المجتمع المدني في لبنان يراهن على الانتخابات البلدية لحجز مقعد متقدم في العهد الجديد

تملك مكونات المجتمع المدني حظوظا جيدة للمنافسة بقوة في الانتخابات البلدية والاختيارية المقرر إجراؤها بعد نحو شهر في لبنان، وذلك بفضل نضج تجربتها، وتراجع تأثير القوى التقليدية.
بيروت - يراهن المجتمع المدني في لبنان على الانتخابات البلدية والاختيارية المقرر إجراؤها في مايو المقبل، لحجز مقعد متقدم في العهد الجديد، لاسيما وأنه سبق وحقق نتائج مهمة في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في العام 2022.
ودخل لبنان عهدا جديدا في يناير الماضي بانتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة القاضي نواف سلام في فبراير الماضي، وكلا الرئيسين من خارج المظلة الحزبية، وهو ما يمكن أن يستفيد منه المكون المدني في الاستحقاق البلدي.
وتشكل الانتخابات البلدية والاختيارية فرصة لتعزيز العهد الجديد في مواجهة المنظومة التقليدية التي يحملها اللبنانيون مسؤولية الانتكاسات التي منى بها لبنان خلال العقود الأخيرة، والتي كان من نتاجها الأزمة الاقتصادية التي تفجرت في العام 2019، وما رافقها من حراك احتجاجي قادته مكونات المجتمع المدني ضد المنظومة.
كما يشكل الاستحقاق اختبارا مهما للقوى السياسية والحية في لبنان، للانتخابات النيابية المفترض أن تجري العام المقبل.
وبعد لغط واسع حول فرضية تمديد الاستحقاق، حددت وزارة الداخلية والبلديات في لبنان مواعيد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في المحافظات على أن تبدأ في الرابع من مايو المقبل في محافظة جبل لبنان وتنتهي في الخامس والعشرين من نفس الشهر في محافظة لبنان الجنوبي ومحافظة النبطية.
ويرى متابعون أن المجال مفتوح بالنسبة للمنتسبين لتيار المجتمع المدني للمنافسة بقوة على الاستحقاق البلدي الذي يختلف بشكل ما على الانتخابات النيابية، حيث إن التأثير الأقوى يبقى للمكون العائلي والعشائري.
ويشير المتابعون إلى أن المجتمع المدني اكتسب خبرة كبيرة مقارنة بتجربته في الانتخابات البلدية التي أجريت في العام 2016، وهي آخر انتخابات أجريت، قبل أن تعمد القوى التقليدية إلى تأجيل إجراء الاستحقاق لثلاث مرات.
ويلفت المتابعون إلى أن العديد من العوامل تخدم صالح المجتمع المدني في الاستحقاق المنتظر، ومنها الأزمات المتراكمة التي تعاني منها الأحزاب التقليدية، والدعم الشعبي لكل من تقاطع مع العهد الجديد.
وينظر اللبنانيون إلى العهد على أنه البوصلة التي ستقود لبنان إلى بر الأمان، بعد سنوات من الأزمة فاقمتها الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
ويقول المتابعون إن وجود نواب ينتمون إلى المجتمع المدني من شأنه أن يشكل دافعا للأخير لإثبات الذات والتأكيد على أنه رقم صعب في المعادلة الجديدة، وأن النتائج التي حققها في الاستحقاق النيابي الأخير لم تكن من باب الصدفة، أو نتيجة رد فعل شعبي لحظي على تجاوزات المنظومة.
وتكثفت في الأيام الأخيرة المشاورات بين القوى السياسية والحية لتشكيل التحالفات الانتخابية، استعدادا للاستحقاق، وقد أعلن حزب القوات اللبنانية التحالف مع حزب الكتائب والنائب السابق الشيخ منصور غانم البون ورئيس مشروع “وطن الإنسان” النائب نعمة إفرام، فيما سيخوض الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل معا الاستحقاق.
