"المجذوب" قصص قصيرة جدا تلخص حكم أشهر الصوفيين

مجموعة من النصوص تعد مغامرة في مجالها وتتناول إعادة صياغة بعض الحكم العطائية وفق السرد الوجيز.

الاثنين 2024/08/19
تأملات من نوافذ صوفية

عمان - صدر للكاتب الأردني حسين جداونه كتاب سردي جديد هو الثالث عشر ضمن مشروعه الإبداعي في الأدب الوجيز، وجاء الكتاب الجديد المعنون بـ”المجذوب” في مئة واثنتين وثلاثين صفحة من القطع المتوسط في إصدار إلكتروني. واشتمل الكتاب على القصة القصيرة جدا والومضة والشذرة. وتنتمي نصوص كتاب "المجذوب" إلى السرد الوجيز، وهي مستوحاة من كتاب الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح ابن عبّاد النفزي الرُّندي.

تعد هذه المجموعة من النصوص مغامرة في مجالها، إذ تتناول إعادة صياغة بعض الحكم العطائية وفق السرد الوجيز: قصة قصيرة جدا، وومضة، وشذرة، ووفق فهم المؤلف الحالي للحكم العطائيّة وشرحها، من غير أن يخرجها عن معناها العام.

يعدُّ فن القصة القصيرة جدا الذي نتهجه الكاتب، من بين الفنون السردية التي انتشرت منذ فترة ليست بالقصيرة، ولاقى استحسان متلقيه، بما فيه من دهشة الصورة السردية وكثافة اللغة الأدبية في مضامينه، كما نقرأ في كتاب جداونه الجديد. ويأتي هذا الأدب الوجيز والمفعم بالدلائل والإحالات انسجاما مع منطق العصر الذي ينحو نحو الاختزال والقصر والسرعة في كل شيء، بينما تغلب على هذا النمط الأدبي المزيد من الدقة والاختزال.

قصص جداونة القصيرة جدا تتميز بالتقاطها للإشراقات الذهنية والنفسية والوجودية، أي تلك اللحظات الفارقة التي يحدث فيها تحول من نوع ما نفسي أو فكري أو واقعي، فيجتهد الكاتب في التقاطه وصياغته بشكل مكثف ولامع في نص قصصي قصير جدا، مع الحرص على توفر عنصر المفارقة والقفلة اللامعة، وذلك استنادا إلى نصوص حكمية صوفية سابقة.

◙ نصوص كتاب "المجذوب" تنتمي إلى السرد الوجيز، وهي مستوحاة من كتاب الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري
◙ نصوص كتاب "المجذوب" تنتمي إلى السرد الوجيز، وهي مستوحاة من كتاب الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري

وكانت هذه التجربة محفوفة بالمخاطر لما للتجربة الصوفية من خصوصية في التعامل مع اللغة، ألفاظًا وتراكيب، ومعان ودلالات. فكان على المؤلف الحالي أن يفكك “الحكمة العطائية” ثم يعيد تركيبها، تركيبًا جديدًا، وفق منظور سردي مختلف، من غير أن يخل بدلالاتها القريبة والبعيدة، إذ كان لا بد من المحافظة على معاني الحكم العميقة والدقيقة.

تمثل الاستيحاء هنا في مجموعة من الإجراءات الفنية منها: تفكيك النص الأصلي، وإعادة تركيبه بأسلوب جديد، وفق تقنيات سردية مختلفة، مع المحافظة على معناه، واستعمال ألفاظه أو بعضها. وتوسيع فكرة النص الأصلي أو تضييقها وفق رؤية الكاتب. كما دمج الكاتب نصين ببعضهما البعض منتجا نصا جديدا. ويقوم جداونه بشرح النص الأصلي بالنص الجديد، علاوة على محاكاة النص الأصلي بنص جديد.

ما بين الحكمة من جهة والقصة القصيرة جدا والومضة والشذرة من جهة أخرى وشائج وصلات كثيرة. فالثانية تنهل من الأولى، غير أن لكل منهما غاية وهدف، فإذا اتجهت الحكمة مباشرة إلى المتلقي، وباحت بكل ما لديها، فإنّ الأمر مختلف مع الأخرى، وخاصة القصة القصيرة جدا، فهي لا تخاطب المتلقي مباشرة، ولا تبوح بكل ما لديها.

   وقد تناولت النصوص بعض الموضوعات المتصلة بعلاقة العبد بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالآخر، من منظور صوفي. والعبد هنا هو السالك أو المريد الذي يقطع الطريق إلى مولاه بالمجاهدة والرياضة، وهو المجذوب نحو ربّه، لا يبتغي له بديلا.

وسواء أكان المجذوب هو من هام على وجهه حبًّا لله، فخلع عن نفسه مظاهر الدنيا وإغراءاتها، أم أنّ الحقّ جذبه إلى حضرته ” وأوْلاه ما شاء من المواهب بلا كُلفَة ولا مجاهدة ورياضة”، فإنه يبقى نافرا من الدنيا وما فيها، ومجذوبًا إلى الحقّ المطلق هائمًا به.

فقد تناولت نصوص الكتاب موضوع الإخلاص في العبادة، والقبول، والزهد، والمواهب الربانيّة، والرضا، والتدبير، والحجب، والاجتهاد، والاختيار، والشك، واليقين، والجذب، والسلوك، والطلب، والغفلة، والرحلة، والتجرد، والوصل، والهمّة، والكرم الإلهي، والشكر، والمكر، والمقامات، والأحوال، والشهود، والمعرفة، والوحشة، والأنس، والستر، والقرب، والأنوار، والخوف، والرجاء، وغيرها من مواضيع التصوّف.

تختزن نصوص الكتاب النظرة الصوفية للحياة المليئة بالإحساس والتأملات المبهجة بالجمال والعمق الروحي ما يدفع المتلقي إلى حالة الفرادة والجدارة الإنسانية والقيمة الروحية والنفسية للإنسان.

12