"المايسترو" دراما تونسية تعالج جنوح الأطفال بالفن

المسلسل يتناول واقع أطفال داخل سجن إصلاحي يغلب عليه العنف، يتغير جذريا بمجرد إنشاء ناد للموسيقى فيه.
الثلاثاء 2019/06/04
الفن يمكنه تغيير المصير

تونس – تطرق مسلسل “المايسترو” خلال شهر رمضان في تونس إلى واقع مرير قلما يتم الخوض فيه، يتعلق بالأطفال الجانحين داخل سجن إصلاحي، في تناول درامي فريد يراهن على الفن كبديل عن السجن بصورته القاتمة.

ولقي هذا العمل الدرامي الذي بثه التلفزيون الحكومي “الوطنية 1” استحسان النقاد كما حظي بمتابعة واسعة، فيما أثار حفيظة البعض.

رصد “المايسترو” عبر عشرين حلقة، وهو أوّل الأعمال الدرامية التلفزيونية للمخرج التونسي لسعد الوسلاتي، يوميات فتيان وفتيات جانحين داخل “سجن إصلاحي” يتحول إلى عالم حيوي يسوده التفاؤل بفضل وجود أستاذ الموسيقى “حاتم”.

ويقول المخرج الأربعيني “هناك أسئلة حارقة وموجعة ظلت تؤرقني لسنوات: لماذا يتم تهميش الطفولة؟ ويُزج بهؤلاء القصر كمجرمين، بدل تركهم يلعبون ويحلمون؟”.

ويضيف “اخترت أطفالا من الشوارع ليتحدثوا بلغتهم عن معاناتهم ولنقل جزء كبير من واقع مسكوت عنه، قد يكون صادما ومقلقا ومستفزا” في تونس ما بعد ثورة 2011.

ويبرّر الوسلاتي اختياره للموسيقى كوسيلة فنية بدل “الأساليب الردعية” لتأهيل هذه الفئة الهشة، “بقوة الفن وسرعته في إحداث التغيير”.

يتناول سيناريو العمل الدرامي واقع أطفال داخل سجن إصلاحي يغلب عليه العنف، ويطرأ عليه تغيير جذري بمجرد اتخاذ قرار بإنشاء ناد للموسيقى فيه.

ويقول الوسلاتي “حاولت أن أكون صوتهم كي لا يتحولوا إلى مجرد أرقام، في حين أن لكل منهم حكاية مدفوعة بعوامل خارجة عن إرادتهم”.

والمسلسل مستوحى من تجربة شخصية للفنان التونسي رياض الفهري قبل 26 عاما داخل سجن إصلاحي في تونس. فقد تنقل الموسيقي رياض الفهري آنذاك بين مراكز إصلاح وتأهيل في تونس وعلّم خلالها أطفالا الموسيقى. وقدّم في  ديسمبر 1993 عرضا فنيا ضخما في تونس بمشاركة أطفال الإصلاحيات أفضى إلى فوز تونس بالجائزة العالمية لحقوق الطفل. وتشكل شخصية “حاتم” التي يجسدها الممثل التونسي أحمد الحفيان، محورا تدور حوله باقي الشخصيات، ومن خلاله يكشف المخرج قصصا مؤلمة لفتيان وفتيات رمت بهم ظروف اجتماعية وعائلية قاسية إلى عالم الجريمة والسرقة والمخدرات والجنس والهجرة غير القانونية بالرغم من حداثة سنهم.

ويقول لسعد الوسلاتي”إنني أدقّ ناقوس الخطر حول مآل السجناء القصر المنحصر بين مطرقة السلطة الزجرية وسندان نظرة المجتمع الإقصائية بهدف فتح نقاش واسع من أجل مستقبل أفضل لجيل الغد”.

وتتخلل المسلسل مشاهد صادمة وعنيفة داخل المؤسسة العقابية حيث تدور غالبية أحداث العمل، ويبرز فيها المخرج ما يتعرض له الأطفال من سوء معاملة تصل إلى حد العزل والحرمان من النوم ومنع زيارة الأهل ومحاولات الاغتصاب من جانب الحراس.

كذلك، يبدو السجن الإصلاحي فضاء ملائما للاستقطاب الديني المتشدد، إذ يتطرق إلى محاولات استدراج متكررة للأطفال وإقناعهم من جانب أحد المسجونين معهم بالتخلي عن نادي الموسيقى والالتزام بالأفكار المتشددة دينيا.

يسعى العمل الدرامي إلى كشف “فشل” نظام البلاد في إصلاح وتأهيل هذه الفئة الهشة من المجتمع. وتلعب الإضاءة وطريقة التصوير دورا مهما في الفصل بين علاقة السجان بالأطفال من جهة وعلاقتهم بأستاذ الموسيقى من جهة أخرى؛ فقد غلبت الإضاءة الساطعة على المشاهد التي صورت داخل نادي الموسيقى في السجن، فكشفت تفاصيل الديكور الدقيقة وتقاسيم وجوه الشخصيات، بينما طغى الظلام على باقي المشاهد التي يظهر فيها الأطفال مع السجانين.

ويوضح مدير إدارة الإنتاج بالتلفزة الوطنية التونسية إيهاب الشاوش “اختير هذا العمل الدرامي خلال رمضان 2019 لأنه يعالج مشاكل اجتماعية راهنة ويتماشى وأهداف المرفق العمومي، مرآة المجتمع” في تونس التي تشهد مخاضا.

وانتقد الناطق الرسمي باسم السجون والإصلاح جوانب من المسلسل، معتبرا أنه “جانب الحقيقة” في تناوله لبعض المواضيع. وأضاف “نحن لا نستعمل العنف ولا العصي للضرب ولا نلجأ إلى العقوبات الشديدة -كالعزل- التي أظهرها المسلسل”.

ويقول الناقد السينمائي خميس الخياطي إن المسلسل كان بمثابة دعوة “لإرجاع الشباب إلى السلوك المستقيم من خلال الفن”، مضيفا “يمكن أن يشكل الفن طوق نجاة في مواجهة من يدعي أنّ الفن حرام”.

15