المخاوف من تطرف الحكومة الإسرائيلية الجديدة تتفاقم

تثير سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المرتقبة مخاوف داخلية وخارجية على حد سواء، إذ أن سيطرة الأحزاب الدينية والقومية على الحقائب السيادية يؤسس لمرحلة من عدم الاستقرار على الصعيدين الأمني والسياسي.
القدس - قالت دوائر سياسية وأمنية في إسرائيل إن تل أبيب مقبلة على مرحلة من عدم الاستقرار مع توجه اليمين الديني والقومي للسيطرة على الأجهزة الأمنية، ما يؤسس لمعارضة سياسية قوية في الداخل ومخاوف دولية من انفلات الأوضاع الأمنية في فلسطين على وقع تصاعد المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية.
وصادق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، الثلاثاء، بقراءة تمهيدية على ثلاثة مشاريع قوانين يهدف اثنان منها إلى سيطرة الائتلاف الحكومي المرتقب بقيادة بنيامين نتنياهو على مفاصل الدولة الأمنية. وبحسب القانون الإسرائيلي، تحتاج تلك المشاريع إلى التصويت بثلاث قراءات أخرى لتصبح قوانين نافذة.
وبأغلبية 62 نائبا مؤيدا (من أصل 120 نائبا في الكنيست) مقابل 53 معارضا، صادق الكنيست على ما يُعرف إعلاميا بـ”قانون درعي”.
وهذا القانون يهدف إلى السماح لرئيس حزب شاس المتشدد (حريدي) أرييه درعي بأن يصبح وزيرا بالرغم من الحكم عليه في يناير الماضي بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ لارتكابه مخالفات ضريبية.
ويطالب المشروع بتعديل “قانون الأساس” (بمثابة دستور لإسرائيل) الذي يمنع من حُكم عليه بالسجن من تولي منصب وزاري، بحيث يُستثني المحكوم عليهم بالسجن مع إيقاف التنفيذ.
والمشروع الثاني يُعرف باسم “قانون بن غفير” وأيده 61 نائبا مقابل معارضة من 53. ويقترح المشروع تعديل “مرسوم الشرطة”، بحيث تكون خاضعة للحكومة وتحديدا لوزير الأمن القومي المرتقب النائب المتشدد إيتمار بن غفير رئيس حزب “عوتسما يهوديت” (قوة يهودية)، وتحويل مفوض (قائد) الشرطة إلى تابع للوزير.
و”مرسوم الشرطة” هو القانون الذي يحدد مهامها وينظم العلاقات بين قائدها العام ووزير الأمن الداخلي (أصبح “الأمن القومي”) ويمنح استقلالية شبه كاملة للشرطة وقائدها.
وقبل التصويت، قال وزير الأمن الداخلي المنتهية ولايته عومر بارليف إن هذا المشروع يهدف إلى “المس باستقلال الشرطة وتحويلها إلى أداة في أيدي السياسيين”.
وحذر من أنه “سيدمر استقلالية الشرطة ويلحق ضررا جسيما بالديمقراطية الإسرائيلية.. هذا انقلاب حقيقي. سيحول إسرائيل إلى دولة بوليسية”.
وعقب ذلك صوّت 61 نائبا لصالح ما يُعرف إعلاميا بمشروع “قانون سموتريتش” بينما عارضه 51.
وهذا المشروع يسمح للنائب بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب “الصهيونية الدينية” بالحصول على صلاحيات وزير في وزارة الدفاع، حيث يقترح إضافة أحكام إلى “قانون الأساس” ويمكن بموجبها تعيين وزير إضافي في الوزارة يكون مسؤولا مع وزير الدفاع عن مجالات معينة في نطاق عمل الوزارة.
ومنتقدا المشروع، قال وزير الدفاع المنتهية ولايته بيني غانتس إن “إنشاء وزارة داخل وزارة لا يُوصى به في أي هيكل تنظيمي، وبالتأكيد ليس عندما يتعلق الأمر بالمسائل الأمنية”.
وتابع “ما أفهمه من اتفاقيات الائتلاف (بين نتنياهو وقادة معسكر اليمين بقيادته) هو أن الحكومة (المرتقبة) تطالب بتأسيس وزارة دفاع ثانية لشؤون يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية). هذا هو دور مشروع القانون. الدرس الأول في الجيش هو وحدة القيادة”.
