"المحكوم عليها بالأمل".. رسائل عاشقين خياليين

الرياض - “السعداء مشغولون في سعادتهم، أما التعساء فيكتبون رسائل مطولة”، هذا ما تقوله الكاتبة السعودية عهود عبدالكريم، وتلك هي الحقيقة، فالسعداء لا يجدون وقتا ليتحدثوا عما يشعرون به، بل إنهم يحيون السعادة بإخلاص دون تفكير في التأريخ لها، المهم أن يعبوا من أنهارها عبا. وحدهم من يجرون أذيال خيبتهم وحزنهم يهتمون بتسجيل اللحظات المؤلمة، ويتجرعون مر كأسها وينزفون حروفهم المتألمة على قوارع الصفحات البيضاء.
في كتابها “المحكوم عليها بالأمل” تعترف الكاتبة بمواقف مرت عليها وكانت بها سعيدة، لكنها في وصف الألم تنثال على السطور منسابة وكأنها تتدفق من مورد لا يجف معينه.
وهذا ما تؤكده أواخر الرسائل الواردة في كتابها والمكتوبة بشحنة عاطفية عالية.
لو أن بطلة الرسائل عاشت قصة حب مكللة بالنجاح، هل ستكتب ما كتبت؟ هل كانت ستقرر نشره على الملأ؟ إن الحب شمعة نخشى أن تطفئها هبة الريح، لذلك كان الأولى بها أن تتفنن في مواراتها عن أعين الرائين والحاسدين.
وتتجلى حالة الحب على صفحات الكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، في محاورات مدادها الشعور والحلم والأمنيات حين يطلب “الرجل النبيل” من البطلة أن تصف له حالها حين تتلقى رسائله، فمثلا يقول لها “أخبريني عن حالك حين تقرئين رسائلي، هل يحدث لك كما يحدث لي، هل تسكن أشجانك، وتتغير ألوانك، وتبتهج جوانحك، ويعانق ليلك نهارك، وتبتسم من حولك الحياة، وتسمعين الطرقات تضحك؟ والآفاق تقهقه؟”.
فيأتي الرد عليه في رسالة تالية، كنوع من الرغبة في استمرار الوصل لأكبر عدد من الرسائل. تقول البطلة “أشعر حين تراسلني أنك عوض جميل، ودعوة قلب استجيبت، كيف أخرج من كل ما يكتنفني من هم ونزف، وأعزف لك سطورا تطرِبك، وعطورا تعجبك، وكلمات تنال رضاك؟”.
وتسترسل البطلة في وصف أشواقها وأحلامها على مدى رسائلها، وكلما مرت الأيام ازدادت تعلقا ورغبة في الوصل الذي صار أكبر همها ومبلغ أملها، ولكن الدنيا لا تمنح المرء كل ما يرغب في الوقت الذي يحدده هو، بل إنها لو منحت فهي من تختار الوقت.
ترى؛ هل ظل البطل المتخيل والحبيب المرتجى نبيلا حتى النهاية فعلا، أم أن للقارئ رأيا آخر عندما ينتهي من قراءة الرسائل؟ هل سيتعاطف القارئ مع البطلة ويشفق على مشاعرها السارحة في فضاء متخيل لا يعززه واقع معيش ولا تخدمه وقائع وأحداث، أم أنه سيقدر لـ”الرجل النبيل” صراحته ولو بعد حين؟
تعلن البطلة صمودها وصبرها على الشدائد مثلما اعتادت “أنا سيدة أصبر على الشدائد وأتجاوزها وتبعثرني نصف كلمة جارحة، وبهذا الذي حصل تبارك الحظوظ وجعي، وتزيد علي كآبة الأيام موقفا آخر”، لكنها لا تستسلم أبدا، فقد تتوارى لبعض الوقت عن الأعين تلملم أشتات نفسها حتى تعود أقوى، وأكثر استعدادا لملاقاة الأهوال بابتسامة، ومكابدة المرار برضا وتسليم.
وتختتم البطلة رسائلها بعبارة تفتح النهايات مثلما كانت البدايات مفتوحة: “ما زال للحبر بقية/ ما زال للحب بقية”.