المخاطر المخفية للجدل بين معاداة السامية وحرية التعبير

المجتمعات المسيحية أظهرت العداء ضد اليهود على مر التاريخ وهو ظاهرة انتشرت على نطاق أكبر بكثير مما انتشر في المجتمعات المسلمة وطال العداء والشيطنة والقهر والعنف تاريخ السكان اليهود في أوروبا.
السبت 2023/12/23
قلق متزايد من تأثير السياسة الإسرائيلية على الخطاب الأميركي

التاريخ اليهودي مليء بأمثلة تحذر من فشل الانعتاق. واعتُبر اليهود للآلاف من السنين “الآخر” في المجتمعات المضيفة لهم في الكثير من الأحيان. ويستمر هذا الاتجاه إلى اليوم رغم ظهور تغيرات في المعاملة في بعض البلدان. وشهد القرن الماضي جهودا مختلفة لتحقيق حقوق اليهود المدنية والسياسية، بما في ذلك المبادرات الدينية مثل اليهودية الإصلاحية والحركات السياسية مثل الصهيونية، إلا أنها لم تعالج القضايا الأساسية كما يجب.

الصهيونية نجحت إثر المحرقة في إقامة دولة إسرائيل، لكنها لم تحل قضية الانعتاق اليهودي الأساسية. وليست هذه الدولة آمنة، وهي غير قابلة للحياة لأسباب عديدة. وتفاقمت الفكرة التي تؤكد هذا مع افتقار إسرائيل إلى الحدود المعترف بها دوليا، واستمرار عجزها أو عدم رغبتها في إقامة سلام دائم مع السكان الفلسطينيين الأصليين.

وبدل أن تعمل إسرائيل على تخفيف هذه التحديات، أنفقت موارد كبيرة لبناء احتلال عسكري واسع النطاق للسيطرة على كل جوانب حياة الفلسطينيين. وتتلقى جل الموارد المطلوبة لفرض الهيمنة الشاقة من الخارج في شكل مساعدات عسكرية وغطاء دبلوماسي من الولايات المتحدة.

الذين تدفعهم الرغبة في محاربة معاداة السامية قد يؤججون النيران بتبنيهم الأعمى لنقاط الحوار الإسرائيلية، وإذا كان التاريخ مؤشرا على ما قد يحدث فقد نتوقع عواقب لهذا التجاوز الملحوظ

اعتماد دولة يهودية علمانية على أمة ذات أغلبية مسيحية مثل الولايات المتحدة أمر يدعو للقلق، بسبب العداء التاريخي بين المجتمعات المسيحية واليهود. وهذا ما يتناقض مع الرواية التي تروّج لها حملات العلاقات العامة الحالية في إسرائيل. وهي لا تتطرق إلى هذا التاريخ المظلم ولكنها تدّعي بدلا من ذلك أن المسلمين هم الذين أظهروا المزيد من العداء تجاه اليهود. وأظهر العديد من المجتمعات المسيحية العداء ضد اليهود على مر التاريخ، وهو أمر انتشر على نطاق أكبر بكثير مما انتشر في المجتمعات المسلمة. وطال العداء والشيطنة والقهر والعنف تاريخ السكان اليهود في أوروبا.

ورغم أن الولايات المتحدة ليست دولة دينية، إلا أنها دولة ذات أغلبية مسيحية شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولا حادا في السياسة نحو اليمين المعروف بالخطاب المتطرف المناهض للمهاجرين. وليس من المستبعد أن يثير سياسي أميركي شعبوي يوما ما تساؤلات حول ولاء اليهود الأميركيين وطبيعة العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بل هو أمر بحكم المؤكد. وفي الحقيقة، صدرت عن الرئيس السابق دونالد ترامب مثل هذه التلميحات بالفعل من خلال تعليقاته حول اليهود الأميركيين وتصريحاته التي وصف فيها المتظاهرين النازيين في شارلوتسفيل بأنهم “أشخاص طيبون للغاية”. وكان هذا أمرا مربكا، ولكنه لم يكن مفاجئا من وجهة نظر التاريخ اليهودي الذي شهد العديد من مثل هذه التحولات.

