المجتمعات العربية تعيش في "فقاعة لامبالاة" حول ما يحدث في أوطانها

ضوضاء عارمة تصاحب تحليل أحداث العالم يقابلها انسحاب من النقاشات في المجال العام المحلي.
السبت 2021/08/21
الانقسام سيد الموقف

تتفق الأغلبية في المجتمعات العربية على العبارة القائلة بأنه “من المهمّ معرفة الأحداث التي تحدث في جميع أنحاء العالم، حتى لو كان من غير المحتمل أن تؤثر على حياتك اليومية” رغم أن مثيري النقاشات يعجزون عن الحديث عما يحدث في أوطانهم.

لندن - ليست الضوضاء في المجتمعات العربية أقوى أشكال تلوث البيئة بعد تلوث الهواء فقط بل هي تطبع النقاشات، فلطالما صاحبت النقاشات حول أحداث العالم فوضى وضوضاء عارمة، فيما تعجز هذه المجتمعات أحيانا عن تحليل أحداث تهمّ بلدانها.

وفي المجتمعات العربية تتم مناقشة كل مسألة أو حدث عالمي، ويثار جدل حول ما إذا كان من الضروري أن تكون على دراية بالأحداث التي من غير المحتمل أن تؤثر على حياتها اليومية على نطاق واسع. ويعتقد البعض أننا يجب أن نركز فقط على الأخبار التي تحدث من حولنا. ومع ذلك تهتم الأغلبية في المجتمعات العربية بكل الأحداث حول العالم.

قرية عالمية

يقول حامد (60 عاما) وهو أستاذ فلسفة متقاعد إننا نعيش في قرية عالمية حيث قد ينتهي كل حدث بالتأثير علينا بدرجة معينة. وهذا يعني أننا جميعا جزء من الأحداث عندما يحدث شيء ما وليس لدينا مكان نهرب منه.

ويضرب حامد مثالا، مشيرا إلى تسبب اندلاع الأزمة المالية في الولايات المتحدة في عام 2008 في ركود العالم كله. ومازالت أتذكر أنني جلست على الأريكة واعتقدت أنه ليس من شأننا كما سمعت الأخبار. اتضح أن الأزمة المالية تؤثر بالفعل على بلدي كثيرا. فقد الكثير من الناس وظائفهم وأفلس عدد من البنوك.

ويجادل خبراء بأنه يمكن أن نكون قد عفا علينا الزمن إذا غضّينا أعيننا عما يحدث في أنحاء العالم. ومن السهل أن يتم استبدالها وتجاوزها إذا كنا نهتم فقط بالأشياء التي تحدث من حولنا. إن تاريخ الصين مثال جيّد لدعم هذه الفكرة. ومنذ حوالي مئتي عام، كانت الصين واحدة من أكثر الدول تقدما حول العالم. باعت أفضل المنتجات مثل الحرير والشاي إلى الدول الغربية. في هذه الفترة، كان الصينيون فخورين بأنفسهم لدرجة أنهم أنكروا المعرفة والتعلم من البلدان الأخرى، ما تسبب في ركود تقنيتهم. ودون أحدث التقنيات لا يمكن للصين تطوير أسلحتها، وفي النهاية تم غزوها من قبل دول أخرى.

الضوضاء ليست شكلا من أشكال تلوث البيئة فقط في المجتمعات العربية بل إنها تطبع النقاشات الصاخبة

ويؤكد حامد أنه ليس من المفترض أن نقسّم بين أشخاص مختلفين على أساس الأجناس أو الأماكن التي يعيشون فيها لأننا جميعا بشر. وعندما يحدث شيء سيء من واجب الجميع محاربته. وعلى سبيل المثال حدثت إبادة جماعية مروعة في شمال ميانمار. ورغم أن ميانمار بعيدة عن المكان الذي أعيش فيه وقد لا تتسبب هذه الإبادة في أي تأثير على حياتي اليومية على المدى القصير. أشعر بأنني مضطر إلى فعل شيء لمساعدة أولئك الذين يعانون. السبب الرئيسي هو أن هذه الأحداث هي مسألة عدالة وليس من المفترض أن نكون غير مبالين.

