المؤتمر الدولي للترجمة وإشكالات المثاقفة: عقد من التحاور بين الثقافات

أحيا المؤتمر الدولي للترجمة وإشكالات المثاقفة -الذي يعد ملتقى ثقافيا وفكريا للمترجمين- عقده الأول، خلال دورته العاشرة التي اختصت بالبحث في قضايا الترجمة ودورها في تعزيز حضور الثقافة العربية وتلاقح الثقافات، بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي الذي يلقي بثقله على أغلب المجالات الثقافية ويفاقم تحدياتها.
الدوحة - على مدار يومين أحيت فعاليات المؤتمر الدولي العاشر حول الترجمة وإشكالات المثاقفة الذي ينظمه منتدى العلاقات العربية والدولية بمشاركة نحو 120 من الباحثين والمترجمين والأكاديميين من مختلف دول العالم، عقدا من عمر المؤتمر الذي يهتم بالترجمة ودورها الكبير في تعزيز حوار الثقافات ويبحث في أهم التساؤلات والقضايا المتعلقة باللغات.
المؤتمر الذي استمر على مدار يومي الاثنين والثلاثاء، ناقش في سبع جلسات علمية عددا من المحاور، أهمها: الترجمة العربية - الإسبانية، ومورسكيات، وترجمة قضايا فلسفة العلوم، والترجمة والذكاء الاصطناعي، ومشاريع مؤسّسية في الترجمة، وتدريس الثقافة العربية في الجامعات غير العربية، والترجمات البلغارية والصومالية والسندية من اللغة العربية وإليها. وفي الختام، أعلن عن الفائزين بـ”جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي”.
وقال الدكتور محمد حامد الأحمري مدير منتدى العلاقات العربية والدولية في كلمته الافتتاحية إن المؤتمر الذي يحتفي بعقده الأول استطاع حل الكثير من الإشكاليات التي ترتبط بقضايا الترجمة خلال الفترة الماضية، كما أسهم في تحقيق التواصل بين المترجمين من مختلف لغات العالم ليمثل جسرا للحوار والتفاهم بين الثقافات.
المؤتمر يهتم بالترجمة ودورها الكبير في تعزيز حوار الثقافات ويبحث في أهم التساؤلات والقضايا المتعلقة باللغات
وأضاف أن المنجز الثقافي لهذا المؤتمر الذي كان حلما قد تحقق منه الكثير وفي المؤتمر العاشر تتواصل جهود المترجمين والمبدعين الذين يحرصون على نقل ثقافتنا العربية إلى لغاتهم ونقل لغاتهم إلينا، مشيرا إلى حاجتنا في الوقت الراهن، الذي يشهد عدوانا من الاحتلال الإسرائيلي على غزة، إلى إنشاء ثقافة جديدة تبني جسورا للتواصل بين العالم وهو ما تسهم به مثل هذه الفعاليات.
وقال إن الثقافة التي نصنعها باتفاقنا وتواصلنا تساعد في قضايا السلام والعدالة عبر العالم، وإن خطواتنا في هذا العمل الثقافي تؤكد إصرارنا على التفاهم والتواصل بما يجعل من هذه النخبة الثقافية قدوة للبشر في التعاون على الخير والإصلاح.
وجاءت أولى جلسات المؤتمر بعنوان “الترجمة العربية – الإسبانية”، وأدارها الدكتور سالفادور بينيا مارتين أستاذ الترجمة في جامعة مالقة حاليا وجامعتي بغداد وغرناطة سابقا، والمترجم الحائز جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي (2016).
واستهلت الجلسة ببحث للمترجم الدكتور خوسيه ميغيل بويرتا أستاذ تاريخ الفن واللغة العربية في جامعة غرناطة، بعنوان “ثلاث نقاط في مسار الترجمة العربية – الإسبانية”، تلاه بحث للدكتورة مارغاريدا كاستيلس كريباييس الأستاذة في قسم الدراسات العربية في جامعة برشلونة والمهتمة بترجمات القرآن الكريم والمخطوطات العربية والمتوسطية بعنوان “إشكالات الترجمة الأدبية العربية – الكاتالونية”.
أما البحث الثالث فقدمه المترجم والأكاديمي الفلسطيني حسني مليطات، وجاء بعنوان “القيمة المعرفية لترجمة النصوص الفكرية من الإسبانية إلى العربية، فيما قدم المترجم الدكتور لويس ميكال كنيادا مدير مدرسة طليطلة للمترجمين، والحائز وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني، بحثا بعنوان “ترجمة النبرة الشخصية في القصيدة العربية”، لتختتم الجلسة ببحث لمويسيس غاردونيو غارسيا الأستاذ المتفرغ في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك ومدرس اللغة العربية فيها، بعنوان “الثقافة العربية واللغة العربية في المكسيك: تاريخ موجز”.
وحملت الجلسة الثانية من أعمال المؤتمر الدولي العاشر حول الترجمة وإشكالات المثاقفة عنوان “مورسكيات” وأدارتها الأكاديمية التونسية إيناس سحابو أستاذة محاضرة في اللسانيات والترجمة بجامعة قرطاج، والتي قدمت بحثها بعنوان “التراجم المورسكية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في إسبانيا، كتاب التفريع لابن جلاب أنموذجا”.
