المتقاعدون العسكريون في لبنان يحشرون الحكومة في الزاوية

عكست الاحتجاجات الصاخبة التي شهدتها العاصمة بيروت للمتقاعدين العسكريين والتي بلغت ذروتها الخميس، بمحاولة اقتحام السراي الحكومي خلال جلسة لمجلس الوزراء واقع أن هذه الفئة مستعدة للسير بعيدا في حراكها المطالب بتحسين أوضاعها المعيشية، الأمر الذي يضع حكومة نجيب ميقاتي في وضع صعب خاصة وأنها تواجه إكراهات في النفقات المخصصة ضمن موازنة العام 2024.
بيروت - أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الخميس عن جلسة استثنائية لمجلس الوزراء السبت المقبل لبحث أزمة المتقاعدين العسكريين.
جاء القرار في أعقاب محاولات متقاعدين غاضبين اقتحام ساحة النجمة (مقر الحكومة)، خلال جلسة عقدت لمجلس الوزراء تم خلالها تمرير جملة من التشريعات والقوانين بينها موازنة العام 2024، فيما تجاهلت الجلسة مناقشة ملف المتقاعدين.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال “لقد قررنا عقد الجلسة الاستثنائية لاستكمال درس وضع العسكريين المتقاعدين وموظفي القطاع العام”.
وأضاف ميقاتي “أنا أعي تماماً الواقع الحالي والوضع الاجتماعي للمتقاعدين والأوضاع التي يمرّون بها، ولكننا محكومون بسقف معيّن للإنفاق لا نستطيع تجاوزه، وضمن هذا السقف طالب بعض الوزراء بالنظر في إمكانية تحقيق العدالة أكثر في التوزيعات المطلوبة، فلهذا السبب ستكون الجلسة التالية يوم السبت المقبل للبحث في الموضوع”.
وتابع “أؤكد حرصي على المتقاعدين الذين خدموا البلد وهم موجودون فيه ولا يمكن أن ننسى فضلهم، ولكن أكرر القول إننا محكومون بسقف معيّن، ونحن نحاول توزيع الاعتمادات المتوفرة على القطاع العام وعلى العسكريين العاملين والمتقاعدين”.
الحد الأدنى لأجر العسكري المتقاعد يبلغ 150 دولارا، مقارنة مع ما يقرب من 1200 دولار قبل الأزمة الاقتصادية
وصعّد المئات من المتقاعدين العسكريين منذ الثلاثاء من تحركاتهم الاحتجاجية، وعمد العشرات منهم الخميس إلى اجتياز الحواجز الحديديّة في ساحة النجمة، كما قام عدد منهم بإغلاق مرآب يستخدمه الوزراء، ما اضطر القوى الأمنية إلى التحرك وإطلاق القنابل المسيلة للدموع لمنع دخولهم إلى نقطة أقرب في محيط السراي الحكومي.
وقال المحتجون في بيان أصدروه إنهم لن يسكتوا عن حقهم وهم بصدد تصعيد تحركهم الهادف أولا وأخيرا إلى تحسين أوضاعهم المعيشية، بعدما قدّموا التضحيات في سبيل الوطن.
وطالب العسكريون المتقاعدون في بيان رئيس الحكومة بعدم إقرار أيّ مرسوم زيادة أجور قبل إطلاع أصحاب الحق على مضامينها وإشراكهم في صناعة القرار الذي يرتبط بأمنهم الاجتماعي.
وأعلن العميد جورج نادر الذي شارك في التحرك، إنه لن يكون هناك “سقف زمني للتحرك”. وأبدى نادر رضاه عن الأعداد التي شاركت في الاحتجاج، “والتي أتت من كل المناطق اللبنانية”، لافتا إلى أنها بلغت أكثر من 2000 عنصر من العسكريين المتقاعدين أغلقت كل المداخل المؤدية إلى السراي الحكومي”.