وباختصار، يعتقد خبراء بقوة أن الناس يجب أن ينتبهوا للأحداث التي تحدث في جميع أنحاء العالم، لسبب بسيط وهو أن كل شخص يؤثر إلى حد ما.

وبالنسبة إلى بسمة الطالبة الجامعية التي تدرس الحقوق فهي تؤكد أنها نشأت في مجتمع محمي، ولم تتعرض للقضايا العالمية عندما كانت طفلة. ولم يتم التطرق أبدا إلى مواضيع مثل السياسة والعلاقات الدولية في عائلتها. وحين انتقلت إلى الجامعة، أدركت أنني لست وحدي في وضعي. كان هناك الكثير من الطلبة مثلي تماما.

وتضيف بسمة “على الرغم من أنني نشأت في ‘فقاعة’ اللامبالاة هذه تجاه المجتمع العالمي، إلا أنني أصبحت ببطء أكثر فأكثر طالبة عالمية بالنسبة إلي”.

وتعدد سمية بن أحمد (39 عاما) وهي أستاذة علاقات دولية بجامعة تونسية الأسباب التي تجعل الشباب مهتمين بالقضايا العالمية.

وتقول إن العولمة آخذة في الازدياد. وفي هذا العصر، لا يمكن لدولة أن تحيا دون أخرى، وهذا المبدأ البسيط يؤثر على الجميع في العالم. ومن المحتمل أن تصبح يوما ما صديقا لشخص يتحدث لغة مختلفة تماما أو نشأ في ثقافة مختلفة تماما. وقد يكون هؤلاء الأشخاص هم زملاؤك في العمل في المستقبل. إذا كنت تريد أن تكون قادرا على تعزيز اتصالات أعمق وتوسيع شبكتك، فإن فهم القضايا العالمية والثقافات الأخرى أمر أساسي.

وتضيف “القضايا العالمية هي مشاكلنا أيضا. لنتحدث عن وضع المراهقات في غواتيمالا. هل تعلم أن أكثر من 2 مليون فتاة في غواتيمالا لا يذهبن إلى المدرسة بسبب الحدود الاجتماعية؟ إذا كنت تؤمن بالمساواة بين الجنسين، يمكنك أن تفهم سبب كون نضال حقوق المرأة في البلدان الأخرى هو جزء من كفاحك من أجل المساواة بين الجنسين أيضا. تجرّأ على توسيع آفاقك من خلال التعرف على القضايا التي تؤمن بالقتال من أجلها في بلد مختلف تماما”.

وتؤكد الأستاذة الجامعية “بينما لا يمكن لدولة ما أن تحيا دون دولة أخرى، لا يمكن لشخص واحد أن يعيش دون بلد آخر أيضا. يمكن أن يمنحك العطاء أو التطوع في مجتمعك تجارب لا تقدر بثمن. ولكن إذا قمت بتوسيع خدمتك لتشمل العالم بأسره، فلن يكون هناك ما يدل على الاختلافات المذهلة التي ستتمكن من صنعها. إن فهم القضايا العالمية وزيادة استخدام مواهبك للمساعدة في حل هذه المشكلات لن يجعلاك فقط شخصا أكثر عقلانية وحكمة؛ سيساعد العالم على الاقتراب خطوة واحدة نحو مستقبل أكثر إشراقا”.

التخفي

تخف وراء قناع
تخف وراء قناع

رغم أن الناس في المجتمعات العربية يناقشون بحماسة الأحداث في العالم العربي ينسحبون هم أنفسهم من النقاش حول الأحداث التي تخص مجتمعاتهم حيث “يعكف كل مواطن على أكل عيشه ولا يعبأ إطلاقا بما يحدث خارج أسرته”.

ويعتبر خبراء أن غالبية الناس في المجتمعات العربية يخافون للغاية مما يمكن أن يحدث لهم إذا أعربوا عن رأي غير شعبي. ويقولون إن المناخ السياسي والاجتماعي يمنعهم من قول الأشياء التي يؤمنون بها.

