المؤثرون في الجزائر.. محتوى رديء يزيدهم قوة ونفوذا

يختلط الحابل بالنابل في المحتوى الذي يقدمه مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي الجزائرية غير أنهم يجتمعون على مسألة التأثير الكبير على المجتمع والشباب خصوصا، مع ضعف الثقة بالإعلام التقليدي الذي يعاني من القيود وسياسة التعليمات.
الجزائر - أظهر تنافس الأخبار التي تخص المؤثرين أو صناع المحتوى في الجزائر مع نشاطات المرشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا، مدى استحواذها على اهتمام المتابعين والشباب خصوصا والتأثير الذي تتركه على الرأي العام.
وفي بلد مثل الجزائر تتزايد فيه الضغوط والقيود على وسائل الإعلام التقليدية وتكبيلها بالخطوط الحمراء، بات المؤثرون يمتلكون قدرة كبيرة على التأثير جعلتهم بمثابة قادة رأي.
ويؤكد مصطفى بونيف، كاتب صحافي وصانع محتوى أنهم أصبحوا في حالات كثيرة أقوى من وسائل إعلام أنفقت عليها الحكومات المليارات، “فلا تستطيع مجابهة مؤثر قد لا يمتلك أكثر من هاتف من الفئة المتوسطة وبضع الجيجابايت من الإنترنت”.
ويُرجع بونيف هذا التأثير إلى سهولة الوصول إلى التطبيقات الموجودة في الهواتف، وتوفرها على مدار الساعة، بالإضافة إلى إمكانية التعليق والمناقشة المباشرة مع صانع المحتوى، كما أنها باتت وسيلة لتحصيل الرزق.
وينظر الشباب والمراهقون في الجزائر للإنستغرام على أنه الفضاء الأمثل القادر على اختصار المسافات نحو الشهرة، فبالنسبة لمن يمتلك موهبة سواء في الغناء أو التمثيل، فهو فضاء للظهور وربح المال والدعاية.
وقد تحول إنستغرام إلى قائد للرأي العام في الجزائر، وبفضله حقق العديد من الشباب المغمورين أموالا وحصلوا على عروض للعمل في أعمال سينمائية وتلفزيونية.
وتمكن المؤثرون من الحصول على عقود للعمل في ومضات إعلانية مع أكبر الشركات الاقتصادية في الجزائر.
وينتقد غالبية المتابعين محتويات مواقع التواصل الاجتماعي التي تخص “المشاهير”، ويعبرون عن صدمتهم إزاء الجرأة الكبيرة لنوعية المواضيع والقضايا الشخصية التي يتم تداولها بالنظر لانتمائهم إلى مجتمع يصرّ على أنه لا يزال محافظا أو هكذا هو الانطباع السائد على الأقل.
وبات مألوفا عند الكثير من هؤلاء عرض الحياة الخاصة ومشاركتها للعامة من المتابعين والمحبين، كأخبار الطلاق والخيانة والانتقام… وتصفيف الشعر والملابس… وغيرها، وكأن الأمر بات شبيها بما تكتبه أشهر الصحف البريطانية والغربية المختصة في متابعة النجوم وفضائحهم.
ويرى البروفيسور محمد دحماني، مدير مخبر البحوث والدراسات في الميديا الجديدة بجامعة المسيلة شرقي الجزائر، أن تأثير المؤثرين والنشطاء على منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر في السنوات الأخيرة أصبح موضوعا يستحق الوقوف عنده بجدية. فمع ازدياد أعدادهم وتوسع نطاق تأثيرهم، بدأت تظهر ملامح سلبية على المجتمع، إذ بات بعض هؤلاء المؤثرين يستغلون منصاتهم لنشر محتوى يهدد القيم الاجتماعية والتماسك الاجتماعي الذي يُعد أساسا في تكوين الهوية القومية كمجتمع جزائري.
وأضاف دحماني أن الخطاب الذي يروج له المؤثرون يتسم بالتفكك والسخرية من الموروث الثقافي والأخلاقي، مما يؤدي إلى تآكل العلاقات الإنسانية التي كانت فيما مضى محمية بالعادات والتقاليد. كما يبرز أنه بدلا من أن تكون منصات التواصل الاجتماعي مساحة لتعزيز الوعي الجماعي وتطوير حوار بنّاء، تحولت لدى بعضهم إلى أدوات لنشر الكراهية والتفرقة بين أفراد المجتمع، مستغلين حرية التعبير لتحقيق مكاسب شخصية دون اعتبار لما يلحقه ذلك من أضرار بالمجتمع ككل.
وبحسب بونيف، فإن امتلاك كل الناس لهواتف ذكية عزّز من مكانة صناع المحتوى، الذين تحولوا اليوم إلى مؤثرين على الرأي العام، وقدارين على توجيهه كيفما يشاؤون، وتتأرجح المحتويات بين النّافع والضّار، وعلى المتلقي أن يفعّل الفلتر المناسب حسب ثقافته ووعيه.
