المخرجة المغربية فاطمة الجبيع لـ"العرب": أزمة السينما عندنا الدعم والتمويل

يشهد الإنتاج السينمائي المغربي تطورا لافتا في الكم والكيف، حركية سينمائية ساهمت في ترسيخها أجيال متلاحقة من السينمائيين، ولكن رغم ذلك تبقى هناك تحديات ماثلة أمام المشتغلين في القطاع، وهو ما تتحدث فيه إلى “العرب” الممثلة والمخرجة المغربية فاطمة الجبيع في هذا الحوار.
بدأت المخرجة المغربية فاطمة الجبيع مشوارها المهني كممثلة عندما كانت في سن الخامسة عشرة، لتشارك في العديد من الأعمال المسرحية، إذ انضمت إلى فرق المسرح “الشامل” و”الصورة”، وقامت إثر ذلك بتسجيل أول مشاركة لها في عمل تلفزيوني من إخراج مصطفى الخياط، لتتواصل مسيرتها المهنية خلف الكاميرا أيضا.
مسيرة الجبيع خلف الكاميرا انطلقت بقيامها بمساعدة إخراج في مسلسل “الكواليس” من تأليف الراحل العربي باطما وإخراج مصطفى الخياط. ثم قامت بإخراج العديد من الأعمال الدرامية مثل “لا تبحثوا عني”، “الهاربان”، “أنا وخويا ومراتو”، “عائلة السي مربوح” و”دار أمي اهنية”، و”لخواتات”.
وإثر ذلك تولت مسؤولية الإخراج في الأعمال التلفزيونية مثل “قطار الحياة”، “هذا حالي” ، بالإضافة إلى إخراج أفلام قصيرة في نفس الفترة وهي “الطريق المسدود” و”محاولة حب” و”بدون تعليق” و”شريكتي مشكلاتي” الذي جمع نخبة من نجوم التمثيل المغاربة.
الأفلام أفكار ورسائل
من التمثيل إلى الإخراج هدف يسعى إليه الكثير من المشتغلين في السينما المغربية، بينما ترى فاطمة الجبيع أنه لم يكن يوما الهدف الأساسي في مسيرتها.
تقول “بدأت مسيرتي المهنية بأدوار الكتابة والعمل كمساعدة مخرج. عملت بجد واجتهدت في العديد من المشاريع التي تطلبت تقنيات الكتابة والإخراج. ومع أني أحترم وأقدر دور الممثل والمخرج، إلا أن شغفي الحقيقي كان وما زال هو الكتابة والإخراج. يمكنني أن أؤكد لك بأنني أقرب إلى الممثل في قلبي، لأنني أعتبر نفسي ممثلة. وعندما يتحول الممثل إلى مخرج، يتمتع بفهم عميق للأدوار وقدرة على إدارة الممثلين ببراعة، حيث يستخدم خبرته ومشاعره الشخصية لتوجيه الأداء وجعله يصل إلى أعماق الشخصية التي يجسدها”.
وتضيف “الممثل الذي يصبح مخرجا يتعامل بدقة وحساسية مفرطة مع أدق تفاصيل عمله، لأنه يحاول نقل رؤيته وإحساسه إلى المشاهدين. هذا هو الحال بالنسبة إليّ أيضًا، فعندما أعمل كمخرجة على أعمالي، أسعى لأن يكون للفيلم أثر قويّ على الجمهور وأن أنقل القصة بكل عاطفة وإبداع”.
المخرجة تسعى من خلال أعمالها لمناقشة فكرة معينة وإيصالها بطريقة فنية تجعل المتلقي يرى الأشياء بعمق أكبر
وتلفت إلى أنه بالرغم من أهمية التقنيات السينمائية مثل المونتاج والإضاءة، فإن شغفها الحقيقي بالإخراج يكمن في قدرتها على التعبير والتواصل مع المشاهدين من خلال السينما. إذ تعتبر أن المخرج هو الذي يتحمل المسؤولية عن اختيار الموضوع وطرحه بطريقة تلامس القلوب وتصل إلى أكبر عدد من الجمهور.
