الليبي محمد النعّاس يتوج بالجائزة العالمية للرواية العربية

"خبز على طاولة الخال ميلاد" بحث عن الرجولة في عالم يقمع الأفراد.
الاثنين 2022/05/23
كاتب يخوض صراعا فرديا ضد ثقافة القمع

في كل دورة تقدم الجائزة العالمية للرواية العربية روايات مميزة لقرائها، إذ تكتشف في كل عام أهم ما نشر من روايات عربية تختارها في قائمتها الطويلة ومن ثم القصيرة وصولا إلى العمل المتوج، وهو ما حقق حركية غير مسبوقة في مجال الفن الروائي كتابة ونشرا وقراءة.

أبوظبي- أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية، مساء الأحد، عن فوز رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” للكاتب الليبي محمد النعّاس بالدورة الخامسة عشرة من الجائزة لعام 2022.

وكشف الروائي والأكاديمي شكري المبخوت، رئيس لجنة التحكيم، عن اسم الرواية الفائزة بالجائزة والصادرة عن رشم للنشر والتوزيع، خلال فعالية نظمت في أبوظبي، والتي حصل محمد النعّاس بموجبها على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار أميركي، وضمان تمويل ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى فرصة الترويج لروايته على المستوى العالمي وتحقيق زيادة في مبيعاتها.

وقال المبخوت “لقد قامت الرواية المتوّجة على استعادة تجربة شخصيّة في ضرب من الاعترافات التي نظّم السرد المتقن المشوّق فوضى تفاصيلها ليقدّم نقداً دقيقاً عميقاً للتصوّرات السائدة عن الرجولة والأنوثة وتقسيم العمل بين الرجل والمرأة وتأثيرهما النفسي والاجتماعيّ. إنّها رواية تقع في صلب التساؤلات الثقافيّة الكونيّة حول قضايا الجندر لكنّها منغرسة، في آن واحد، في بيئتها المحلّيّة والعربيّة بعيداً عن التناول الإيديولوجيّ المسيء لنسبيّة الرواية وحواريّتها”.

وبدوره، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية “تسرد رواية خبز على طاولة الخال ميلاد قصة حياة شخصيتها الرئيسة، ميلاد، في علاقاتها التي تتقاطع، بتوتّر جندري، مع محيطها الاجتماعي بكل توقّعاته المتوارثة في المجتمع الليبي في النصف الثاني من القرن العشرين. يطل علينا ميلاد من ثنايا السرد، متقمّصًا دور الراوي العليم؛ ليدخلنا في عوالمه الباطنة التي يتخمر فيها الخبز، نابضًا بحياة تجعل منه شخصية رئيسة، في النص الروائي، إلى جانب ميلاد”.

صراع فردي

أضاف سليمان “مما يميز هذا النص الروائي الماتع الجرأة في السرد، والاقتصاد فيه، والانفتاح على مسارات من القص لا توصد الأبواب، وتدفّق اللغة التي تنساب الفصحى في عروقها بألق لا مبالغة فيه؛ للتعبير عن خبايا الروح والجسد بلا تكلّف أو ابتذال. تعلن خبز على طاولة الخال ميلاد عن ميلاد روائي عربي واعد، لينضم إلى كوكبة الكتاب الشبّان الذين قدّمتهم “البوكر العربية” إلى القارئ العربي، في وطنه الكبير من المحيط إلى الخليج، وفي مهاجر هذا القارئ في شتّى أصقاع المعمورة”.

“خبز على طاولة الخال ميلاد” رواية فريدة من نوعها، وتقع أحداثها في ليبيا. في مجتمع القرية المنغلق، يبحث ميلاد عن تعريف الرجولة المثالي حسبما يراها مجتمعه، يفشل طوال مسار حياته في أن يكون رجلاً بعد محاولات عديدة، فيقرر أن يكون نفسه وأن ينسى هذا التعريف بعد أن يتعرف على حبيبته وزوجته المستقبلية زينب، يعيش أيامه داخل البيت يضطلع بأدوار خصّ المجتمع المرأة بها، فيما تعمل حبيبته على إعالة البيت. يظل ميلاد مُغَيَّبا عن حقيقة سخرية مجتمعه منه حتى يُفشي له ابن عمه ما يحدث حوله. تعيد هذه الرواية مساءلة التصورات الجاهزة لمفهوم “الجندر” وتنتصر للفرد في وجه الأفكار الجماعية القاتلة.

في إعلانه عن الرواية المتوجة، هنأ المبخوت كذلك كتاب القائمة القصيرة على رواياتهم الشيقة التي أثروا بها المدونة العربية، معتبرا بأنهم جميعهم فائزون، قائلا “متأكد من أن رواياتكم الجميلة سيكون لها شأن في قلوب القراء ومدونة السرد العربي”.

وشكر المبخوت هيئة أمناء الجائزة على ما وفروه للجنة التحكيم من حرية مطلقة من خلال مراحل التقييم والتحكيم.

