المجلس التركي أداة أنقرة الناعمة للتغلغل في آسيا الوسطى

إسطنبول – يكثّف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خطواته الرامية إلى جمع الدول الناطقة باللغة التركية تحت راية تركيا ما يضمن توسعها في آسيا الوسطى واكتسابها المزيد من النفوذ في هذه المنطقة الحيوية.
وأعرب أردوغان السبت عن أمله في انضمام تركمانستان إلى مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية "المجلس التركي"، في أسرع وقت.
وقال في كلمة عبر اتصال مرئي خلال مشاركته في مؤتمر تنظمه تركمانستان بمناسبة الذكرى الـ25 لاكتسابها صفة "الحياد الدائم"، إن تركيا أول دولة اعترفت باستقلال تركمانستان، وأول دولة أعربت عن دعمها لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عامي 1995 و2015، والتي تنص على الاعتراف بالحياد الدائم لتركمانستان.
ويضم المجلس التركي، الذي تأسس في 3 أكتوبر 2009، تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، فضلا عن المجر بصفة "عضو مراقب".
وتعتمد 5 دول اللغة التركية ولهجاتها لغة رسمية لها، وهي أذربيجان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وقرغيزيا، وكازاخستان، وذلك يعود إلى اعتبارات تاريخية وتحاول أنقرة الاستثمار في ذلك لتعزيز نفوذها.
وتشمل مخططات المجلس التركي أن يصبح منظمة دولية تزيد من ثقلها في المنطقة على الصعيد العالمي والمحلي، عبر زيادة التسهيلات التجارية والسياسات الاقتصادية وتعميق التعامل المشترك في الصناعات العسكرية والدفاعية للمنطقة، وتطمح أنقرة إلى تحويله إلى اتحاد دولي منافس للاتحاد الأوروبي الذي فشلت كل جهود تركيا في الانضمام إليه.
وتطمع تركيا في التوسع أكثر في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالمحروقات، في محاولة لبسط نفوذها وإنقاذ اقتصادها المتأزم عبر الاستثمار في النزاعات الدامية التي تعيشها تلك المناطق، متبعة استراتيجية توسعية تقوم على مرتكزين هامين وهما التدخلات العسكرية والقوى الناعمة.
وتعمل أنقرة على الترويج لوحدة الدول الناطقة بالتركية عبر اختراقها الواسع لهذه الدول بحملات إعلامية وثقافية ودينية ومساعدات، كما توظف أنقرة وسائل الإعلام لتصوير أردوغان في هيئة القائد القومي الموحد لحكومات هذه المنطقة وقادتها وشعوبها، وأنه رهن إشارة أي دولة للتدخل وحمايتها من أي تهديد خارجي.
وتتدخل تركيا عسكريا في حروب المنطقة كي لا تخسر نفوذها، ومؤخرا سارعت لدعم أذربيجان في صراعها ضدّ أرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ، وهو ما عزاه مراقبون إلى محاولة أردوغان حماية مصالح البلاد الطاقية وحماية خط باكو - تركيا النفطي وأنظمة أنابيب الغاز، إضافة إلى العداء التاريخي بين الأتراك والأرمن والخوف من النفوذ الروسي الداعم لأرمينيا.
وسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستثمار الدعم الذي قدمته بلاده إلى أذربيجان من أجل خلق واقع جديد في المنطقة يفتح الطريق أمام تعاظم الدور التركي في القوقاز وآسيا الوسطى.
ويقول محللون إن تركيا تحاول أن توظف التاريخ المشترك مع هذه الدول الغنية من أجل فتح الطريق أمام الشركات التركية للتسلل إلى هذه الدول، لكن الأهم هو السيطرة على قنوات وخطوط نقل الغاز إلى أوروبا لتصبح تركيا نقطة ربط رئيسية يمر عبرها الغاز الروسي، وكذلك غاز الجمهوريات الإسلامية.
وتثير التحركات التركية ومحاولاتها اختراق المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى قلق قوى عدة بينها روسيا التي تحاول الحفاظ على نفوذها هناك، وغالبا ما تتنافس مع أنقرة أو تتواجه معها على أكثر من مسرح في هذه الرقعة المخترقة بالنزاعات وخاصة ما يتصل بجوار تركيا القريب في شمال سوريا، والحديقة الخلفية لروسيا في ناغورني قره باغ.
ويرى كبير الباحثين في أكاديمية العلوم الروسية والأستاذ المساعد في الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف أن "أنقرة تريد أن تسود العالم التركي عن قناعة بأن أكثر القوميين الأتراك بالجمهوريات المستقلة المجاورة (دول ما بعد الاتحاد السوفياتي)، يجب أن يتوحدوا تحت راية تركيا ويعيشوا وفقا للقواعد التركية".
ويروّج أردوغان لطموحاته التوسعية في مسعى من شأنه تغيير المعادلة على المستوى الدولي، ولا يتردد في القول بأن “النجاحات والانتصارات التي سيحرزها الشعب التركي ستغير مجرى التاريخ مرة أخرى”.
ويمضي الرئيس التركي وراء أطماعه في مصادر الطاقة في منطقة المتوسط، ضاربا عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية وموظفا الإسلام السياسي والقومية لتبرير تدخّله في البلدان المجاورة.