مضيفة “إن رغبتي في أن أكون مخرجة لا تكمن في الحصول على لقب، بل في تحقيق حلمي والتعبير عن أفكاري ومشاعري من خلال أعمالي السينمائية. وسأعمل بكل حب وإخلاص لتحقيق هذا الحلم الذي لا يفارقني منذ البداية”.
قدمت الجبيع أعمالًا من أنواع مختلفة وشاركت كمخرجة في العديد من المشاريع. ومن بين أعمالها، ست سلاسل وثلاثة مسلسلات وأربعة أفلام وأفلام قصيرة، بالإضافة إلى فيلم وثائقي تم إنتاجه للمركز السينمائي، وسلسلة أفلام وثائقية للقناة الأمازيغية. ورغم وفرة إنتاجاتها نسبيا فإنها مازالت تعمل بجد لتقديم أحلام مختلفة بأشكال متنوعة.
تقول “اختياري للتنوع في الأعمال يستمد قوته من إيماني الدائم بأن الفن هو مصدر متعة وفائدة. أسعى من خلال أعمالي لمناقشة فكرة معينة وإيصالها بطريقة فنية تجعل المتلقي يرى الأشياء بعمق أكبر. ومن خلال اختلاف المواضيع والأنماط التي أقدمها، أجد نفسي أعبر عن جوانب متعددة من موهبتي الفنية وأنقل رؤيتي الإبداعية بأساليب متنوعة. يعطيني هذا الاختلاف الفرصة للتعبير عن أفكاري وأحلامي بأشكال متنوعة تستهدف شرائح مختلفة من الجمهور”.
وحول أول فيلم قامت بإخراجه، تقول إنها عندما استوقفتها فكرة سرعان ما انطلقت في تدوينها وتجسيدها في فيلم قصير يحمل اسم “المسلك المغلق”. وركزت خلال الفيلم على استكشاف النظرة الذكورية للمرأة والاضطهاد النفسي الذي تعانيه بسبب كونها أنثى. وتضيف “كنت أشعر بالانزعاج الدائم تجاه بعض الرجال الذين ينظرون إلى المرأة على أنها مجرد جسد خاوٍ من الإنسانية والمعرفة والكفاءة. يبدو أنهم يركزون فقط على أنها امرأة، وعقولهم لم تتجاوز فكرة أن تكون أكثر من ذلك”.
وتتابع المخرجة المغربية “كانت تلك النظرة المُجردة للمرأة تثير استيائي باستمرار وفي كل مكان، سواء في مكان العمل أو الشارع أو أيّ مكان آخر. حتى الرجل الذي أعمل جاهدة لأحميه وأسانده، أحيانًا لا يرى المرأة سوى جسد يمكنه أن يُلقي عليه النظرات الجارحة بغض النظر عن موقفها. ينظر إليها فقط بناءً على مظهرها ولا شيء آخر. هذه الوضعية المُحبطة كانت مصدر إلهامي لأجلبها إلى الحياة من خلال فكرة الفيلم”.
في النهاية، “المسلك المغلق” يأمل أن يسلط الضوء على الواقع المرير الذي تعيشه المرأة ويُشجع على تغيير هذه النظرة القاصرة والتعامل مع المرأة كشخص بامتياز، ذي قدرات ومواهب لا تقتصر على جنسها.
الإنتاج وتحدياته
فاطمة الجبيع تلخص أزمة السينما المغربية في كلمتي الدعم والتمويل
أغلبية الأفلام العالمية التي تحصد جوائز الأوسكار، يكون فيها المخرج هو نفسه السيناريست، حول سبب نجاحات هذه الأفلام في نظرها، وإن كانت تميل إلى هذه الثنائية في أفلامها، تقول الجبيع “عندما يكون المخرج هو السيناريست، فإن الفيلم يكون أكثر جاذبية للنجاح، طبعاً إذا كانت فكرته وطريقة طرحها تستحق ذلك. المخرج الحقيقي هو الشخص الذي يجب أن يختار عملا يؤمن به ويحس بفكرته، حتى يستطيع تجسيدها عبر الصورة. إذا لم يكن للمخرج ارتباط عاطفي بالعمل الذي يقدمه فسيظهر الفيلم جافًا وخاليًا من الروح، حيث يمر أمام المشاهد دون أن يحس به أو يفهم معناه”.
