المحامون التونسيون يختارون مسارا بعيدا عن الصدام مع قيس سعيد

انتخاب حاتم المزيو عميدا للمحامين يظهر انحسار تأثير الإسلاميين.
الأربعاء 2022/09/14
الاستقطاب السياسي أضر بمصالح المحامين والمهنة

يشير انتخاب حاتم المزيو عميدا جديدا للمحامين خلفا لإبراهيم بودربالة في مواجهة مرشح مدعوم من التيار الإسلامي واليسار إلى رفض المحامين الدخول في صراع مع الرئيس قيس سعيد والنأي بمهنة المحاماة عن الاستقطاب السياسي.

تونس - رفض المحامون التونسيون في اختبار رائد طريق المواجهة مع الرئيس قيس سعيد بانتخابهم ليلة الأحد مهنيا معتدلا يُعتبر حليفا لإبراهيم بودربالة، رئيس عمادة المحامين السابق الذي كان داعما علنيا لمشروع قيس سعيد السياسي.

ونال رئيس عمادة المحامين التونسي الجديد حاتم المزيو 1416 صوتا من أصل 2564 مقابل 1233 لمنافسه بوبكر بالثابت.

ووصفت مصادر في تونس التنافس بين الطرفين، خلال الجولة الثانية من التصويت (بعد أن ثبت أن الجولة الأولى غير حاسمة)، بأنه كان بين وسط معتدل أراد معالجة الاحتياجات المهنية الملحة للمحامين ومحام له صلات قومية عربية ودعم من تحالف اليساريين والإسلاميين.

وصرح المزيو لراديو “موزاييك أف أم” الخاص الاثنين بأن المكتب التنفيذي الجديد لعمادة المحامين سيواصل الدفاع عن الحرية والديمقراطية. ومع ذلك، فإن أولويته ستكون دعم المصالح المهنية للمحامين والعمل على تحسين ظروف العمل، وخاصة الحاجة إلى صياغة قانون أساسي جديد للمهنة ودعم صندوق تقاعد المحامين.

فوز المزيو يعكس واقعا جديدا إذ يريد الناس التركيز على ظروف عملهم الخاصة وعدم الانجرار إلى مواجهة مع الرئيس

وشدّد على أن “المحاماة ستواصل رسالتها وسنكون أوفياء لاستقلالية المهنة… نحن لا نوالي أحدا ولا نعادي أحدا، نحن نوالي الوطن فقط… وسأعمل على أن تكون المهنة مستقلة كما لا نقبل أي توظيف لها”.

وقال للإذاعة في توضيح لموقفه من العلاقات مع الحكومة “نحن لا نعتبر السلطات عدوا. ليست هناك قطيعة بيننا”.

وابتعد رئيس عمادة المحامين الجديد عن التكهنات بأنه عبّر عن دعم ضمني لقيس سعيد من خلال مشاركته في الحوار السياسي الذي نظمه الرئيس سعيد قبل الاستفتاء الذي أجراه على الدستور الجديد في يوليو الماضي. لكنه تعهّد بمواصلة العمل على تسليط الضوء على اغتيال الزعيمين اليساريين محمد البراهمي وشكري بلعيد عام 2013.

ويتكهن محللون بأن هزيمة المزيو كانت ستؤدي إلى معركة طويلة الأمد بين قيس سعيد والمحامين خلال سنة حساسة، حيث يواجه الرئيس التونسي انتقادات محلية ودولية بعد اتهامه من قبل معارضيه بأنه ركز معظم السلطات في يديه بينما يستعد للانتخابات التشريعية في ديسمبر.

ومع ذلك، سوف يتوجّب على المزيو أن يحسب حسابا لانقسام قاعدته إلى شطرين خلال سعيه لقيادة منظمته وسط العديد من التحديات وحمايتها من تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية.

ولقد واجه الرئيس التونسي رياحا معاكسة مع الأوساط القانونية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث اتُهم بوضع القضاة تحت سيطرته من خلال إصلاح المجلس الأعلى للقضاء الذي يمثل قضاة البلاد. كما أقال العشرات من القضاة بتهمة الفساد وسوء السلوك.

التصويت أظهر انحسار تأثير النشطاء الإسلاميين واليساريين في المهنة 

ودعا قسم كبير من المحامين الممارسين آنذاك إلى التضامن الفعال مع القضاة. لكن الرئيس السابق لعمادة المحامين ومعظم أعضاء مكتبه التنفيذي قدموا دعمهم للرئيس.

وقال محام شارك في التصويت إن “فوز المزيو يعكس الواقع الجديد للبلاد والمهنة، إذ يريد الناس التركيز على ظروف عملهم الخاصة وعدم الانجرار إلى مواجهة مع قيس سعيد حيث لا يكسبون شيئا”.

كما قال محللون سياسيون إن التصويت أظهر انحسار تأثير النشطاء الإسلاميين واليساريين في المهنة مع فشل تحالفهم في إقناع غالبية المحامين بالسير في طريق النشاط السياسي ومواجهة الرئيس سعيد وأنصاره.

وقال موقع “يونيفرس نيوز” الإخباري التونسي تعليقا على التصويت ونتائجه إن “الحدث أظهر تراجع نفوذ النهضة ووكلائها، بطريقة يمكن أن تكون نذيرا لما سيأتي خلال الانتخابات المقبلة”.

وقد عكس انتخاب رئيس عمادة المحامين تاريخيا التوازنات السياسية السائدة في تونس، كما عكس مزاج النخب التي تشعر بالقلق هذه الأيام مثل بقية السكان بشأن تدهور مستوى معيشتهم وآفاق تونس الضبابية.

وفي بيئة سياسية مستقطبة إلى حد كبير ومع استمرار تمتع قيس سعيد بمستوى لا يمكن إهماله من الدعم الشعبي، تتوخى المنظمات المهنية المؤثرة الحذر من الانحياز إلى أي طرف، وقد اختارت مجموعة جديدة من الأولويات.

وقال محام تونسي مخضرم إنه “بالنظر إلى السنوات الاثنتي عشرة الماضية يمكن للمحامين أن يروا أن المهنة لم تربح كثيرا من النشاط السياسي والاعتبارات الحزبية. وحان الوقت لكي تهتم بمصالحها”.

4