وجاء بحث المترجم والأكاديمي المصري الدكتور جمال عبدالرحمن أستاذ اللغة الإسبانية في جامعة الأزهر بعنوان “ترجمة كتب التاريخ المورسكي”، ليأتي بحث آخر بعنوان “رحلة النصوص من العربية إلى الإسبانية، نماذج ترجمية ناجحة في أميركا اللاتينية” وقدمته المترجمة المغربية فدوى الهزيتي أستاذة في قسم الدراسات الإسبانية بجامعة الحسن الثاني في المغرب، ثم بحث بعنوان “بين سلطة النصر وتسلط المترجم: دراسة نقدية شرعية للنص الموازي في ترجمة دي لا بويبلا للقرآن الكريم.. سورة النساء أنموذجا” لكل من المترجمة نفيسة موفق الأستاذة في معهد الترجمة بجامعة الجزائر 2، والباحث هشام تبحار باحث في العلوم الشرعية في وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بقطر.
وشهد المؤتمر بعد ذلك جلسة بعنوان “قضايا فلسفة العلوم بين الترجمة والتبيئة” وتضمنت مجموعة من الأبحاث من أهمها “الترجمة في حقل تاريخ العلوم وفلسفتها: الواقع، التحديات والإستراتيجيات” للدكتور يوسف بن عثمان الأستاذ بجامعة تونس المنار، وبحث بعنوان “تاريخ العلوم العربية ودرء عقبات الترجمة المبيئة” للمترجمة الدكتورة يمنى طريف الخولي الأستاذة بجامعة القاهرة.
وخصص المؤتمر جلسة لمناقشة محور الترجمة والذكاء الاصطناعي، شارك فيها عدد من الباحثين، منهم الدكتورة زهيدة مرواني الأستاذة بجامعة تونس المنار وجاء بحثها موسوما بـ”كفاءة الذكاء الاصطناعي في ترجمة النصوص من الألمانية إلى العربية، مقاربة ألسنية لغوية”، والدكتور غسان مراد الأستاذ في الجامعة اللبنانية ببحث حول “الترجمة الآلية في الإعلام ووسائله، الإعلام اللبناني نموذجا”، والدكتورة مليكة كتاب الأستاذة بالجامعة الأورومتوسطية في المغرب ببحث حول “إشكالات الترجمة الأدبية عربية/ِ إسبانية/ عربية وحدود الذكاء الاصطناعي”.
وشمل اليوم الثاني من المؤتمر انعقاد الجلسة السادسة بعنوان “تدريس الثقافة العربية في الجامعات غير العربية”، والجلسة السابعة التي تترأسها الأكاديمية والإعلامية والأديبة قطرية حنان الفياض، حول الترجمات البلغارية والصومالية والسندية من اللغة العربية وإليها.
وقدم محمود محمد قدوم، أستاذ اللغة العربية وآدابها ورئيس قسم اللغة العربية والترجمة بكلية الآداب في جامعة بارتن، تركيا، مداخلة تحت عنوان “تجارب مترجمي العربية الأتراك الشباب: دراسة وصفية”. في حين كانت لمايا تسينوفا، وهي مترجمة ومحاضرة في قسم اللغة العربية في جامعة صوفيا، بلغاريا، مداخلة تحت عنوان “بعض الملاحظات عن حركة ترجمة الأدب العربي في بلغاريا”. تلتها مداخلة قدمها أفضل أحمد شعيب الأنصاري، مدرس في المعهد السلفي للتعليم والتربية وجامعة أبي بكر الإسلامية، كراتشي، تحت عنوان “علاقة اللغة السندية مع اللغة العربية”. ثم مداخلة محمد عمر أحمد، وهو قاض في المحكمة العليا بجمهورية الصومال الفيدرالية وباحث في مجال القانون والفقه الإسلامي، تحت عنوان “الترجمة أداةً للإصلاح الفكري والسياسي في زمن التيه الحضاري: الترجمة من العربية إلى الصومالية أنموذجًا”.
وعلى هامش الجلسات الحوارية وقعت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، التي تقدم سنويا ضمن فعاليات المؤتمر الدولي، اتفاقية تعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ممثلة في مكتب اليونسكو لدى دول الخليج العربية واليمن بالدوحة. وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجالات اللغة العربية والترجمة كأدوات فاعلة لبناء الجسور الثقافية بين مختلف المجتمعات.
وذكر بيان جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي أن التعاون بين الطرفين يشمل ثلاثة مجالات هي الترجمة والنشر حيث ستشمل الشراكة الترجمة والنشر المشترك للمجلدات التي طورتها اليونسكو في إطار برنامج طريق الحرير، وذلك بهدف تيسير تبادل المعرفة والأفكار عبر الحدود اللغوية والثقافية، بالإضافة إلى تعزيز اللغة العربية من أجل التماسك الاجتماعي عبر تنظيم فعاليات وورش عمل ومؤتمرات مشتركة تتناغم مع برنامج اللغة العربية التابع لليونسكو لتعزيز التماسك الاجتماعي عبر التأكيد على التنوع اللغوي.
كما نصت الاتفاقية على التعاون في تعزيز استخدام اللغة العربية والترجمة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال الترويج لاستخدام اللغة العربية في هذا المجال. وجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تأسست في الدوحة – قطر عام 2015، للمساهمة في دفع مسار المثاقفة ودعم حركة الترجمة في العالم من اللغة العربية وإليها. وأصبحت هذه الجائزة بعد سنوات قليلة من انطلاقها أهم وأكبر جائزة ترجمة في العالم من اللغة العربية وإليها، سواء من حيث القيمة أو من ناحية التأثير.