ولا يقتصر ذلك، في رأيها، على المخرج فقط، بل ينطبق على جميع أفراد فريق العمل، وخاصة الممثل والمصور والمهندس الصوتي. المصور عندما يلتقط لقطة، يجب أن يتأثر بالدور المقدم من الممثل ويحس بكل تحركاته، حتى تظهر اللقطة حية ومشوقة، وليست مجرد صورة عادية.
وتتابع “من وجهة نظري الشخصية، أفضل العمل مع فريق آخر، ولا أفضل الثنائية في الاشتغال. أحب أن أتبنى سيناريوهات لأشخاص آخرين، لأنني أؤمن بأفكارهم وأرغب في تجسيد رؤاهم بطريقة مميزة. أو قد تكون لديّ فكرة خاصة بي، لكنني أفضل مشاركتها مع سيناريست آخر لإضافة نقاط نظر مختلفة وجعل الفكرة أكثر تنوعًا وجاذبية”.
حول معنى أن تكون منتج أفلام، فبالنسبة إليها، يمتلك منتج الأفلام منطقا آخر يختلف عن المنطق العادي. قد يكون هذا المنطق مختلفا عن النهج التقليدي في سياق الحياة، ولكن هذا ما يثير اهتمامي في إنتاج الأفلام. إن إنجاز فيلم بالنسبة إليها ليس مجرد إنتاج لعمل سينمائي، بل هي فرصة للتعبير والتحليق في أفق أجمل واكتشاف عوالم جديدة تغذي الروح وتغري الأمل.
وتقول الجبيع “بالطبع، لا يمكننا أن نقتصر على إنتاج أفلام فقط من أجل الإنتاج السينمائي، بل يجب أن تكون هناك رؤية ورسالة ترغب في توصيلها من خلال هذا العمل الفني. قد يجد البعض صعوبة في فهم هذا المنطق وقد يتعارض مع وجهات نظرهم، ولكن بالنسبة إليّ الفيلم هو مسؤولية وتجربة تحملها كل منتج أو حالم يرغب في إنجاز الأفلام”.
رغم تطور الإنتاج تشكو السينما المغربية من قلة التمويل والدعم المحدود والتحديات القانونية والتنظيمية، وأيضا التحديات التقنية والتدريبية
أما عن الصعوبات التي تواجه المخرج في المغرب، فتقر بوجود العديد من التحديات، بما في ذلك صعوبة التصوير بسبب ضغوط الإنتاج والمطالبة بتقديم أعمال متميزة تلبي توقعات المتلقي، حتى وإن لم يكن ملمّا بظروف العمل. وهذه المشكلة تُسبب تداعيات سلبية أخرى تتطلب التفكير الجاد والتدبير الحكيم لتجاوزها بنجاح.
وعن وجهة نظرها في الساحة السينمائية المغربية بصفتها ممثلة ومخرجة، ترى أن الساحة السينمائية تتطور وتنمو بشكل ملحوظ. ازدادت المساحة السينمائية المغربية تنوعًا وانفتاحًا على مختلف الأفكار والثقافات. كما شهدت تزايدًا في عدد الأفلام المنتجة محليًا ومشاركتها في المهرجانات الدولية، وهذا يعكس نموًا وتطورًا إيجابيًا.
وتتابع “قد تواجه بعض التحديات التي قد تؤثر على التطور المستقبلي للقطاع، مثل مشكلات التمويل والدعم المحدودة، والتحديات القانونية والتنظيمية، وأيضًا التحديات التقنية والتدريبية. لكن على الرغم من ذلك، الإبداع والموهبة المغربية في السينما عوامل محفزة لنجاح هذه المهنة”.
وحول مشاريعها السينمائية القادمة، تذكر أنها قد قامت بالعمل على بعض المشاريع التلفزيونية والأفلام السينمائية وكذلك التدريب على عروض مسرحية، وذلك كجزء من طلبات العروض التي تلقتها.
وتلخص أزمة السينما المغربية في كلمتي الدعم والتمويل. بينما تعتبر أن السينما هي فن وسبيل للتعبير الإبداعي وأيضا هي ثقافة ووسيلة لنقل المعرفة.