المجلس الأوروبي يكشف دور ليبيا المحوري في إستراتيجية روسيا للتوغل أفريقيا

القوات الروسية تحتفظ بوجود قوي في خمس قواعد عسكرية منتشرة عبر البلاد.
الأحد 2025/03/30
موسكو تريد التوسع في عمق أفريقيا

كشفت ورقة بحثية نشرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الدور المحوري لليبيا في إستراتيجية روسيا للتوغل في عمق القارة الأفريقية، وسط تأكيد على أهمية الفوضى في ليبيا بالنسبة إلى الكرملين.

طرابلس - سلطت ورقة بحثية نشرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الضوء على دور ليبيا المحوري في الإستراتيجية الروسية للتوغل أفريقيا، وتحدي أوروبا من الجنوب، مؤكدة أن ليبيا توفر نموذجا لفهم الإستراتيجية الروسية لاستغلال الدول الهشة.

وأكدت الورقة، المنشورة مساء الجمعة، أن الفوضى في ليبيا أثبتت أهميتها بالنسبة إلى الكرملين، لدرجة تحول البلاد إلى قاعدة عمليات متقدمة لمساعدة روسيا على تحدي القوى الغربية، ونشر مقاتلين وعتاد عسكري متطور في مسارح قتال أخرى خارج ليبيا.

ويمتد الوجود الروسي في ليبيا من الساحل في الشمال الشرقي إلى الحدود الجنوبية الغربية، وتحتفظ القوات الروسية بوجود قوي عبر وكلاء، ولاسيما في المنطقة الشرقية، في خمس قواعد عسكرية منتشرة عبر البلاد.

الورقة البحثية تشير إلى التحول من مجموعة "فاغنر" إلى "الفيلق الأفريقي"، مؤكدة أن هذا لا يعني التغيير في الأهداف الأساسية

وأكد الباحث طارق مجريسي أن الدول الأوروبية تواجه تحديات مختلفة على جبهات عدة، وأن المنافسة الأوروبية – الروسية تمتد إلى الجناح الجنوبي وتتركز في ليبيا، مضيفا “إزاحة روسيا من ليبيا ستكون لها تداعيات مكلفة على تلك المنافسة.”

وأوضح “إنهاء الوجود الروسي في ليبيا من شأنه قطع قناة تمويل حيوية تحتاجها موسكو لتمويل حربها في أوكرانيا. كما سيعرقل المساعي الروسية لتغذية الحرب في السودان، وتقليب الدول الأفريقية ضد الحلفاء في أوروبا، وإشعال منافسة جديدة للسيطرة على مصادر المعادن الحيوية.”

وأكد مجريسي “تحتاج الدول الأوروبية أن تبدأ بجعل نشر القوات الروسية أكثر تكلفة بالنسبة إلى موسكو من خلال مكافحة أنشطة التهريب المرتبطة بها، وتطوير أدوات قانونية جديدة، لمحاربة شبكة الشركات العسكرية الخاصة الروسية.”

وبدأت الولايات المتحدة من جهتها مسعى دبلوماسيا خلال العام 2023، لاستمالة المشير حفتر، وإقناعه بالابتعاد عن الفلك الروسي. وأجرى مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، زيارات عدة إلى شرق ليبيا.

وفي نهاية المطاف، وجد المشير خليفة حفتر والولايات المتحدة حلا وسطا لمواصلة العلاقات من خلال عملية توحيد المؤسسات الأمنية، وهو ما ساعد في إضفاء الشرعية على حفتر والقوات التابعة له، وتعزيز موقفه سياسيا دون أن يضطر إلى تقديم أي شيء في المقابل، غير أن الورقة البحثية وجدت أن “أي مكاسب أميركية محتملة انتهت من خلال عروض قدمتها موسكو لاستبدال وجود عسكري رسمي في ليبيا بمجموعة (فاغنر)، وهو عرض فضله المشير حفتر، لأن وجود علاقات رسمية مع روسيا من شأنه تعزيز موقفه  جيوسياسيا في المنطقة، ويعزز الدفاعات التي تقدمها موسكو بالفعل، ويعيد إحياء طموحاته في حكم ليبيا بالكامل.”

التدخل الأجنبي في ليبيا لا يقتصر على روسيا. فمنذ العام 2016، أشارت الورقة البحثية إلى تدخل عديد القوى الغربية التي تدعي دعم الجهود الأممية لإرساء الاستقرار في البلاد

وتشير الورقة البحثية إلى التحول من مجموعة “فاغنر” إلى “الفيلق الأفريقي”، مؤكدة أن هذا لا يعني أيّ تغيير في الأهداف الأساسية، مشيرة إلى نجاح الكرملين في تقليص الفجوة بين فلاديمير بوتين والوكلاء على الأرض، مما أضفى طابعا رسميا للوجود الروسي في ليبيا.

وأشارت أيضا إلى أن موسكو ليست في موضع مربح في ليبيا كما كان الأمر قبل وفاة قائد “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، في العام 2023، فهي تمتلك بعض الأفكار القليلة عن كيفية تحقيق الاستقرار في ليبيا بعيدا عن دفع وكلائها إلى موضع السلطة الرسمية، وهو ما قد يخلق سيناريو مشابها للسيناريو السوري.

ولا يقتصر التدخل الأجنبي في ليبيا على روسيا. فمنذ العام 2016، أشارت الورقة البحثية إلى تدخل عديد القوى الغربية التي تدعي دعم الجهود الأممية لإرساء الاستقرار في البلاد، بينما تعمل على تطوير وكلاء محليين لتحقيق مصالح خاصة.

وقد أثر تدخل عديد القوى الأجنبية في ليبيا على المعايير الدولية المتعلقة بحل الصراع، إذ عملت كل قوة على تحقيق مصالحها الخاصة في الداخل. ولعل أبرز القوى التي تدخلت في ليبيا منذ العام 2016 هي فرنسا، التي دعمت بشكل نشط المشير حفتر، معتقدة أن “وجود رجل قوي قادر على تحقيق الاستقرار في البلاد، وتوحيد التشكيلات المسلحة بها، هو الحل الأمثل لإنهاء الصراع في البلاد.”

ووجدت فرنسا نفسها في مواجهة إيطاليا التي تعاونت مع الأطراف والتشكيلات المسلحة في غرب ليبيا، أملا أن يسهم ذلك في وقف الآلاف من المهاجرين غير النظاميين الراغبين في عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. وانحازت تركيا وبريطانيا كذلك إلى السلطات في الغرب، وهي المعترف بها دوليا.

2