المتطرفون المصريون: لماذا يتهرب السودان من تسليمهم للقاهرة

القبض على قيادي إخواني في طريقه إلى تركيا يحرج مجلس السيادة السوداني.
الأحد 2022/01/16
القاهرة تنسق مع الخرطوم لضمان مصالحها

القاهرة - كشفت واقعة القبض على قيادي بجماعة “حسم” الإرهابية في طريقه من السودان إلى تركيا في أثناء هبوط طائرة يستقلها اضطراريًا بمطار الأقصر في جنوب مصر عن مدى تغلغل عناصر الإخوان في أجهزة الأمن السودانية، وتعيد طرح أسئلة بشأن مدى امتناع الخرطوم عن التجاوب مع القاهرة لتسليم عناصر إرهابية مطلوبة رسميا.

وأصدرت منظمة حقوقية سودانية باسم “نحن نسجل” بيانا الجمعة اتهمت فيه شركة بدر للطيران التي توقفت بمطار الأقصر بالتآمر، وأنها ادعت وجود عطل كي تمكن الأمن المصري من القبض على حسام سلام.

وقالت بعض المنصات التابعة لجماعة الإخوان إن السلطات المصرية تمكنت من إلقاء القبض على أحد مؤسسي حركة “حسم” وهو حسام منوفي محمود سلام مساء الأربعاء، واقتادته من طائرة سودانية هبطت اضطراريًا في مدينة الأقصر كانت في طريقها إلى تركيا.

وتدل واقعة القبض على قيادي إخواني بمعرفة الأمن المصري قبل هروبه إلى تركيا على حضور لافت على مستوى القيادات المهمة والمؤثرة للجماعة بالنظر إلى دوره كأحد مؤسسي حركة “حسم” وسجله الإرهابي المعروف، حيث نفذ في مصر قبل هروبه عمليات عدة، منها محاولتا اغتيال المفتي السابق علي جمعة والنائب العام المساعد المستشار زكريا عبدالعزيز، واستهداف ضباط بالشرطة والجيش في مصر.

وتكشف الواقعة أن الأمر لا يقتصر على استمرار السودان كملاذ آمن لبعض القيادات الخطرة، بل في توفير حرية الحركة بين السودان وتركيا وربما غيرها من دول العالم، خاصة في العمق الأفريقي الذي يشهد نشاطًا متناميًا للتنظيم الدولي للإخوان.

ويفسر امتناع الخرطوم عن تسليم قادة جماعة الإخوان وفصائلها السرية المسلحة التي تشكلت عقب الإطاحة بنظام الإخوان في مصر باستمرار تغلغل عناصر الجماعة من فرع السودان في الأجهزة الأمنية والسيادية.

مصادر أمنية مصرية قالت لـ"العرب" إن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدي، حيث تعمل على تأمين مصالحها المشتركة مع السودان بدلًا من التخوين وترك الساحة تمامًا للجماعة وداعميها

وحسب بعض التقديرات الأمنية هناك العديد من عناصر وقادة التنظيمات الجهادية مثل الجماعة الإسلامية يقيمون في الأراضي السودانية حتى الآن، وأن سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير لم يفض إلى رحيلهم.

ولا تقتصر هيمنة فلول الإخوان على مفاصل الاقتصاد واختراقهم للأجهزة الأمنية في السودان على إيواء عناصر إرهابية مطلوبة من مصر، لكن في تأثيرهم على صراعات وأزمات ساخنة يؤججها قادة ورموز ينتمون إلى الجماعة ويحصلون على دعم من قيادات نافذة في السلطة.

ويعتقد مراقبون أن البعض من قادة الإخوان في السودان لا يزالون كامنين داخل بعض الأجهزة الأمنية وجهاز الاستخبارات والهيئات العدلية، ومن جرى إقصاؤهم أو تهميشهم بعد الثورة على البشير بدأوا يعودون تدريجيا إلى مراكزهم في بعض القطاعات المهمة بغرض إعادة تكريس المنظومة السابقة، وهو ما فسر تفاقم المعارضة الشعبية لانقلاب الجيش في أكتوبر الماضي رفضًا لخطط العودة إلى سنوات الفقر والبؤس والعزلة الدولية والقهر السياسي والاجتماعي الذي تسبب فيه حكم الإخوان على مدى ثلاثة عقود.

وأشار الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان إلى وجود أبعاد متداخلة، فعلى الرغم من التقارب المصري – السوداني بعد إزاحة البشير عن السلطة إلا أن تغلغل جماعة الإخوان في مؤسسات أمنية والفساد المستشري في بعض أجهزة الدولة يعيقان تسليم الخرطوم العناصر الإرهابية المطلوبة للقاهرة.

وقال سلطان لـ”العرب” إن الكثير من قادة الإخوان المطلوبين خاصة من الضالعين في النشاط المسلح والإرهابي كانوا يستطيعون الهروب من السودان عن طريق دفع رشاوى للمسؤولين الأمنيين، كما فعل القيادي الإخواني محمد العقيد، لكنهم فضلوا البقاء لعدم وجود خطر يهددهم، علاوة على اقترابهم على مستوى الأيديولوجيا من متحكمين في مفاصل الأجهزة الأمنية في السودان وارتباطهم بمصالح مالية وسياسية وحركية مع البعض ممن يمسكون بخيوط المشهد الاستخباري في الخرطوم.

وتصب الأوضاع السياسية المضطربة حاليا في السودان، وهو البلد الذي يشكل عمقًا أمنيًا واستراتيجيًا لمصر، في مصلحة فلول جماعة الإخوان وقادتها الهاربين، لاسيما بعد تجميد قادة الجيش لعمل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين واستعادة الأموال المنهوبة مع الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في أكتوبر الماضي.