والبحث عن كسب المال، دفع فارس إلى فتح حساب على تيك توك، في محاولة منه ليصبح مؤثرا أو صانع محتوى. لكن فارس لا يريد أن يكون “قدوة سيئة أو مثل الآخرين الذين تجردوا من كل القيم والأخلاق وباعوا شرفهم للشيطان”، بل يأمل في أن يكون عنصرا إيجابيا من خلال استغلال مصادره الموثوقة لتقديم معلومات صحيحة لمتابعيه والجمهور العريض، وأن لا يتلاعب أبدا بسمعة عائلته.
يؤكد بونيف، وكأنه يشير إلى عامل إيجابي، أن الجزائريين يعتمدون بدرجة كبيرة على هؤلاء المؤثرين في مختلف المجالات لاسيما المحتويات ذات البعد الإعلامي والسياسي، لافتا إلى استخدامهم أيضا كوسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية، ولعل الكثير منهم دخل في مواجهة مباشرة مع جهات أجنبية معارضة لسياسات البلاد.
ويعترف سمير بادي، وهو رئيس تحرير الموقع الإخباري الإلكتروني “دزاير توب”، بالأثر السلبي الذي يتركه بعض المؤثرين على قيم وأخلاق وسلوكيات الشباب وحتى الأطفال، بسبب تصرفاتهم غير المسؤولة والمحتوى المنحط الذي يقدمونه، قبل أن يستدرك وينوه بما تقوم به فئة أخرى من المؤثرين تقدم أفكارا إيجابية، وسعيها لصناعة رأي عام حول قضايا ذات أهمية للمواطن والدولة على السواء.
إنستغرام تحول إلى قائد للرأي العام في الجزائر، وبفضله حقق العديد من الشباب المغمورين أموالا وحصلوا على عروض للعمل في أعمال سينمائية وتلفزيونية
ومثلما قفزت شهرة بعض المؤثرين بسرعة البرق، بدأت نجوميتهم تأفل ربما أسرع من المتوقع، حيث تتناقل وسائل الإعلام التقليدية بين الفينة والأخرى أخبارا عن توقيف واعتقال تلك المؤثرة أو ذلك المؤثر، إما بسبب الاتجار في المخدرات أو التزوير وغيرهما من المخالفات التي يعاقب عليها القانون العام. ولم يعد ينفع هؤلاء التقرب من أصحاب النفوذ أو أصحاب المال والأعمال، للإفلات من مقصلة العدالة ومواجهة المصير المحتوم.
ويأسف الناشط مصطفى معزوزي لحال بعض المؤثرين، فيجزم بأنهم “أصبحوا تحت رحمة بارونات المخدرات الذين يستغلونهم في تحقيق مصالح ومكاسب كبيرة. وقد يكون لعصابات المخدرات دور في الأحداث الدرامية، لكن محاولة الانسلاخ عن المجتمع والطمع وراء الكسب السريع لهما نصيب آخر في هذا السقوط الحر الذي قد لا يستقر في السجون فقط، لأن “كل ما بني على باطل فهو باطل” على حد قول العارفين بخبايا الحياة وتجاربها المرة والحلوة”.
وفي إحدى قصص مشاهير الإنستغرام، التي عاشتها واحدة من أبرز الشخصيات في الجزائر وهي الممثلة مونيا بن فيغول، فقد تحولت صورتها إلى أحد رموز السخرية والسخط، وتبرأ منها متابعوها بمجرد نشرها لفيديو تحدثت فيه عن التحرش في المجتمع وهاجمت الشباب بوصفهم بـ”اللاهثين وراء جسد المرأة”.
ويذكر دحماني أن ما تشهده اليوم العلاقات بين الناس من تفكك في الروابط الاجتماعية وتزايد النزعات الفردية، يدعو إلى ضرورة سرعة إعادة النظر في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة، والعمل على تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على القيم الاجتماعية في ظل التحولات الرقمية المتسارعة.
وفي الوقت نفسه هناك من يدعو إلى سن قوانين رادعة للحد من التطاول على قيم وثوابت الأمة، قوانين تحمي برأي سمير بادي، صناع المحتوى الحقيقيين والإيجابيين، وحتى تمكينهم من مخصصات صندوق دعم مثلما جاء في اقتراح لوزير الإعلام في الحكومة محمد لعقاب.
لكن الحقيقة هي أنه في عالم يموج بالصراعات وحروب المعلومات التي بات الإعلام الجديد ساحتها، بما أفرزته الثورة الرقمية من قدرة هائلة على الوصول إلى عمق المجتمعات بلا حدود، يصعب فرض رقابة كاملة على المحتوى أو حتى ضبطه على النحو الذي يرضي الجميع.