المؤثرون في الجزائر.. كل شيء مباح في سبيل الشهرة والانتشار

الجزائر - قبل خمس سنوات من الآن، وتحديدا في شهر سبتمبر 2018، حدث أمر غريب سبّب صدمة في الجزائر، عندما تجمعت حشود من الناس قدّرت بحوالي عشرة آلاف شخص عند “مقام الشهيد”، وهو واحد من أشهر الأمكنة في العاصمة الجزائرية، لا يحملون مطالب سياسية ولا اجتماعية ولا حتى ثقافية، وإنما السبب حضور حفل ميلاد شخص يسمّي نفسه “ريفكا”، لم يكن أكثر الناس اطلاعا على المشهد الإعلامي والثقافي والسياسي يعرف عنه شيئا.
اسمه الحقيقي فاروق بوجملين، وقيل إن اسم شهرته “ريفكا” هو قلب لاسمه الشخصي فاروق، ورغم أنه لم يكن يتجاوز سن العشرين إلا قليلا فقد كان يملك من المتابعين أضعاف ما يحلم به الكثير من السياسيين وأصحاب الرأي، وتحوّل ذلك الشخص فجأة إلى ظاهرة إعلامية، وحظي باستقبال المسؤولين، في محاولة للاستثمار في شعبيته الجارفة، وعُرضت عليه مشاريع من بينها بطولة فيلم ضخم وهو الذي لا يعرف شيئا عن فن التمثيل.
الشخص نفسه أدانته محكمة الجنح بعد سنوات قليلة من ذلك رفقة آخرين بسنة سجنا نافذا بتهمة الاحتيال على طلبة للدراسة في دولة أجنبية، وقد تورطوا للإعلان لشخص محتال أخذ أموالا من شباب أوهمهم أنه سينقلهم إلى أوكرانيا لمزاولة تخصصات علمية.
في الوقت الذي يشكو فيه المسرح غياب الجمهور ولا تكاد تجد أفضل الأفلام السينمائية من يشاهدها، تحظى منشورات ممثلي هذه الفئة بآلاف علامات الإعجاب
إنهم المؤثرون الذين أصبحوا في الجزائر قوّة يُحسب لها ألف حساب، مع التراجع الكبير لقوة النخب السياسية والفكرية، ففي الوقت الذي يشكو فيه المسرح غياب الجمهور ولا تكاد تجد أفضل الأفلام السينمائية من يشاهدها، ولا يجد أكبر الكتّاب من يقرأ منشوراته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحظى منشورات ممثلي هذه الفئة بآلاف علامات الإعجاب والمشاركة مهما كانت تفاهتها.
ومع الغياب شبه الكلي للجمهور عن التظاهرات الثقافية، حاول البعض الاستثمار في هذه الظاهرة الجديدة من خلال بعض المنتديات التي يُعلن عنها في كل مرة وتتحوّل إلى مناسبة للتعليق والتهكم والسخرية، حيث يحضر البعض ممن يدّعون أنهم يمثلون هذه الفئة، وهم من غريبي الأطوار.
يقول عبدالرحمن خلافي الصحافي والمدوّن “المؤثرون الحقيقيون قليلون جدا، وهم معروفون بإحصائياتهم الكبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها إنستغرام، فمن يملك خمسة ملايين أو أكثر عبر تلك المنصة يمكن أن نقول إنه مؤثر، وما عدا ذلك فهم محتالون يحاولون ركوب الموجة ليس إلا”.
ويضيف خلافي أن كثيرا ممن يسمون أنفسهم مؤثرين يلجأون إلى حيل “رخيصة” طلبا للشهرة والانتشار، مثل تلك الفتاة المحجبة والتي نزعت الحجاب في محاولة يائسة لإثارة الناس، ونيل أكبر عدد ممكن من المشاهدات واللايكات، وأخريات من اللاتي يتفوهن بكلام بذيء، والبعض منهن يلجأن إلى اختلاق خصومات مع “مؤثرات” أخريات، ليتبيّن أنهن على وفاق.
ولأن “الغاية تبرر الوسيلة”، ففي سبيل “التأثير” يلعب البعض على كل الحبال، ويستخدمون كل شيء بما في ذلك الدين، حيث لجأت فتاة من الشرق الجزائري إلى طريقة للانتشار، حيث تحرص كل يوم على تسجيل يومياتها البسيطة في الريف، وتصورّ نفسها تصلي صلاة الفجر وفي حالة خشوع وطاعة للوالدين إلى أن حققت انتشارا واسعا، وفجأة تظهر بصورة مغايرة عندما نشر أحدهم فيديو يصوّرها شبه عارية وتدخّن الشيشة والسجائر.
الغريب في الأمر أن الفتاة نفسها واصلت طريقها إلى “التأثير” بالعودة إلى الصلاة وقراءة القرآن في مشهد يومي وكأنها لم تشاهد الفيديو الذي صوّرها بطريقة معاكسة، وكأن شيئا لم يكن.
المؤثرون في الجزائر أصبحوا قوّة يُحسب لها ألف حساب، مع التراجع الكبير لقوة النخب السياسية والفكرية
إنها ظاهرة “السمكة الحمراء”، يقول حسام مختاري طالب علم الاجتماع، ويضيف “هذا الوضع شخّصه الكاتب برونو باتينو قبل سنوات في كتابه ‘حضارة السمكة الحمراء’ في إشارة إلى تحوّل مدمني مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعي المؤثرين إلى ما يشبه تلك السمكة التي لا تزيد ذاكرتها عن 8 ثوان، هي تسبح داخل إناء زجاجي وبعد وقت قصير جدا تنسى ذلك وتعتقد أنها في محيط لا نهائي”.
هو حال المتابعين الذين يتأثرون باللحظة الحاضرة ولا يربطون الأمور ببعضها، فحتى ولو كان “المؤثر” محتالا أو مخادعا فلن يؤثر ذلك في شيء على عدد متابعيه، وهذا ما أدركه الباحثون عن الشهرة، وأصبحوا يفكرون في استعمال أي شيء مقابل الشهرة.
ولا يقتصر “التأثير” على الجانب الرياضي والفني والاجتماعي، بل تعداه إلى السياسة، إذ احترف بعض الجزائريين الذين يعيشون في بعض الدول الأوروبية “التحليل السياسي”، وفي كل يوم تقريبا يظهرون على المباشر في فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل إكس وفيسبوك ويوتيوب، يتكلمون في كل شيء، وبعضهم يدّعي أن له مصادر خبر من داخل السلطة نفسها، يقدمون معلومات متناقضة، ويستمرون في كلامهم رغم أن الوقائع تكشف زيف ما يدّعون.
كثير منهم يعلم أنه لا يملك المعلومة الحقيقية، ويدعّي عكس ذلك ويظهر بثقة كبيرة في محاولة لجلب أتباع والتأثير عليهم، ويستمر في ادعاءاته اعتقادا منه أن ذاكرة المشاهد تشبه ذاكرة “السمكة الحمراء”، ربما “المؤثر” نفسه تحوّل إلى مجرد سمكة من ذلك النوع لا يزيد زمن ذاكرته عن ثماني ثوان.