الليبرالية الجديدة كما يراها الغذامي.. التفاوضية الثقافية أساس العيش المشترك

يناقش عبدالله الغذامي في كتابه “الليبرالية الجديدة.. أسئلة في الحرية والتفاوضية الثقافية”، الصادر عن المركز الثقافي العربي- بيروت 2013، سؤال التفاوضية الثقافية مع الحرية والمساواة، وتبعا لذلك نظرية العدالة وما يخص معاني الوسطية والليبرالية، ويشير إلى أن مجيء الربيع الثقافي قدّم معنى مختلفا للثورة يقوم على عنصرين مهمين هما: السلمية والجماهيرية، وعبر هذين المعنيين تحقق للثورة الانتصار في إزاحة المستبدّ.
يرى المؤلف، عبدالله الغذامي، أن ثورات الربيع العربي ستكون بمعناها الجديد ثورات ثقافية وتفتح الأفق للتعدد لأنها لا تحصر المجال بمقولات مسبقة، ولا بنظام مسبق ولا بتصوّر مقنن، وهي ثورة في التغيير ثم فتح الخيارات.
وفي سؤاله الملون: الحرية أو الديمقراطية، يستضيف المؤلف الوقائع الكونية وخاصة في أوروبا بشكل جذري، ويرى أن هناك تماثلا تاما بين الجسد والثقافة، ويسهل علينا ملاحظة حال التغذية الجسدية حيث يتغذى الجسد على مواد غير جسدية، وكذا هي الثقافة في اكتسابها طاقتها وقوتها بما تستمدّه من خارجها لتحوّله إلى خلايا حيوية تبني وجودها وتمدّده، ولكنها لا تمسخ ولا تتحول إليه بمقدار ما يتحوّل إليها.
ويقول إن شرطية التوازن المفاهيمي ستكون بين مصطلحات يزاحم بعضها بعضا في شبكة دلالية تربك الحوار دوما، وذلك بأن مصطلح الحرية سيظل ذا قيمة إشكالية بين معنيي القمع وهو رذيلة ثقافية كبرى، والفردانية وهي معضلة واقعية، ولن تحل هذه التشابكات إلا بنظرية العدالة بركنيها: الحرية والمساواة كما قال بها رولز، وأن مفاهيم الحرية ستظل مفاهيم ثقافية تتحرك عبر سياقات كل بيئة ثقافية واجتماعية، وهذه المسألة تتعلق بنظرية العدالة وتنطلق منها.
|
ويشير إلى بروز مصطلح الوسطية أخيرا بعد أن تراجع مصطلح الصحوة وكأن الصحوة مجرّد تيقظ شعبي عام وأضحت هذه الشعبية بحاجة إلى مصطلح يطوّر مفاهيميتها ويثبت ذهنيتها بمقولة تصنع التصوّر وتقوّيه بوصفه نظرية، خاصة مع نتائج الربيع العربي حيث نجح الإسلاميون في الحصول على أصوات انتخابية قوية مما يمكنهم من تقديم نظريتهم السياسية للتطبيق وللامتحان في الوقت نفسه.
ويرصد المؤلف ظهور مصطلح جديد، خاصة بعد سقوط مبارك المدوّي في مصر أوائل 2011، وهو مصطلح “الدولة الديمقراطية” حسب وثيقة مطروحة من الأزهر، وهذا المصطلح قد جاء ليحل محل شعارين سابقين هما “الإسلام هو الحل” و”الدين لله والوطن للجميع″، وجاء في الجوّ ذاته مصطلح “الدولة المدنية”، وهو مصطلح يكشف عن درجة عميقة من التحوّل بسبب تطورات الأحداث في الربيع العربي.
ويتحدّث عن تحول مصطلح الحرية عبر الاستخدام وعبر متغيّرات الظروف ليكون مصطلحا مخاتلا، فيعني الشيء ونقيضه في آن واحد.
ويساهم المؤلف في تحرير معنى الحرية من الارتباطات الموشومة، ويرى أن هذا التحرير هو الذي سيجعلها طرفا حرا بوصفها ركنا دلاليا يتضافر مع المساواة لقيام معنى كلي هو: العدالة، وإذا سلمنا بشرط المساواة وهو شرط يندر الخلاف حوله، إذ لا يبدي أحد -ولو ظاهريا- رفضه للمساواة، ومنه سنجد أن تعريف الحرية يقترب إلى ما أسماه المؤلف بالمعنى التفاوضي.
كما أنه في التفاوضية الثقافية تقوم أسئلة العيش المشترك والتعددية الثقافية بكل وجوهها وهوامشها، لتكون قيما متبادلة في معاش تفاوضي ،يعطي مفهوم العدالة مجالها للتحقق الواقعي والتبادلي بين أطراف الظرف الواحد مع تعدّد الوجوه.