المؤثرون يبشرون بعالم ستتغير معه المجتمعات

الكتاب يرصد بعض الظواهر الاجتماعية التي رافقت وسائل التواصل الاجتماعي والآثار التي نجمت عن بروز ظاهرة "المؤثرون".
الثلاثاء 2025/03/18
فوضى في بناء الأيقونات الرقمية

الجزائر- اهتم الباحثون مؤخرا بدراسة التغيرات الثقافية التي أنتجها “مشاهير” مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أدت إلى ظهور أشكال جديدة من “الشهرة”، وبلورت مفاهيم جديدة جعلت تأثير هؤلاء “المشاهير” على هذه المنصات أكبر من تأثير المشاهير التقليديين، لأسباب تتعلق بطبيعة وسائل التلقي؛ إذ عملت منصات التواصل الاجتماعي، بشكل مستمر، على تطوير ميزات وإمكانيات جديدة تُحسّن من نوعية التواصل والتفاعل مع المتابعين.

في الكتاب الجماعي، الصادر عن دار ألفا دوك للنشر بالجزائر، تحت عنوان “المؤثرون وفوضى صناعة المحتوى في البيئة الرقمية”، تحت إشراف، د. مريم نريمان نومار، محاولة لرصد بعض الظواهر الاجتماعية التي رافقت وسائل التواصل الاجتماعي، والآثار التي نجمت عن بروز ظاهرة “المؤثرون”، وأدت إلى فوضى في صناعة المحتوى في البيئة الرقمية.

"المؤثر".. اتساع رقعة المهتمين بالحصول على هذا اللقب
"المؤثر".. اتساع رقعة المهتمين بالحصول على هذا اللقب

ويُشير المؤلفون في مقدمة هذا الكتاب إلى ذلك بالقول “فتحت مواقع التواصل الاجتماعي مثل  فايسبوك ويوتيوب وإنستغرام وإكس (تويتر سابقا) الباب للعامة، وعلى مصراعيه، فصار بإمكان أيّ منهم مشاركة تجاربه مع المتابعين وكسب الشهرة، ما قاد إلى ظهور المؤثرين؛ وهم مستخدمون بارزون لوسائل التواصل الاجتماعي، اكتسبوا متابعين من خلال إنشاء شخصية موثوق بها عبر الإنترنت، إذ يقوم المؤثرون بتكوين روابط نفسية عميقة مع متابعيهم حين يشاركونهم محتوى له طابع شخصي بحت، كأن يعرضوا أسلوب حياتهم الخاصة، واهتماماتهم، وهذا ما يقود إلى جذب عدد كبير من المتابعين عبر الإنترنت، وبالتالي عدد كبير من المشاركة والاهتمام بمحتوى هؤلاء المؤثرين الذين يمكنهم استخدام ما يتمتعون به من شعبية في مجالات عدة.

ويضيف الكتاب “طور المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي، حسب الأدبيات، علامة تجارية شخصية  (human-brand)، وامتلك كل واحد منهم الأدوات اللازمة لجذب العديد من المتابعين باستمرار، خاصة وأن جمهور المؤثرين في الوسائط الرقمية لا يقتصر على متابعيهم الفعليين وحسب، بل يمكنهم التواصل مع متابعي متابعيهم الذين يشاركون محتواهم، ما يوسع نطاق وصولهم المحتمل بشكل كبير. ومن أمثلة ذلك؛ المدونون (Instagrammers) الذين يقدمون معلومات حول المظهر والجمال، والـyoutubers الذين يقدمون مضامين متنوعة عبر قنواتهم، والجزء الأكبر منهم يتجه لعرض جوانب من حياته الشخصية لأهداف مختلفة، أو تقديم أعمال سمعية بصرية من إنتاجه، لتتعدد بذلك أشكال الإنتاج الرقمي، ويتنوع صُناعه وتتمدد تأثيراته في المجتمع، وتتغلغل في شرائحه على اختلافها”.

ويُشير هذا الكتاب إلى أن الإشكال الذي يطرحه وجود “المؤثر” هو اتساع رقعة المهتمين بالحصول على هذا اللقب، ومن ثم الاهتمام الكبير بتقديم المحتوى الذي يجلب جمهورا أكبر، وهكذا يشهد المحتوى الرقمي نموا كَميا، ويتزايد الإقبال على متابعته، بينما يفقد الإنتاج قيمته النوعية، وهو ما يقود في نهاية المطاف إلى فقدان المعنى الذي أشار إليه جون بوديارد بقوله “إننا نعيش في عالم تزداد فيه المعلومات أكثر فأكثر، بينما يصبح المعنى فيه أقل فأقل”، حيث يحتدم الجدل حول أهمية ما يُقدم من مضامين، ثم حدود التأثير، وهل هو موجود أم لا؟