ورغم أن منصات التواصل الاجتماعي تسمح للمستخدمين  في المجتمعات العربية بالتعبير عن آرائهم الحقيقية حول أي قضية يمكن تخيلها، مما يمنحها دورا كبيرا في المناقشات السياسية والاجتماعية وغيرها، فإن كثيرين يحجمون عن التعبير عن أرائهم أو أنهم يختفون واء أسماء مستعارة.

خبراء يؤكدون أن على الناس الانتباه للأحداث التي تحدث في جميع أنحاء العالم، لسبب بسيط وهو أن كل شخص يؤثر إلى حد ما

ووفقا لمركز بيو للأبحاث فإن “واحدا من كل خمسة مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي يعبرون عن آرائهم بشأن قضية سياسية على وسائل التواصل الاجتماعي”.

ويقول سامي وهو مؤثر على مواقع التواصل ولديه صفحة على فيسبوك يتابعها 20 ألف شخص “أود أن أقول إنني لست ذلك الشخص الذي يعبر عن آرائه على مواقع التواصل، أنا شخص عنيد في الحياة الواقعية. صريح ويسعدني جدا أن أكون كذلك، لكنني سأكون صادقا لأنني لا أعبر عن رأيي الحقيقي حول العديد من الأشياء عبر الإنترنت وخاصة على تويتر”.

ويتحدث سامي عن تجربة صديقته التي كانت شجاعة بما يكفي لتكتب رأيها في أحد المسؤولين السياسيين لم تحصل على وابل من الردود المسيئة فقط بل إنها اضطرت إلى مواجهة تبعات قضائية. ويضيف “لذلك لطالما خشيت أن أقول ما أفكر به حقا عبر الإنترنت. أخشى أن أفقد متابعين وأشعر بالقلق من أن ذلك جعلني أكبح الكثير من شخصيتي. حسنا، أنا لا أشارك آرائي الخاصة لكني أحترم المدونين الذين يعبرون عن آرائهم بصراحة”.

أولوية قصوى

نعيش في قرية عالمية

تحدث بريان ستيلتر وهو معلق سياسي أميركي في كتابه “اندفاع الأحداث يعطي الأخبار الأجنبية أولوية قصوى” عن “العيش في خمس قارات”. ويقول ستيلتر “تكشف التغطية مدى التغير الذي طرأ على تغطية الأخبار الأجنبية في العقد الماضي، من خلال المنافذ الإخبارية ومساهمات الإنترنت وغيرها من التقنيات الجديدة. يعمل عدد أقل من الصحافيين الذين يغطون الأخبار الأجنبية بدوام كامل لشبكات البث الأميركية ويضطر أولئك الذين بقوا إلى الانتقال من بقعة ساخنة إلى أخرى، مما أدى أحيانا إلى تأخر التغطية.

لكن منصات مواقع التواصل الاجتماعي مدعومة بوفرة من مقاطع الصوت والفيديو التي لم تكن موجودة قبل بضع سنوات عوضت كل ذلك.

ويعتقد ستيلتر “أننا يجب أن نهتم بالأحداث في الأماكن الأجنبية من أجل توسيع آفاقنا ورؤيتنا للواقع في العالم. لقد سمعنا جميعا القول المأثور القديم ‘فكر عالميا، واعمل محليا’. حسنا، يجب أن نبدأ بإعلام أنفسنا عالميا حتى نتمكن حقا من التفكير ضمن إطار عالمي. صحيح أن اطلاعك على الأحداث البعيدة يمكن أن يكون عبئا ونعمة”.

ويشرح المعلق السياسي أنه “في بعض الأحيان يسمحون لنا بإدراك مكاننا المتميز وفي أحيان أخرى يجعلوننا نشعر بالعجز قليلاً حين نكون غير قادرين على تقديم مساعدة حقيقية”.

ويضيف “لكن يمكننا الحصول على بعض العزاء في القدرات التي لدينا لإحداث التغيير. ربما يمكن أن تلهمنا قصة عبر العالم للمبادرة في مجتمعنا”.

20