الليبيون في محادثات تونس منقسمون حول الأولويات.. إجراء انتخابات أو إقرار دستور

تونس – طالب مسؤولون ليبيون بضرورة اعتماد دستور قبل الانتخابات المقررة في ديسمبر 2021، دون معارضة إجراء الاقتراع بما يتوافق مع ما أعلنته الأمم المتحدة الخميس.
وجاءت هذه الدعوات فيما لا تزال الخلافات التفصيلية تلقي بظلالها على المؤتمر الليبي المنعقد في تونس، والمتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي وبأحقية المسؤولين الحاليين في ليبيا الترشح للاستحقاق الانتخابي القادم.
وذكر بيان لنواب من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، "نشدد على أن أي حوار لم تكن إحدى نتائجه الاستفتاء على مشروع الدستور مباشرة ويؤدي للولوج إلى مراحل انتقالية أخرى، لن يصل بنا إلى ما تنتظره الأغلبية الساحقة من الليبيين".
وتوصل ممثلون ليبيون عن جميع الجهات مجتمعون تحت رعاية الأمم المتحدة، إلى اتفاق الجمعة حول تنظيم انتخابات في غضون 18 شهرا، في أول نتائج الحوار الذي انطلق الاثنين في تونس لمحاولة إخراج البلاد من أزمتها ومن دائرة العنف المستمرّة منذ نحو 10 سنوات.
وقد ساعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في أكتوبر في تمهيد الطريق أمام مفاوضات جديدة من أجل السلام.
وأقرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، في يوليو 2017، مسودة الدستور الدائم للبلاد بعد ثلاثة أعوام من انتظار الليبيين، ثم طالبت هي والمجتمع الدولي مجلس النواب بسرعة إقرار قانون للاستفتاء الشعبي على المسودة بنعم أو لا، ويعاد تسويق المبادرة الدستورية اليوم في ظل غياب توافق حولها.
وفي مؤتمر صحافي في تونس العاصمة، قال عضو المجلس الأعلى للدولة البشير الهوش "سمعنا أنه تم تحديد موعد للانتخابات في 24 ديسمبر 2021، نحن نرحب بأي مقترح ولكن لا بد لهذه الانتخابات أن تركز على مشروع الدستور".
ويفترض أن تحدد المحادثات القاعدة القانونية التي ستنظم على أساسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، كما ستنظر في أحقية ترشح السياسيين الحاليين للاستحقاق الانتخابي القادم من عدمه.
وهو ما اعتبره مقرر لجنة صياغة مشروع الدستور الليبي، رمضان التويجر، " ذرّا للرماد في العيون" معتبرا أنّ تحديد موعد للانتخابات دون الاتفاق على اعتماد دستور للبلاد وأساس دستوري واضح المعالم هو "تكرارا لسيناريو اتفاق الصخيرات".
وقال التويجري إنه "لو كان لمجلس النواب والدولة القدرة على الاتفاق على أي أساس دستوري لما أطلقت البعثة الأممية منتدى الحوار السياسي".
ويوجد في ليبيا حاليا إعلان دستوري مؤقت أقرّ عام 2011.
ويحذّر مراقبون من أن اللاعبين المحليين والقوى الأجنبية المتدخلة في الأزمة الليبية قد يسعون إلى تخريب أي تسوية لا تخدم مصالحهم، وما يعزز هذه الفرضية امتثال حكومة الوفاق إلى الأجندة التركية التي تستغل خلافات الفرقاء لتوسيع نفوذها في البلد، وظهور التجاذبات حول الدستور في وقت لم تتفق فيه الأطراف المتنازعة بعد على تركيبة الحكومة الجديدة التي ستقود ليبيا إلى برّ الأمان.
من جهته، قال عضو لجنة صياغة مشروع الدستور عبدالمنعم الشريف خلال المؤتمر الصحافي، "نهيب بالجميع عدم المساس بمشروع الدستور المنجز... الاستفتاء هو الفيصل"، مضيفا أن "مشروع الدستور الليبي أصبح ملكا للشعب الليبي وهو الوحيد الذي يحدد موقفه منه عبر الاستفتاء العام".
وبعد سنوات من الفوضى والحرب في البلاد، تغذيها التدخلات الأجنبية، لا يزال كثير من الليبيين يشككون في مساعي تحقيق السلام، وتلقى مسودة الدستور رفضا من جهات ليبية مختلفة تطالب باستبعادها وطرح دستور يضمن حقوق الأقاليم.
وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أعلن في نوفمبر الجاري أنّ "تجمع النخب البرقاوية" أكد رفضه مسودة مشروع الدستور خلال لقاء معه، مطالبين باستبعاد طرحها على الاستفتاء الشعبي حتى يتمكن الليبيون من التوافق على مشروع دستور صحيح يقر حقوق الأقاليم.
وطالب أعضاء تجمع النخب البرقاوية بتثبيت حقوق إقليم برقة في التمثيل السياسي والاقتصادي وحقها في تولي المناصب السيادية والحكومية والوزارات والهيئات الدبلوماسية، موضحين أن الدولة الليبية تأسست على نظام الأقاليم، وهو ما يلقى رفض الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور التي تتمسك بمعارضة أي محاولات لتعديله بما يتوافق مع مطالب جميع الأطراف الليبية.
وعبّر عبدالمنعم الشريف، عضو الهيئة، عن رفضه تعديل مسودة الدستور، وقال إن أي فترة انتقالية لتسليم السلطة في ليبيا لا تنتهي باستفتاء على الدستور هي بمثابة "دفع نحو الحرب وفترة انتقالية أخرى".
وكان رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الجيلاني عبدالسلام ارحومه أكد في خطاب موجه إلى رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، "أنه لا يجوز إجراء أي تعديل لمشروع الدستور من قبل أي جهة كانت بما في ذلك الهيئة التأسيسية نفسها، قبل عرضه على الاستفتاء العام، كونه صار ملكا للشعب الليبي اعتبارا من تاريخ اعتماده من قبل الهيئة بتاريخ 29 يوليو 2017، وله وحده كل الفصل فيه بنعم أو لا".
وانطلقت فعاليات الحوار السياسي الليبي في تونس، الاثنين الماضي، وفق الجدول المعلن مسبقا من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بحضور الرئيس التونسي قيس سعيد، و75 شخصية سياسية ودبلوماسية.
وتهدف المحادثات إلى انتخاب مجلس رئاسي من الأعضاء الثلاثة الممثلين عن الشرق والغرب والجنوب وهي المناطق الكبرى في ليبيا وكذلك انتخاب رئيس حكومة ليشكل فريقا وزاريا يخضع بدوره للتمثيل المناطقي، وفقا لمسودة خارطة الطريق.
ويأتي الملتقى انطلاقا من مخرجات برلين وقرار مجلس الأمن رقم 2510 إضافة إلى التفاهمات السياسية السابقة للوصول إلى تشكيل حكومة ومجلس رئاسي يبسطان سلطتهما على كامل ليبيا لإنهاء حالة الاحتقان.
واختارت الأمم المتحدة الأشخاص المشاركين في الحوار لتمثيل النسيج السياسي والعسكري والاجتماعي للبلاد، في خطوة أثارت انتقادات لعملية التحاور وتشكيكا بمصداقيتها، فيما تعهّد المشاركون في الحوار بعدم المشاركة في الحكومة المرتقبة.