وفضلت عناصر حركة “حسم” وغيرها من الفصائل المسلحة والعديد من قادة الجماعة الإسلامية في مصر الإقامة في السودان عن الانتقال إلى دول أخرى آوت عناصر التنظيم في السنوات الماضية مثل تركيا وقطر وماليزيا لشعورهم بالأمان، فقد وجدوا راحة أكبر مع اقتراب الإخوان في السودان من السيطرة على مفاصل السلطة وفشل عملية تفكيك دولة الإخوان العميقة.

Thumbnail

وافتتح القيادي في “حسم” حسام سلام المقبوض عليه في مطار الأقصر شركة للعقارات في الخرطوم، وكان يمارس نشاطه في وضح النهار ولم تقترب منه الأجهزة الأمنية، مع أن سجله الإرهابي لم يكن بعيدا عنهم.

وتتجاهل الخرطوم كثيرا الملف الأمني ولا تميل للتعاون مع القاهرة بجدية في تسليم قادة الفصائل الإرهابية ومن تورطوا في أحداث عنف بمصر.

ويبدو النموذج الذي تسعى النخبة العسكرية الحاكمة في السودان لتعميمه مختلفا بشكل كبير عن نظيره المصري الذي بنى شرعيته وصاغ برامجه الاقتصادية والتنموية على أساس إقصاء الإخوان تمامًا وتجفيف مصادر تمويلهم وتقويض هياكل التنظيم الحركية وشل حركة قادته.

ويشير متابعون إلى أن العسكريين في السودان يجدون خطرا على مستقبلهم في السلطة بدون استعادة خطة التمكين التي اتبعتها جماعة الإخوان ونجحت في اختراق الجيش منذ الانقلاب على الحكومة الديمقراطية في يونيو 1989، ما يتطلب وفق تقدير هذا التحالف العسكري – الإخواني ضرورة تصفية الهيئات المدنية والأجهزة الأمنية والسيادية وجهات في القوات المسلحة من غير الموالين للإخوان وإحلال قادة ورموز الجماعة الموثوق في توجهاتهم الفكرية وقناعاتهم الأيديولوجية محلهم.

وعلى عكس الحالة المصرية التي استعاد فيها الجيش هيبته وحضوره وسمعته وجماهيريته انطلاقًا من عزل جماعة الإخوان من المشهد بعد تسببها في أزمات مركبة أمنيًا واقتصادًا وسياسيًا باللجوء إلى القاعدة الشعبية الصلبة، يسعى العسكريون السودان لتعويض فقدانهم لهذه القاعدة بالاستعانة بقدرات الإخوان التنظيمية وكوادر الجماعة.

العسكريون في السودان يجدون خطرا على مستقبلهم في السلطة بدون استعادة خطة التمكين التي اتبعتها جماعة الإخوان ونجحت في اختراق الجيش منذ الانقلاب على الحكومة الديمقراطية في يونيو 1989

وحققت عناصر الإخوان هيمنة فعلية وتغلغلا على الأرض وأمسكت بالكثير من مفاتيح الحل والعقد في عدد مهم من الملفات الأمنية والاقتصادية والمالية، وهو ما فشل في تغييره رئيس الحكومة الانتقالية المستقيل عبدالله حمدوك بعد عودته بموجب اتفاق سياسي وقعه مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في نوفمبر الماضي.

ووجدت القاهرة نفسها تتعامل مع وضع شديد التعقيد في السودان الذي يمثل أحد أهم ركائز الأمن القومي المصري، فهي تحرص على ألا ينهار البلد الجار وتتمكن منه الصراعات فتتفكك مؤسساته تمامًا، وتتوخى عدم استمرار الوضع القديم كما هو من سيطرة لجماعة الإخوان على السلطة ما يعني ضمان مصدر دائم لتمويلها ودعم أنشطتها غير الشرعية داخل السودان وخارجه، وتوفير ملاذ آمن لقادتها وعناصرها.

وتقلل هذه النتيجة غير المستبعدة من المُنجَز المصري الذي قضى على الجماعة وقوضها بشكل شبه كلي، وتوجد ثغرة خطيرة جراء عودة هيمنة فرع الإخوان في السودان على مؤسسات السلطة في الخرطوم.

وتقول مصادر أمنية مصرية لـ”العرب” إن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدي حيال كل ذلك، حيث تعمل على تأمين مصالحها المشتركة مع السودان بدلًا من التخوين وترك الساحة تمامًا للجماعة وداعميها الإقليميين.

وتضيف أن الصدفة التي قادت إلى القبض على القيادي حسام سلام وهو في طريقه إلى تركيا تؤكد يقظة أجهزة الأمن المصرية، وأنها تعلم الكثير ممّا يدور في السودان، ويراودها الأمل في أن تتخلى بعض القيادات عن التحالف مع الإخوان، لأن عودة الجماعة إلى السلطة سوف تقلب الأوضاع في السودان وبعض الدول التي اعتقدت أنها تخلصت منهم.

ومن هذا المنطلق لن توجه القاهرة اتهامات مباشرة للسلطات في السودان بإيواء العناصر الإرهابية الهاربة، وستواصل التماس الأعذار، لأنه ليس كل المطلوبين لهم ملفات لدى الأجهزة السودانية، حيث دخلوا البلاد بصور غير شرعية والمعلومات المتوافرة عنهم غير مكتملة في ظل السيولة الأمنية والسياسية التي يعيشها السودان.

3