وعلى هذا الأساس، يؤكد الكتاب أنه إذا تأملنا في واقع مواقع التواصل الاجتماعي – التي لم تعد مجرد أداة اتصال بقدر ما هي أداة لخلق معنى للخبرات التي تعيشها المجموعة – فسنجد أنها تجسيد واضح لنظرية الفوضى؛ لأن بيئة الميديا الجديدة مهيأة لحدوث الفوضى بوصفها نظاما ديناميكيا معقدا، وبالتالي فهي بيئة حتمية لا خطية، تنطوي على سلوكيات غير منتظمة وغير مُستقرة، وستبقى الفوضى خاصية من خصائصها، إذ من العسير التحكم في ديناميكية هذه البيئة أو التنبؤ بحالاتها المستقبلية.

 ومع تزايد عدد المؤثرين في البيئة الرقمية وتنوع محتواهم، بات من المشروع التساؤل حول طبيعة هذا المحتوى بالاستناد إلى التعريف البسيط لمفهوم المؤثر من أنه “الشخص الذي يؤثر”، ومن المنطقي أن نبحث بشكل أعمق للإجابة على سؤال: “كيف يؤثر، وبمَن يؤثر؟”، إذ بات واضحا أننا نواجه بيئة إعلامية لا مجال فيها للسيطرة على المحتوى، كما من الصعب التنبؤ بالتغيرات التي من الممكن أن تحدث فيها، أو التحكم في مضامين الرسائل التي تبثها أو التكهن بتأثيراتها.

حح

ومع تشكل هذا المشهد العصي على الفهم، والخارج عن السيطرة؛ ظهرت العديد من الآراء حول “عصر التكنولوجيا”، حيث وصفه البعض بعصر إنتاج التفاهة وصناعتها، وتجلت تلك النظرة السلبية ليس فقط لجهة ما يقوم به المؤثر من تصرفات، وإنما ما يُقدمه، غالبا، من مضمون خالٍ من المعنى ومن القيمة، الأمر الذي يسهم في نشر الابتذال والإغراق في التسلية المجانية، والتأثير على التركيبة الشخصية للفرد.

إن هذا التسارع ومعه الفوضى في بناء الأيقونات الرقمية التي تتابعها الفئات العمرية على اختلافها، من شأنه أن يمكن صناعة المحتوى – بما فيه الترفيهي – من إحداث تغيرات كبيرة في النظام الاجتماعي، خاصة وأن المتلقي لمضمون هذا المحتوى لا يكتفي بمشاهدته فقط، وإنما يحاول تقليده، وهذا ما يتجلّى، على سبيل المثال لا الحصر، في الحالات التي تقود المرأة إلى مفترق طرق خلال بحثها عن الحياة المثالية التي تعيشها غيرها من المؤثرات خلف الشاشة، فتحاول تطبيق ما تراه على واقعها اليومي.

ومن أبرز الأبحاث العلمية المنشورة بين ثنايا هذا الكتاب الجماعي “المسارات المنهجية والنظرية لخطاب بحوث المؤثرين في العالم العربي، دراسة تحليلية من المستوى الثاني” (د. نداء يونس)، والمؤثرون الاجتماعيون بين التطور المفاهيمي والنظري للعملية الاتصالية (د. ياسمين عجرود)، وفلسفة التواصل لدى المؤثرين في البيئة الرقمية – رؤية هابرماسية – (د. ليلى فرشة ود. فاطمة همال)، والمحتوى واللامحتوى من أجل “التريند” عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. دراسة نقدية (د. البكري عبدالقادر خلود ود. عولمي دلال)، ومؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي: بأي محتوى، بأي حدود أخلاقية؟ (د. عائشة كريكط ود. سعيدة عباس)، وصناعة المحتوى الثقافي الرقمي في شبكات التواصل الاجتماعي.. من صناعة الثقافة إلى تكريس التفاهة (د. حليمة عايش)، واليوتيوب وصناعة الثقافة الجماهيرية: بين الثقافة المصنعة واحترام أذواق الجماهير (د. مريم زعتر ود. أحمد بودادة)، ومؤثرو منصات التواصل الاجتماعي وسؤال الأخلاق.. في المصداقية والخصوصية (د. بسمة مالك وأ. بشارة خلود)، والأطفال المؤثرون في البيئة الرقمية بين ثلاثية الواجب الأخلاقي والشهرة والاستغلال التجاري (د. أمال قاسيمي ود. الزهرة بريك)، والمؤثرون الرقميون وأخلاقيات صِناعة المُحتوى التسويقي (سعيدة خيرة بن عمار ويسري صيشي).

12