الليرة اللبنانية تنهار إلى مستوى تاريخي في خضم أزمة سياسية مستفحلة

الدولار الأميركي يصل إلى حوالي 32 ألف ليرة في تعاملات السوق غير الرسمية، فيما ساسة لبنان غارقون في الصراع السياسي.
الاثنين 2022/01/10
الأزمة السياسية تهوي بالليرة مجددا إلى هوة سحيقة

بيروت - تتواصل المصاعب الاقتصادية والمالية في لبنان مع استمرار الأزمة السياسية، رغم محاولات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للخروج من الوضع الصعب.
وقد ارتفع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة في لبنان إلى مستوى تاريخي جديد الاثنين، قرب 32 ألف ليرة للدولار الواحد في تعاملات السوق غير الرسمية (السوداء).
وتراوح سعر الدولار مساء الاثنين، وفق بيانات التداول في السوق السوداء، بين 32000 ليرة للشراء و31950 ليرة للبيع.
ويأتي تراجع الليرة إلى مستوى قياسي جديد في الوقت الذي لا يزال فيه سعر صرف الدولار في مصرف لبنان المركزي عند حدود 1510 ليرات لكل دولار.
ويعيش لبنان تحت وقع انهيار اقتصادي حذر منه البنك الدولي ووصفه بأنه أسوا حالات الكساد في التاريخ الحديث، حيث تسبب استشراء الفساد وسوء إدارة الدولة في الأزمة الحالية، إذ تشير العديد من المصادر إلى أن تداعياتها ستتواصل لسنوات.
وشهد لبنان ارتفاعا في أسعار المواد الأساسية مع ارتفاع نسب التضخم بالتزامن مع هبوط حاد في القدرة الشرائية لمواطنيه، إضافة إلى شح في الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى.
ويأتي الانهيار الجديد للعملة في خضم اتهامات بالفساد موجهة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ودعوات مستمرة إلى القيام بعمليات تدقيق مالي.
ويواجه سلامة تهما بالفساد في ثلاثة بلدان أوروبية، من بينها تحقيق سويسري بدأ في يناير بشأن اتهامات بعمليات كبيرة لغسيل الأموال في المصرف المركزي، تتضمن مكاسب بقيمة 300 مليون دولار حققتها شركة يملكها شقيق سلامة.
لكن سلامة ينفي كل التهم ويؤكد أن معاملاته شفافة وأن مصادر ثروته واضحة وموثوقة.
وتأتي هذه التطورات المالية في خضم أزمة سياسية عميقة في لبنان، ووسط عراقيل يضعها حزب الله أمام عقد مجلس الوزراء منذ تشكيل الحكومة في سبتمبر 2021، وقبل أشهر قليلة على إجراء انتخابات نيابية.
وتتهم قوى سياسية لبنانية حزب الله بالاستفادة من غياب الاستقرار في لبنان خدمة للمصالح الإيرانية، وسط اتهامات للجماعة الشيعية بالعمل على تأجيل الانتخابات.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون دعا إلى حوار وطني، لكن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري اعتذر عن المشاركة قبل إجراء الانتخابات، وهو ما يرسم صورة قاتمة لحجم الخلافات الداخلية.
ورغم استفحال الأزمة السياسية والاقتصادية، فإن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي دعا الشباب اللبناني إلى إخراج البلد من النفق الحالي، حيث اعتبر أن انتخابات البرلمان المقررة في الخامس عشر من مايو المقبل فرصة أمام الشباب ليحددوا خياراتهم بما يتوافق مع رؤيتهم للانخراط في إنقاذ البلاد.
وقال ميقاتي في كلمة له في "المنتدى الشبابي الدولي" الرابع الذي انطلقت فعالياته الاثنين بمدينة شرم الشيخ المصرية، بمشاركة دولية واسعة، إن "الانتخابات النيابية التي ستجرى في الربيع المقبل سوف تشكل فرصة لشباب لبنان ليقولوا كلمتهم، ويحددوا خياراتهم في ما يتوافق مع رؤيتهم للانخراط في ورشة الإنقاذ الوطني المنشود".
وشارك الآلاف من الشباب اللبناني في الأشهر الماضية في احتجاجات تطالب بتحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، وإنهاء حالة الانقسام وحماية القرار الوطني من الهيمنة الخارجية.
وساهم حزب الله في استفحال الأزمة المالية بسبب دوره في توتير علاقات لبنان بمحيطه العربي والخليجي، ما دفع دولا خليجية لها علاقات اقتصادية تاريخية مع لبنان، على غرار المملكة العربية السعودية، إلى سحب سفرائها.
وترى العديد من القوى السياسية اللبنانية أن صناديق الاقتراع يمكن أن تكون أحد الحلول لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية، وتخليصها من الهيمنة الإيرانية بالأساس، في وقت يشعر فيه حزب الله، الذراع الإيرانية في لبنان، بخوف من نتائج أي انتخابات قادمة في ظل حالة التململ المجتمعي.
وتحدثت العديد من التقارير عن حالة الغضب بين شباب الطائفة المسيحية من سياسات التيار الوطني الحر، الذي رهن القرار المسيحي بيد حليفه حزب الله، وهو ما فسّر الانتقادات التي وجهها مؤخرا المسؤولون في الحزب، وفي مقدمتهم رئيسه جبران باسيل، للجماعة الموالية لإيران.
وأشارت العديد من المصادر إلى أن حزب الله وحليفه سعيا إلى تأجيل الانتخابات بسبب حالة الغضب بين الشباب اللبناني، وخاصة منه المسيحي، وهو ما أكده رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، رغم أن مسؤولين في حزب الله نفوا ذلك نفيا قاطعا.
وواجه التيار الوطني الحر انتقادات واسعة من قبل الشباب المسيحي بسبب تدهور وضع البلد نتيجة التحالف مع حزب الله، وهو ما دفع الكثير منهم إلى مقاطعة الانتخابات، فيما يعيش حزب الله أزمة في محيطه الشيعي أيضا.
ويرى مراقبون أن الشباب اللبناني قادر على تغيير الكثير من المعادلات السياسية عبر صناديق الاقتراع والحد من نفوذ حزب الله، رغم أن مواجهة هذا النفوذ بشكل كلي أمر مستبعد في ظل تغلغل الجماعة في مفاصل الدولة اللبنانية، وإصرارها على الإبقاء على سلاحها.