ومن المقرر إحالة مشاريع القوانين الثلاثة إلى “اللجنة المنظمة” (تنظم عمل الكنيست واللجان البرلمانية) لتحديد اللجان التي ستناقشها تمهيدا لطرحها للتصويت للقراءة الأولى.
وفي وقت سابق الثلاثاء، انتخب الكنيست ياريف ليفين من حزب الليكود اليميني (بقيادة نتنياهو) رئيسا مؤقتا له خلفا لميكي ليفي من حزب “هناك مستقبل” الوسطي.
وأمام نتنياهو مهلة حتى 21 ديسمبر الجاري لتشكيل حكومة، ويمكنه طلب تمديدها 4 أيام أخرى مرهونة بموافقة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي يمكنه تكليف شخصية أخرى بتشكيل الحكومة في حال فشل نتنياهو.
وقالت صحيفة عبرية إن الاتحاد الأوروبي جمّد التعاون مع الشرطة الإسرائيلية، على خلفية مخاوف من سياسة الحكومة المرتقبة.
وفي سبتمبر الماضي، وقع الجانبان مسودة اتفاق لتحسين نقل المعلومات الاستخبارية بين إسرائيل ودول الاتحاد بهدف “إحباط الجريمة والإرهاب”، إلا أنه يحتاج الآن إلى موافقة البرلمان الأوروبي.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مصادر مطلعة في تل أبيب (لم تسمّها)، أن “الاتحاد أبلغ السفير الإسرائيلي لديه حاييم ريغيف، أنه في الوقت الحالي سيتوقف عن الترويج لمسودة اتفاق للتعاون الاستخباري بين الشرطة الإسرائيلية ووكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)”.
وقال مسؤولون إسرائيليون للصحيفة، إن القرار هو أول إشارة أوروبية على أن التغيير في السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية سيؤدي إلى الإضرار بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.
وبحسب أحد المسؤولين “هناك ضغوط في أوروبا لتقليل التسامح تجاه إسرائيل الآن بعد تغيير الحكومة”.
وخارجيا، أثارت إزالة لافتة كانت تحظر اقتحام اليهود للمسجد الأقصى، قلقا لدى الفلسطينيين من مغبة إقدام السلطات الإسرائيلية على تقسيم المسجد زمانيا ومكانيا.
فمنذ عقود، ثبتت الحاخامية الإسرائيلية لافتة باللغتين العبرية والإنجليزية عند المدخل المؤدي من حائط البراق إلى المسجد الأقصى، تقول “إعلان وتحذير، وفقًا للتوراة يمنع على أيّ شخص الدخول إلى منطقة جبل الهيكل (الأقصى) بسبب قدسيته”.
لكن مؤخرًا، استُبدلت لافتة التحذير بلافتة ترحيب تحمل اسم مجموعة يهودية خاصة، وتقول “مرحبا بكم في جبل الهيكل”، ما أثار مخاوف فلسطينية.
وقال الشيخ ناجح بكيرات رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث (خاصة) “من الواضح أنه تقف خلف هذه الخطوة المجموعات المتطرفة التي تدعو لاقتحام المسجد والتي نعتقد أنها تشكل حوالي 10 في المئة من اليهود”.
ويأتي ذلك تزامنا مع تصاعد حدة العنف في الضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل منذ يونيو 1967. وفي أعقاب هجمات دامية شهدتها إسرائيل منذ مارس الفائت شنّ الجيش الإسرائيلي أكثر من ألفي عملية دهم وعملية أمنية في الضفّة الغربية، لاسيما في منطقتي جنين ونابلس (شمال) اللتين تعتبران معقلاً لجماعات مسلّحة.
وأسفرت عمليات الدهم هذه والاشتباكات عن مقتل أكثر من 125 فلسطينياً، وهي أكبر حصيلة خلال سبع سنوات، بحسب الأمم المتحدة.
وقال وسيط الأمم المتحدة للشرق الأوسط تور وينسلاند إن “الصراع وصل مرة أخرى إلى نقطة الغليان”.
واستولت إسرائيل على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وهي مناطق يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم، في حرب عام 1967.
وتوقفت المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة في عام 2014، لكن توسيع المستوطنات الإسرائيلية استمرّ بالرغم من المعارضة الدولية.