المتاحف الألمانية تخوض تحديا صعبا لإعادة أعمال فنية نهبها النازيون

هام (ألمانيا) - لا يتحرك جان جيبل قيد أنملة من مكان عمله الذي كرس له نفسه، ولا يهتم مطلقا بأن ينال شهرة ما، فدائما ما يركز على عمله وهو جالس على مكتبه، أو في داخل مكان المحفوظات أو من خلال الهاتف.
ومنذ عام 2021 عكف مؤرخ الفنون جيبل على فحص القطع الفنية المعروضة في متحف غوستاف لوبيكه بمدينة هام الواقعة في الغرب الألماني.
وتدور في رأس جيبل أسئلة عديدة متعلقة بعمله، يبحث عن إجابات لها، مثل: من أين جاءت هذه الأعمال الفنية؟ ومن هم أصحابها قبل أن يحكم النظام النازي ألمانيا خلال الفترة من 1933 إلى 1945؟
والأكثر أهمية من ذلك، هل هذه الأعمال الفنية تم انتزاعها بالقوة من أصحابها خلال فترة حكم النازيين؟
ويجري عرض عمل جيبل في معرض تحت اسم “الروابط المفقودة، فجوات الذاكرة في مجموعة الأعمال الفنية”، ويقول إنه “محاولة لإنجاز هذا البحث المعقد، وأيضا إتاحة النتائج التي تسفر عنه لتصبح مرئية للجميع”.
ويعرف عمل جيبل، وهو عبارة عن البحث في أصل القطع الفنية والثقافية، باسم “أبحاث التعرف على بلد المنشأ” المعنية بمعرفة مصدر الأعمال الفنية، وفي ألمانيا يركز هذا العمل بوجه خاص على تحليل دور ألمانيا في الاستعمار، إلى جانب دراسة نزع الملكيات بالقوة في منطقة الاحتلال السوفييتي خلال الفترة 1945 – 1949، وفي ألمانيا الشرقية الشيوعية السابقة.
وبطبيعة الحال ينصب التركيز الرئيسي أيضا على ألمانيا النازية، عندما وقعت البلاد تحت حكم الدكتاتور الاشتراكي القومي أدولف هتلر. ووقعت ألمانيا عام 1998 على “إعلان واشنطن” الذي تعهدت فيه بتحديد الأعمال الفنية المنهوبة أثناء فترة حكم النازيين وإعادتها إلى أصحابها.
ويلزم الإعلان ألمانيا بإيجاد “حل عادل ومنصف” مع الملاك السابقين للأعمال الفنية أو ورثتهم، ويتضمن هذا الحل عادة إما إعادة الأعمال الفنية أو دفع تعويضات مالية عنها، وتم تشكيل لجنة استشارية عام 2003 للمساعدة على إنجاز هذه العملية. وشارك متحف غوستاف لوبيكه أيضا في إعادة الأعمال الفنية.
ويوضح المعرض الحالي ثلاثة نماذج أدت فيها الأبحاث الجديدة إلى التعرف على أن القطعة الفنية مسروقة، مثل اللوحة الزيتية للفنان بول بورك، وفي مثل هذه الحالات اتصل المتحف بالورثة الشرعيين، وفقا لما يقوله جيبل.
وهناك بند مهم في إعلان واشنطن يقول إن الأعمال الفنية التي نهبها الحكم النازي ليس لها سقف زمني للتقادم، حسبما تقول باربارا تيل نائبة مدير المجموعات الفنية المعروضة بمتحف كونتستبالاست بمدينة دوسلدورف.
وتختلف المدة الزمنية التي تستغرقها أبحاث الكشف عن مصدر القطع الفنية، وتوضح تيل أنه في ما يتعلق باللوحات غالبا ما تكون الملكية مسجلة جيدا، وبالتالي يمكن تتبعها، وتضيف أنه “بالنسبة إلى التماثيل التي ترجع إلى العصور الوسطى، يصبح الأمر أكثر تعقيدا”.
وتتفق مع هذا الرأي ماتيلدا هايتمان تايلفر المشرفة على متحف فولكوانج بمدينة إيسن، وتقول “غالبا ما يكون هناك نقص في مواد الأرشيف الملموسة، فلا تكون ثمة وثائق أو شهادات ملكية، أو دفاتر جرد”.
وثمة صعوبة أخرى تواجهها المتاحف عندما تجري أبحاثا للتعرف على مصادر الأعمال الفنية تتمثل في نقص أطقم الموظفين، ويمكن أن يستغرق الأمر عدة سنوات لكي يتمكن الموظفون من مراجعة مجموعات الأعمال الفنية أو حتى القطع الفنية الفردية.
وأشارت نتيجة دراسة ميدانية شملت 1100 متحف بمحافظة نورث راين فستفاليا الكائنة في الغرب الألماني ونشرت عام 2019 إلى أنه لا يمكن استبعاد حدوث عمليات نهب للأعمال الفنية من جانب النظام النازي في 250 مؤسسة شملت على الأقل 728 ألف قطعة مختلفة.
وتم تدشين مكتب مقره مدينة بون في يناير 2022 للتنسيق على مستوى المحافظة حول أبحاث التعرف على مصدر الأعمال الفنية، ويهدف إلى دعم البحوث التي تجريها المتاحف ودور المحفوظات والمكتبات.
وتقول جاسمين هارتمان رئيسة المكتب المركزي “إننا لا نكاد نتمكن من إنجاز هذا الحجم الكبير من العمل، والذي يعد في نفس الوقت رائعا للغاية”، وتضيف أن 35 مؤسسة اتصلت بالمكتب خلال عام 2022، مشيرة إلى أنها قامت مع فريقها بزيارة 25 مؤسسة أخرى خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.
وتوضح هارتمان أنه في حالة احتياج الأبحاث إلى وقت طويل، يتعين على المتاحف ودور المحفوظات والمكتبات طرح النتائج التي يتم التوصل إليها من كل بحث بشكل شفاف، وتقول “وبعد ذلك يتقدم الأشخاص المهتمون بالموضوع وبالمؤسسة، ويريدون الاتصال بأطقم العمل”.
وتؤكد أن الأبحاث الرامية إلى التعرف على مصادر الأعمال الفنية، تحقق إنجازات عن طريق ربط قطع الألغاز الفنية بعضها ببعض. وتضيف أن “المشاركة في التاريخ بشكل خاص تثري أي مؤسسة تماما، ومن أجل ذلك عليك أن تتصف بالشجاعة لكي تمارس أيضا الشفافية”. ومن ناحية أخرى يتم إعداد الجزء الثاني من الأبحاث بمدينة هام، فقد قدم متحف غوستاف لوبيكه مؤخرا طلبا لمد فترة المشروع البحثي لجيبل لمدة عام آخر.