وقال المبخوت “تبين للجنة التحكيم في هذه الدورة أن البارز في جل هذه الأعمال وجود اتجاهين أساسيين يحكمان الرواية العربية اليوم، الاتجاه الأول ينطلق من تخييل الفترات التاريخية، الذي يعكس التنوع العرقي والديني وحتى اللغوي، ويخلق تساؤلا حول الهوية الجماعية، دون أن يخلو ذلك من عمق إنساني، تعرض وجهات نظر المنسيين ليقولوا أوجاع الإنسان وتطلعاتهم. أما الاتجاه الثاني فهو التشوف إلى الحرية الفردية ومساءلة الأنساق الفكرية والإيديلوجية، وتناول وجوه تقييد الحرية الفردية وإهدار كرامة الإنسان في مجتمعات محافظة لكن متوترة، إنه بحث عن هوية شخصية ضمن ديناميكية صراع الفرد”.

ولفت المبخوت إلى أن الروايات الست فائزة إذ تميزت باشتغالها الجاد على موضوعاتها وببحثها الفني عن صيغ في القول السردي لكن كان لزاما اختيار رواية واحدة. مشددا على أن النقاش لم يكن صعبا ولا فيه خلافات بل كان قرار اللجنة بالإجماع.

تنافس قوي

اختيرت رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” من قبل لجنة التحكيم باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين 1 يوليو 2020 و30 يونيو 2021، وجرى اختيارها من بين ست روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الإمارات (لأول مرة)، عُمان، ليبيا، الكويت، مصر، والمغرب.

تنافست على الجائزة هذا العام ست روايات بلغت القائمة القصيرة، وهي إضافة إلى الرواية الفائزة روايات “ماكيت القاهرة” لطارق إمام، و”دلشاد – سيرة الجوع والشبع” لبشرى خلفان، و”يوميات روز” لريم الكمالي، و”الخط الأبيض من الليل” لخالد النصرالله، و”أسير البرتغاليين” لمحسن الوكيلي.

وضمت القائمة القصيرة وفق تصريح الروائي والأكاديمي التونسي شكري المبخوت الذي ترأس لجنة تحكيم الجائزة هذا العام، نخبة من الكُتّاب تتراوح أعمارهم بين 34 و52 عاماً، ينتمون إلى ستّة بلدان. وتعالج رواياتهم قضايا هامة، من بينها الهوية وحرية التعبير وذاكرة المدن والجندرية، وتعطي صوتاً للمهمشين والمقموعين والمنسيين في متون التاريخ.

◙ "خبز على طاولة الخال ميلاد" رواية فريدة من نوعها، وتقع أحداثها في ليبيا. في مجتمع القرية المنغلق ضد الأفراد

وجرى اختيار القائمة القصيرة من قبل لجنة تحكيم مكونة من خمسة أعضاء برئاسة المبخوت، الذي فاز بالجائزة عام 2015 عن روايته “الطلياني”، وعضوية كل من إيمان حميدان، كاتبة لبنانية وعضو الهيئة الإدارية لنادي القلم العالمي؛ وبيان ريحانوفا، أكاديمية ومترجمة بلغارية؛ وعاشور الطويبي، طبيب وشاعر ومترجم من ليبيا؛ وسعدية مفرح شاعرة وناقدة من الكويت. وكل الكتّاب المرشحين في القائمة القصيرة لهذا العام وصلوا إليها لأول مرة.

وممّا جاء في إعلان رئيس اللجنة عن القائمة القصيرة “وجدت اللجنة تنوّعاً لافتاً في الأشكال والموضوعات مداره على الهويّة والحرّيّة. فقد عاد البعض من الروايات  إلى التاريخ والذاكرة ليستكشف اليوميّ ويستنطق عذابات البشر وأحلامهم في بيئات عربيّة مختلفة فصوّرت الروايات مساعي الأفراد المهمّشين أو المقموعين أو المنسيّين في متون التاريخ لصنع مصائرهم وتغيير مساراتهم المسطورة”.

من جانبه، قال ياسر سليمان رئيس مجلس الأمناء “تميزت القائمة القصيرة لهذه الدورة بجرأَة في الانتقاء تنّم عن ذائقة تتماشى مع مسارات الرواية العربية خلال العقد الماضي؛ إذ أنّ الرواية العربية قد أصبحت شكلًا من أشكال التعبير التي تخوض في عوالم تستقرئ الماضي وتستشرف المستقبل بأدوات فنيّة تزداد حرفيّة مع مرور الأيام. وما الهدف من كل ذلك إلّا إمتاع القارئ واستنهاض ما يعشش في عقله الباطن من تساؤلات تعيش حالة من السبات”.

وفي كلمتها ذكّرت منسقة الجائزة فلور مونتانارو بأن الجائزة لا تكتفي بالمكافأة المادية، بل تسعى إلى ترجمة الروايات المتوجة والتي بلغت القائمة القصيرة، مؤكدة أن الجائزة ستترجم تسع روايات من قائماتها القصيرة السابقة هذا العام.

ويحصل كل من المرشّحين الستة في القائمة القصيرة على عشرة آلاف دولار، كما يحصل الفائز بالجائزة على خمسين ألف دولار إضافية. وتضمن الجائزة ترجمة الرواية إلى اللغة الإنجليزية.

12