لكن العميد نادر أعرب عن عدم تفاؤله حيال إمكانية حل أزمتهم قائلا “نتعامل مع أشخاص يفتقدون إلى أدنى ذرة من المسؤولية. ونحن لن نأخذ حقنا إلا بالقوة، ومن يتوجع أولا هو من سيخسر، ونحن لن نشعر بالوجع ولن نخسر”.
ويبلغ الحد الأدنى لأجر العسكري المتقاعد في لبنان 150 دولارا وفق أسعار الصرف الحالية، مقارنة مع ما يقرب من 1200 دولار قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019.
وعلى مدار السنوات الماضية كان تعاطي الحكومات اللبنانية مع أزمة المتقاعدين دون المطلوب، حيث عمدت تلك الحكومات إلى إقرار بعض الزيادات التي وصفت بالهزيلة والهامشية بداية بثلاثة رواتب شهريا في العام 2021، وبعدها بعام في موازنة 2022، منحت تعويضاً مؤقتاً ميّزت فيه بين المتقاعدين (6 رواتب) ومن هم في الخدمة (7 رواتب). فيما لا تغطّي تلك الزيادات 8 في المئة من نسبة انخفاض الرواتب والمعاشات التقاعدية التي خسرت أكثر من 97 في المئة من قيمتها الشرائية عام 2019.
وكان المتقاعدون العسكريون يأملون في أن تنصفهم حكومة ميقاتي في الموازنة الجديدة، وهو ما لم يتحقق، حيث أن الرواتب المرصودة بالكاد تصل قيمتها إلى 200 دولار، وهو مبلغ لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية والفواتير.
وقال العسكري المتقاعد أحمد محمد في وقت سابق إن حقوق العسكريين المتقاعدين انتهكت في موازنة 2024 التي صادق عليها مجلس النواب اللبناني الشهر الماضي، وأقرها مجلس الوزراء.
وأضاف “لن نحصل على رواتب عادلة مقارنة بالمتقاعدين في القطاعات الأخرى.. خدمت في الجيش اللبناني لمدة 25 عاما وسنواصل تحركاتنا، لنحصل على حقوقنا براتب تقاعدي عادل”.
ورأى المتقاعد من قوى الأمن علي حسن أن “الحكومة أهملت المتقاعدين مرة أخرى ولم تتصرف بشكل عادل ودفعت رواتب منخفضة”.
وأكد عدد من المحتجين أن مطلبهم الرئيس، هو “العيش بكرامة.. وأن المطلوب راتب بحد أدنى 500 دولار شهريا، حتى نعيش وعائلاتنا بكرامة”.
ولا تنحصر التحركات الاحتجاجية في المتقاعدين العسكريين حيث نفّذ موظفو الإدارة العامة والمساعدون القضائيون بدورهم إضرابا منذ أيامٍ اعتراضا على تدني قيمة الرواتب والأجور التي يستمر مسار انهيارها بفعل الضرائب والرسوم المرتفعة، وحرمانهم من الحوافز المالية والمساعدات.
ويقول موظفو الإدارة العامة أن الموازنة زادت الضرائب على الرواتب وأعفت كبار الأغنياء منها، فيما لا يزال التهرب الضريبي والجمركي مشرّعاً بها، كما تمّ نهب الأملاك العامة من دون أي مقاربة وعلاج، مشددين على أنها ستزيد الانكماش الاقتصادي والجمود والركود وستعطل الدورة الاقتصادية.
ويعاني اللبنانيون منذ العام 2019 من أزمة اقتصادية غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي بقيمة العملة المحلية مقابل الدولار من 1500 ليرة للدولار إلى 90 ألف ليرة حاليا، فضلا عن شح بالوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية. وصادق البرلمان اللبناني في السادس والعشرين من يناير الماضي على الموازنة العامة لعام 2024، التي بلغ مجموع نفقاتها 295 ألف مليار و113 مليارا و451 ألف ليرة، ما يوازي 3.3 مليارات دولار أميركي (سعر صرف 89.400 ليرة للدولار).
وخُصصت نسبة 44.66 في المئة من النفقات، للرواتب والأجور ومخصّصات اجتماعية ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وتحويلات للقطاع العام.