاح اللاجئات. وعندما تولّى ديفيد كاميرون رئاسة الوزراء في 2010 كانت هي أول سيدة مسلمة تعمل كوزيرة في مجلس الوزراء، واعتلت مناصب عدة لكنها أنهت مسيرتها السياسية وقدمت استقالتها من منصبها في أغسطس 2014 معترضة على موقف وسياسة الحكومة من أحداث غزة.

وكانت من الشخصيات البارزة في المجتمع، ويؤيد هذا ما قاله بوريس جونسون عمدة لندن السابق في حقها “لقد أدت عملا عظيما لنا، وآمل أن تعود مرة أخرى بأسرع وقت محتمل”. فيما قال نائب رئيس الوزراء السابق نك كليغ “إنه ليس سرا أن هناك وجهات نظر قوية حيال الأمر وقد هزت الرأي العام بموقفها بعد ‘قصة نجاح’ باهرة”.

كاتبة من تونس

20