المجالان الحيويان لمصر منطقة حضور أساسية لتركيا

القاهرة- تعكس الزيارتان المتتابعتان لرئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان إلى السودان وليبيا حقيقة أن المجالين الحيويين لمصر باتا منطقة حضور رئيسية لتركيا.
وإذا كان الأمر في السودان مدا وجزرا في طبيعة السلطة والعلاقة مع مصر، فإن ليبيا تعد نقطة احتكاك مصيرية بالنسبة إلى القاهرة وأنقرة.
وتتضارب توجهات البلدين في ليبيا؛ ففي حين تدعم القاهرة السلطات في الشرق (القيادة العامة للجيش والبرلمان وحكومة فتحي باشاغا) وتتحرك منذ فترة لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة بهدف إبعاد رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة عن السلطة، الحليف الأول لأنقرة في ليبيا، تعكس التحركات التركية رغبة في تثبيت الدبيبة لسنوات أخرى في السلطة عن طريق إجراء انتخابات تشريعية فقط تنتهي بانتخاب الدبيبة رئيسا للبلاد أو إعادة تسميته رئيسا للحكومة، لإتمام مشاريع أنقرة واستثماراتها في البلاد.
وتدرك مصر أن تحركاتها بشأن الملف الليبي لن تفضي إلا إلى تمطيط الوقت، فطبيعة الاستثمار السياسي والإستراتيجي مختلفة بين القاهرة وأنقرة هناك.
وفي حين تراهن مصر على ثبات الجغرافيا وتحرص على أن تأخذ الأمور وقتها حتى تنضج الفرصة، تتحرك تركيا منذ سنوات بهدف تغيير الواقع لصالحها حتى لو لم يبق الدبيبة في السلطة، وهي خطة أشبه بنظرة إيران إلى العراق، وهو ما يعكسه حرصها على الانفتاح على الشرق، حيث زار وفد من البرلمان -بمن في ذلك رئيسه عقيلة صالح- أنقرة، كما قام السفير التركي كنعان يلمز بزيارة إلى بنغازي في أغسطس الماضي.
وتأتي التحركات التركية في ظل مساع لإعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة وسط توقعات بأن تؤثر عليها تلك التحركات في حين يقول مراقبون إن تركيا تريد أن تضغط عن طريق ليبيا والسودان لتسريع المصالحة.
وقال مستشار أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء حمدي بخيت إن تركيا تسعى لأن تكون حاضرة في العديد من الصراعات في المناطق التابعة لها إقليميّا وبطرق مختلفة، ما يساعدها على الإمساك بخيوط كثيرة أثناء مباحثات التقارب مع مصر، وبعضها يستهدف إعادة حضور الإخوان مرة أخرى في السودان بجانب وجودهم الحالي في ليبيا لفرض عودتهم إلى المسرح السياسي المصري في المستقبل.
وأضاف بخيت في تصريح لـ”العرب” أن “أنقرة تلعب على نقاط الضعف الموجودة في الدولتين وتغذيتها، وعلى وجود شخصيات سياسية في البلدين لديها استعدادات للتقارب معها بهدف إحداث المزيد من الضغط على القاهرة التي تتريث كثيرا في مسألة عودة العلاقات معها بشكل كامل وتستهدف تسريع عملية التقارب من خلال ردة الفعل على التحركات المصرية الأخيرة في الدولتين”.
وشكك بخيت في إمكانية نجاح أهداف جولات رئيس جهاز المخابرات التركية ذات الارتباط الوثيق بالعلاقات مع مصر، مشيرا إلى أن القاهرة مازالت تتمسك بخيوط قوية تجعلها تتحكم في دفة عودة العلاقات وفقًا لما يحقق مصالحها أولا، لكن في الوقت ذاته إذا استمر بطء القاهرة مع زيادة وتيرة التحركات التي تقوم بها أنقرة ستحقق الثانية بالطبع مكاسب لأن لديها استعدادات لتقديم الدعم المالي واللوجيستي لكل من السودان وليبيا، وهو ما يغيب عن الأدوار المصرية.
والتقى فيدان الثلاثاء رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
وتوقع مراقبون أن يكون فيدان قد وجه رسالة شديدة اللهجة إلى المشري الذي يتهم بالعمل مع عقيلة صالح لعرقلة الانتخابات.
وفي حين يطالب الليبيون والمجتمع الدولي المجلسين بالاتفاق على قاعدة دستورية في أقرب وقت لإجراء الانتخابات، يسعى المشري وصالح لتحويل الدستور إلى الاستفتاء وهو ما سيستغرق وقتا طويلا.
وقبل ليبيا زار فيدان السودان والتقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وذكر مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي أن أهداف زيارة رئيس جهاز المخابرات التركية إلى الخرطوم تختلف عن أهداف زيارته إلى طرابلس في ليبيا، فالثانية تأتي في إطار حضور سياسي واقتصادي وعسكري قوي هناك وفي سياق متابعة الإستراتيجية التركية، على عكس الحالة السودانية التي تحتفظ بجانب استكشافي، في محاولة للتعرف على تفاصيل تحركات الدول الأخرى والثغرات التي يمكن أن تحقق فيها اختراقا سياسيا أو أمنيا.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “زيارة ليبيا تستهدف تحسين بعض أوجه الحضور التركي هناك وإعطاء دفعة للمصالح الحيوية، لكن في الحالتين يصعب القول إن أنقرة تمارس ضغوطاً مباشرة على القاهرة، فالأوراق التي يملكها كل بلد في ليبيا معروفة ولن تغيرها زيارة رئيس جهاز المخابرات حاليا”.