ويتحرك تيار المستقبل العائد، بحذر تحضيرا للاستحقاق، فيما بدأ التيار الوطني الحر عقد اجتماعات مفتوحة على المستوى الحزبي وسط توجه بعدم الدخول في معارك عبثية لاسيما مع العائلات، مع تراجع شعبية الحزب الماورني داخل البيئة المسيحية.
وتتحدث أوساط سياسية عن أن هناك محاولات حزبية تجري خلف الكواليس من أجل استقطاب شخصيات مؤثرة في المجتمع المدني، والتحالف معها، ومن المنتظر أن تتكشف في الأيام القليلة المقبلة بشكل أوضح خارطة التحالفات.
المجتمع المدني اكتسب خبرة مهمة مقارنة بتجربته في الانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت في العام 2016
وأكد رئيس اللجنة الوطنية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة فادي غانم في بيان أن “الانتخابات البلدية تشكل فرصة حقيقية للتغيير وتعزيز التنمية المستدامة، إذا تم اختيار المرشحين الأكفاء والقادرين على تنفيذ برامج تنموية تلبي احتياجات المواطنين”.
وأشار غانم إلى أن “الانتخابات البلدية تعد ركيزة أساسية في تعزيز الديمقراطية المحلية، إذ تمنح المواطنين الحق في اختيار ممثليهم بشكل مباشر، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة التي يواجهها لبنان، والتي تتطلب تعزيز دور البلديات في إدارة الموارد وتحسين الخدمات العامة.”
وأثر التأجيل المتكرر للانتخابات البلدية والاختيارية بشكل سلبي على فعالية الإدارة المحلية، حيث أعاق قدرة البلديات على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الخدمات العامة والبنية التحتية المهترئة والتي تفاقم وضعها في المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل. كل ذلك يجعل من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية أمرا ضروريا لإعادة بناء الثقة في المؤسسات المحلية، وتفعيل دورها اتساقا مع أهداف العهد الجديد في إطلاق ورشة الإصلاحات المطلوبة منها داخليا ودوليا.
والاثنين، أعلنت وزارة الداخلية والبلديات في بيان عن تواريخ إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بحسب المحافظات. وتجرى الانتخابات بداية في محافظة جبل لبنان بتاريخ الرابع من مايو.
وفي محافظة لبنان الشمالية ومحافظة عكار بتاريخ الحادي عشر من مايو، وفي محافظة بيروت، ومحافظة البقاع ومحافظة بعلبك – الهرمل بتاريخ الثامن عشر من مايو، وفي محافظة لبنان الجنوبي ومحافظة النبطية بتاريخ الخامس والعشرين من مايو.
وأشار البيان إلى أن دعوة الهيئات الناخبة تتم قبل شهر على الأقل من تاريخ الانتخابات في كل محافظة.
وتجرى الانتخابات البلدية في لبنان بشكل دوري كل ست سنوات. وقد جرت آخر انتخابات بلدية في عام 2016، وكان من المقرر أن تجرى الانتخابات التالية في عام 2022، إلا أن هذه الانتخابات تأجلت عاما بسبب تزامن موعدها مع الانتخابات النيابية، ما أدى إلى تأجيلها إلى أبريل 2023.
واتخذ مجلس النواب اللبناني قرارا بتمديد ولاية المجالس البلدية لمدة عام إضافي، على أن تنتهي في الحادي والثلاثين من مايو 2024، وذلك بسبب صعوبة تأمين التمويل اللازم لإجراء الاستحقاق. وتم تأجيل الانتخابات البلدية في مايو 2024 لعام إضافي بسبب الظروف الاستثنائية الناتجة عن الحرب بين لبنان وإسرائيل.
وتشمل الانتخابات المنتظرة 1029 بلدية موزعة على ثماني محافظات، إضافة إلى 3018 مختارا في مختلف المناطق.