يمكن أن تشكل الضجة الأخيرة التي أحاطت بكيفية تعامل الجامعات الأميركية مع معاداة السامية إثر هجوم حماس في 7 أكتوبر نقطة تحول أخرى. ويتوجه التركيز على كيفية تعامل مؤسسات مثل هارفارد وجامعة بنسلفانيا مع الجدل الدائر حول إسرائيل وفلسطين. وتقرر خلال الشهر الماضي استدعاء رؤساء هذه الجامعات أمام الكونغرس لمعالجة هذه القضايا، وشهدنا جلسة استماع ذكرتنا بعصر مكارثي. واستجوب أعضاء جمهوريون في الكونغرس هذه الشخصيات حول استخدام شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر” التي يعتمدها الناشطون المؤيدون لفلسطين.

واعتمد الفلسطينيون هذا الشعار لعقود، وهو يدعو إلى حريتهم ومساواتهم من البحر المتوسط ​​إلى نهر الأردن. لكن الحكومة الإسرائيلية والناشطين المؤيدين لإسرائيل يقولون إنها دعوة مبطنة للقضاء على إسرائيل والوجود اليهودي في الشرق الأوسط. ويتغاضون في الغالب عن حقيقة اعتماد المستوطنين الإسرائيليين لشعارات مماثلة في دعايتهم، وأن الكتب المدرسية الإسرائيلية كثيرا ما حذفت أيّ إشارة إلى فلسطين على خرائطها. وذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في 2013 أن 76 في المئة من الخرائط المستخدمة لتعليم الأطفال الإسرائيليين لم تحدد الحدود بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، وتركت المناطق الفلسطينية دون تسمية.

القلق الأكبر يكمن في الكيفية التي قد تؤدي بها هذه المناقشة إلى تأجيج استياء عدد متزايد من الأميركيين من تأثير السياسة الإسرائيلية على الخطاب الأميركي

عودة إلى جلسة الاستماع في الكونغرس، حيث استجوب أحد المشرعين الجمهوريين، الذي دعا في السابق إلى إزالة ما يدعم “أجندة الاستيقاظ” من الجامعات الأميركية، رئيسة جامعة هارفارد، كلودين غاي حول ما إذا كانت “الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود تنتهك قواعد جامعة هارفارد بشأن التنمر والتحرش”. وقالت غاي إن الأمر يعتمد على السياق، وهو ما أشارت مجلة “نيويوركر” إلى أنه كان الرد الصحيح لأن “أيّ تحديد مسؤول لانتهاك السياسة يعتمد على السياق”. وبعد جلسة الاستماع، خسرت ليز ماغيل رئيسة جامعة بنسلفانيا وظيفتها، وبدأ فصل جديد في الجدل حول حرية التعبير الأميركية.

لقد أصبح النقاش الإسرائيلي – الفلسطيني الآن منصة لمناقشة قضايا حرية التعبير الأوسع في الولايات المتحدة. وبينما قد تسهّل هذه المناقشات التغيير الحقيقي، إلا أنها تشكل سببا للقلق في هذه الحالة لأن الأسس الفكرية التي يقوم عليها هذا النقاش تبدو ضعيفة. فعلى سبيل المثال، لا يعادل تكرار شعار للدفاع عن الحقوق الفلسطينية الدعوة إلى الإبادة الجماعية. وغالبا ما تعتمد محاولات الربط بين الاثنين على نقاط حوار علاقات عامة إسرائيلية تجاوزها الزمن.

ويكمن القلق الأكبر في الكيفية التي قد تؤدي بها هذه المناقشة إلى تأجيج استياء عدد متزايد من الأميركيين من تأثير السياسة الإسرائيلية على الخطاب الأميركي. ويواجه المواطن الأميركي العادي قضايا ملحة متعددة بالفعل، وقد لا تكون معاملة إسرائيل للفلسطينيين وعلاقاتها العامة الدولية في مقدمتها.

ويستطيع سياسيو أميركا أن يروا هذا المنفذ في حملاتهم الانتخابية. ويبدو دونالد ترامب المثال الأكثر وضوحا، ولكن لا بد أن آخرين سيتبعونه. ومن المفارقات أن النشطاء المؤيدين لإسرائيل، الذين تدفعهم الرغبة في محاربة معاداة السامية، قد يؤججون النيران بتبنيهم الأعمى لنقاط الحوار الإسرائيلية. وإذا كان التاريخ مؤشرا على ما قد يحدث، فقد نتوقع عواقب لهذا التجاوز الملحوظ، وهو ما لن يكون بالتأكيد لصالح اليهود.

9