الليبيون ينتظرون لائحة المتورطين في كارثة درنة ومخاوف من تحصين الكبار وتجريم الصغار

لائحة المعنيين بالتحقيق ستضم وزراء ومسؤولين إداريين وأعضاء في المجالس البلدية بالمدينة المنكوبة، وغيرهم.
السبت 2023/09/23
عملية الإعمار قد تحتاج وقتا طويلا

بنغازي (ليبيا) - تشرئب أعناق الليبيين نحو العاصمة طرابلس حيث مكتب النائب العام الذي ينتظر أن يعلن خلال الأيام القليلة القادمة عن لائحة بأسماء من سيشملهم التحقيق القضائي في ملفات التقصير والإهمال وعلاقتهم بكارثة الفيضانات الأخيرة التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة.

وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن لائحة المعنيين بالتحقيق ستضم وزراء ومسؤولين إداريين وأعضاء في المجالس البلدية بالمدينة المنكوبة، وغيرهم.

 وأضافت أن كل من كان له دور في تعطيل أو تأجيل صيانة السدود منذ عام 2012، سواء في الحكومة المركزية أو في الحكومة الموازية أو في المجلس البلدي المحلي أو في ديوان المحاسبة، ستتم دعوته إلى التحقيق، كما سيتم الاستماع إلى مسؤولين من النظام السابق لتحديد المسؤوليات ومقاضاة من يثبت تورطهم في جرائم الفساد والإهمال والتقصير التي نتج عنها الموت وتهديد السلم الاجتماعي والإضرار بمصالح الدولة.

وأكدت المصادر ذاتها أن أطرافا دولية عبرت عن استعداد حكوماتها للمشاركة في التحقيق شريطة أن تطلب منها السلطات الليبية ذلك، وهو ما استبعدته المصادر حاليا بسبب الخلافات السياسية والعلاقات الاجتماعية الملتبسة والتوازنات القبلية والمناطقية سواء في شرق البلاد أو في غيرها من الجهات.

وكان 26 من وكلاء النيابة العامة شرعوا منذ أيام في التحقيقات الميدانية في درنة، فيما كشف النائب العام الصديق الصور عن الانتهاء من تجميع مفردات الدعوى من العقود والتحاليل المالية والقوائم المالية والاعتمادات وما انتهت إليه أعمال الصيانة وأسباب توقفها في عام 2011 وعدم استئنافها لاحقا، إضافة إلى وقائع تتعلق بهيئة المياه وأخرى تتعلق بلجنة إعمار درنة ومسؤوليات أخرى متعددة، حسب قوله.

محتجون من درنة دعوا النائب العام إلى الإسراع في إعلان نتائج التحقيق في الكارثة التي حلت بمدينتهم

وأكد الصور في مقابلة تلفزيونية أن التحقيقات ستطال مسؤولين وستمتد إلى وقائع تعود إلى 20 عاما، مضيفا أنهم “لا يريدون التسرع، لكنهم يريدون أن تولّد التحقيقات لدى الناس الإحساس بالعدالة وتحقق الردع”.

 وأردف أنه “لو تم اتخاذ التدابير المناسبة خلال السنوات الماضية لما وقعت الكارثة بهذا الحجم”.

وبحسب تصريحات الصور ستعود التحقيقات إلى عام 2003 عندما تم تكليف شركة سويسرية بإجراء دراسة لسدود درنة لصالح وزارة الزراعة الليبية آنذاك، وتقديم مقترحات لإجراء تعديلات تصميمية لحماية السدين من الانهيار. وستشمل قرار تكليف شركة تركية بإجراء الصيانة بداية من عام 2010 قبل أن تضطر إلى التوقف عن العمل ومغادرة المدينة بعد أحداث فبراير 2011.

وبحسب النائب العام ستجر التحقيقات إلى دراسة أوضاع باقي السدود في ليبيا، خاصة وأن هناك عيوبا فنية كبيرة، إضافة إلى البحث في التعديات على مجاري الوديان التي تكون سببا في بعض الكوارث، فضلا عن أنها مخالفة لقانون التخطيط العمراني.

وفي مواجهة أية محاولة لعرقلة التحقيقات طلب الصور من الجهات التنفيذية في كل مناطق ليبيا توفير المناخ المناسب للنيابة العامة وتنفيذ قراراتها لضمان سرعة انتهاء التحقيقات ووصولها إلى المحكمة من أجل محاسبة المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر ولتحقيق الردع العام والخاص للجناة.

وكان محتجون من درنة دعوا النائب العام إلى الإسراع في إعلان نتائج التحقيق في الكارثة التي حلت بمدينتهم واتخاذ كافة الإجراءات القانونية والقضائية ضد كل من تأكد أن له يدا في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي مجرم كائنا من يكون.

كل من كان له دور في تعطيل أو تأجيل صيانة السدود منذ عام 2012 ستتم دعوته إلى التحقيق

وفي خطوة استباقية قررت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب إقالة المجلس البلدي لمدينة درنة، وإحالة أعضائه إلى التحقيق، على خلفية تظاهرات شهدتها المدينة ضد الفساد الذي نتجت عنه كارثة انهيار سدّين في المدينة.

وتتخوف بعض القوى النافذة في شرق البلاد من فتح ملفات الفساد التي رافقت حملة إعادة إعمار درنة وبنغازي عندما قام وزراء ونواب برلمانيون وضباط عسكريون بتأسيس شركات خاصة بهدف الحصول على صفقات مجزية من مشاريع إعادة الإعمار، ولاسيما الصندوق الخاص الذي تم إقراره في 2021 بذمة مالية مستقلة قدرت بـ335 مليون دولار (1.5 مليار دينار ليبي).

ويتحدث الشارع الليبي عن إمكانية الاتجاه نحو تجريم صغار المسؤولين وتقديمهم كأكباش فداء مقابل تحصين كبار المسؤولين، وخاصة ممن لا يزالون في السلطة أو يرتبطون بعلاقات وطيدة مع قيادة الجيش ورئاسة مجلس النواب.

ورجحت أوساط محلية أن تبادر القوى الاجتماعية في درنة والجبل الأخضر بالإعلان عن قرار يقضي برفع الغطاء القبلي عن أي متهم قد يثبت أن له مسؤولية جنائية في كارثة الفيضان.

في المقابل يخشى مراقبون أن يواجه القضاء الليبي ضغوطا تحول دون إتمامه التحقيق في ملف الكارثة، وهو ما جعل مجلس الدولة يطالب بإجراء تحقيق دولي شامل و”إعلان درنة مدينة منكوبة واتخاذ ما يلزم من إجراءات وترتيبات لإصدار قرار دولي بهذا الشأن”.

ويشير المراقبون إلى أن درنة كانت منذ فبراير 2011 حتى صيف 2018 تحت حكم الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش والتي كانت على صلة بحكومات طرابلس، وآخرها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وبالمؤتمر الوطني العام المنتخب في 2012 والذي لا تزال فلوله تشكّل مجلس الدولة، بالإضافة إلى الأطراف الإقليمية الداعمة للإسلام السياسي والتي كانت ترعى سلطات درنة المتشددة.

4