المجلس الأعلى للدولة يحاول ترميم صورة النخبة السياسية بعد مداخلة باتيلي

تحرك من المشري لاستباق تصعيد دولي ضد الشخصيات المعرقلة.
الجمعة 2023/03/03
المجلس يناور للإمعان في المماطلة

طرابلس- تعكس الخطوة المفاجئة التي اتخذها المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بشأن الموافقة على تعديلات دستورية كان قد أقرها البرلمان محاولة متأخرة لإنقاذ صورة النخبة السياسية التي وجه إليها المبعوث الأممي عبدالله باتيلي اتهامات غير مباشرة بعرقلة الانتخابات خلال إحاطته بمجلس الأمن.

وتعد هذه المرة الأولى التي يتفق فيها المجلسان على خطوة بهذه الأهمية، وفشل المجلس الأعلى للدولة في عقد جلسة الاثنين للتصويت على التعديل الدستوري بسبب خلافات وعدم توفر النصاب رغم إعلان رئيس المجلس خالد المشري موافقته على التعديل.

ولم تستبعد أوساط سياسية أن يكون هذا المجلس بصدد محاولة استباق تصعيد دولي ضد الشخصيات المعرقلة خاصة بعد الموقف الصارم في مجلس الأمن الاثنين.

وعكست كلمات أغلب المندوبين في مجلس الأمن رغبة دولية في إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة قوية ترسخ استقرارا نسبيا في البلاد التي تعاني العنف والفوضى منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

◙ مناورة تهدف إلى الإيحاء بتحرك إيجابي يبدد الاتهامات الموجهة إلى المجلس ويقطع الطريق على تنفيذ خطة باتيلي

وبعد أشهر من الأخذ والرد فشل البرلمان والمجلس الأعلى للدولة في التوصل إلى اتفاق بشأن القاعدة الدستورية، الأمر الذي بات ينظر إليه على أنه مماطلة تهدف إلى البقاء في السلطة، وهو ما سبق أن نبهت إليه المبعوثة الأممية السابقة ستيفاني ويليامز.

وكان باتيلي قد أعلن أنه يستعد لإطلاق مبادرة لكسر الجمود السياسي وإجراء الانتخابات، مشددا على أنه سيشكل لجنة توجيهية تعنى بإجراء الانتخابات، وهو ما أعاد إلى الأذهان ما قامت به ويليامز قبل سنوات عندما تجاهلت مجلسيْ النواب والأعلى للدولة في تشكيل سلطة جديدة بعد حرب طرابلس وشكلت ما عرف حينئذ بملتقى الحوار الوطني الذي انتخب حكومة عبدالحميد الدبيبة.

ورغم موافقة المجلس الأعلى للدولة ينظر مراقبون إلى الخطوة على أنها مناورة الهدف منها الإمعان في المماطلة والإيحاء في الوقت نفسه بأن المجلس قد قام بتحرك إيجابي يبدد الاتهامات الموجهة إليه ويقطع الطريق على تنفيذ خطة باتيلي.

وكان باتيلي قد انتقد بشكل ضمني مقترح التعديل الدستوري قائلا “إن التعديل لا يعالج النقاط الخلافية الأساسية من قبيل شروط الترشح للانتخابات الرئاسية. كما أنه لا يتضمن خارطة طريق واضحة أو جدولا زمنيا ملزما لتنفيذ انتخابات شاملة في 2023. بل إنه يضيف تعقيدات جديدة مثل تمثيل الجهات في مجلس الشيوخ”.

وقال المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا إن المجلس صوت الخميس بالموافقة على تعديل دستوري أقره مجلس النواب، وهو تعديل يفترض أن يوفر أساسا لإجراء الانتخابات. لكن لم يتم، على ما يبدو، إحراز تقدم يذكر بشأن الخلافات الكبيرة التي تعرقل إجراءها.

وتشهد البلاد أزمة سياسية منذ أواخر عام 2021 إثر إلغاء انتخابات كان جرى التخطيط لإجرائها، وسط خلافات حول القوانين وسحب مجلس النواب ومقره شرق البلاد دعمه للحكومة المؤقتة.

وتتركز جهود صنع السلام منذ ذلك الحين على جعل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة يتفقان على أساس دستوري للانتخابات وعلى القوانين الانتخابية.

ولطالما أكدت القوى الأجنبية على أن أي تغييرات سياسية كبيرة تحتاج إلى موافقة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بموجب اتفاق تم إبرامه في 2015 وكان يهدف إلى إطلاق فترة انتقالية قصيرة وصولا إلى حل للنزاع في نهاية المطاف.

◙ كلمات أغلب المندوبين في مجلس الأمن عكسب رغبة دولية في إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة قوية ترسخ استقرارا نسبيا في البلاد

وقال المبعوث الأممي خلال مداخلته في مجلس الأمن الاثنين إن “النخبة السياسية في ليبيا تعيش أزمة شرعية حقيقية. ولا يسع المرء إلا القول بأن أغلب مؤسسات الدولة فقدت شرعيتها منذ أعوام”.

وشدد على ضرورة أن “يتصدر حل أزمة الشرعية أولويات الفاعلين السياسيين الراغبين في تغيير الوضع القائم”. وأكد باتيلي أنه “إلى اليوم، لم ينجح مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات”.

وأشار إلى أن “تنفيذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية يتطلب توافقا وطنيا واسعا ينطوي على التأييد والمشاركة الفاعلين لطيف أوسع من الأطراف المعنية، بمن في ذلك المؤسسات الوطنية والشخصيات السياسية والأطراف الأمنية وزعماء القبائل وغيرهم من الفاعلين”.

وقال “على الرغم من استمرار الحوار بين رئيسي ووفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن القاعدة الدستورية الناظمة للانتخابات، إلا أن الاختلافات لا تزال قائمة”.

وأوضح أن التعديل الثالث عشر على الإعلان الدستوري لعام 2011، والذي صادق عليه مجلس النواب الليبي في 8 فبراير الماضي “لا يزال محل جدل في أوساط الطبقة السياسية الليبية والمواطنين العاديين”.

ويتشكك الكثير من الليبيين في ما إذا كانت القيادات السياسية تتفاوض بحسن نية لإنهاء الأزمة، ويرون أن هدفها الحقيقي هو تعطيل انتخابات قد تكلفها مناصبها وامتيازاتها.

وقال تيم إيتون من مركز أبحاث تشاتام هاوس في لندن إن “التعديل يهدف على ما يبدو إلى جعل تهميش المجلسين أكثر صعوبة”.

وتابع “كل مرة يبدو فيها أن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة سيفقدان السيطرة على الأمور تحدث انفراجة”. وأضاف أن التعديل الأخير يبدو أنه يخلق عمليات متداخلة جديدة لن تؤدي إلا إلى المزيد من العمليات لاحقا، معتبرا أنه “عملية من أجل العملية”.

 

• اقرأ أيضا:

            باتيلي.. وآلية جديدة بلا أفق

            أخطاء في تقارير دولية عن حالة اقتصاد ليبيا

1