اللوفر يجمع أعمالا قديمة ومعاصرة لكشف تاريخ الأشياء

"أشياء، قصة طبيعة ساكنة" معرض يحرك العقل والحواس بقسوة.
الخميس 2022/10/13
مناصرة فنية للحيوان

لطالما اهتم الفنانون التشكيليون برسم الأشياء كل من منظوره، في استنطاق لها وتحريرها من صمتها، خاصة تلك الأشياء الميتة أو المقتلعة من تربتها والتي تقول الكثير حتى في موتها وجمودها. لكن النظرة إلى الأشياء تطورت في الفن التشكيلي عبر العصور، وتحولت الأعمال الفنية إلى وثائق فكرية قبل أن تكون منجزات جمالية، وهذا ما يبرزه معرض جديد في متحف اللوفر بباريس.

باريس– افتتح الأربعاء في متحف اللوفر الباريسي معرض فني يمثل نقلة نوعية في تقديم “الطبيعة الساكنة”، من خلال حوار نشط بين تقنيات العصر كالذكاء الاصطناعي، وتاريخ هذا النوع التشكيلي الذي يتناول الأشياء والعناصر المحيطة بالإنسان، وصولاً إلى عصور ما قبل التاريخ.

وتكتسب الأشياء العادية التي صادف أنها كانت تحيط بالفنانين ظلالا شاعرية وأبعادا أخرى قاسية ربما، وفي لوحاتهم حاولوا تحرير تلك الأشياء من الكآبة والموت والجمود، فأظهروها للعيان بطرق متنوعة وكل زاوية نظر تقول فكرة مختلفة، هناك منها الأعمال المتوترة التي فيها شيء من العنف الكامن، وهناك المنسابة في هدوء مخاتل، وهناك أعمال تسعى أكثر إلى نسق لوني وحركي سريع بما يتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي.

تاريخ التعبير

استخراج الحياة من قسوة الموت
استخراج الحياة من قسوة الموت

يحرّك المعرض العقل والحواس، ويبدأ بالمشهد الأخير من فيلم “زابريسكي بوينت” للمخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنتونيوني، حين تبدو منتجات استهلاكية محطمة ومتناثرة تتطاير على الشاشة الكبيرة.

وبمشهد للمخرج نفسه، وبصورة التقطتها عدسة الأميركية نان غولدن خلال أزمة جائحة كوفيد – 19، ينتهي المعرض الذي يحمل عنوان “أشياء، قصة طبيعة ساكنة”.

وبين محطتي المعرض الأولى والأخيرة، مسار يتوزع فيه 170 عملاً، لأسماء كبيرة في تاريخ الفن والمشهد الفني المعاصر. وبوبّت هذه الأعمال في أقسام وفقاً لموضوعها، وتخبر كلها بتاريخ التعبير الفني عن الأشياء، من نتاج الفنانين الأوائل إلى أعمال تنتمي إلى عالم ما بعد الصناعة.

بين محطتي المعرض الأولى والأخيرة، مسار يتوزع فيه 170 عملا لأسماء كبيرة في تاريخ الفن والفن المعاصر

ويضم المعرض نحو 30 تحفة فنية من مجموعات اللوفر نفسه، إلى جانب قطع مُعارة استثنائياً من مجموعات خاصة وعدد من المتاحف، من بينها “أورسيه” الباريسي و”تايت” اللندني ومتحف الفن الحديث (MoMA) في نيويورك و”برادو” في مدريد.

وتفاجئ القاعة الأولى بمحتواها، إذ تجمع في آن واحد أعمالاً للمصريين القدامى وأخرى تعود إلى عصور ما قبل التاريخ جنباً إلى جنب مع لوحة “مادلين آ لا فييوز” لجورج دو لا تور من أربعينات القرن السابع عشر، إضافة إلى بطلة المشهد الأخير من فيلم “ستوكر” للمخرج أندري تاركوفسكي (1979) التي تحرك ذهنياً الأشياء الموضوعة على الطاولة.

وقالت مفوضة المعرض لورانس برتران دورلياك، وهي مؤرخة فنية، “حاولت تجاوز الحدود الزمنية والجغرافية، وسألت نفسي متى ظهر رسم الأشياء. إنه معرض حساس قبل أن يكون تاريخياً. يتحاور الفنانون بعضهم مع بعض عبر الزمان والمكان بلا حدود”. وهذا الحوار يغذي الفضول، وهو إذ يتبع التسلسل الزمني التاريخي، يرفق الأعمال بشروح مخصصة للجمهور الشاب.

وتمثّل لوحة للروماني دانيال سبوري بالأبعاد الثلاثة بقايا وجبة طعام، وتتناسب مع مشهد سينمائي من عام 1920 يبدو فيه الممثل باستر كيتون وهو يغسل الأطباق برش الماء على الحائط.

وتتنوع الأعمال، فتمثل مثلاً سوق السمك وبسطة الجزّار ورسوم الفنانين الهولنديين لقطع النقود إلى جانب أخرى من القرن التاسع عشر أو أعمال معاصرة، ومنها رسوم الفاكهة لماتيس ويان دافيدز دي هيم.

حشرات وذكاء اصطناعي

استنطاق الجمود
استنطاق الجمود

بعدما حجبت المسيحية “الأشياء” في الأعمال الفنية طوال نحو ألف سنة، إذ كانت الشخصيات الدينية تتصدر اللوحات وتجعل هذه الأشياء في الخلفية، أعاد القرن السادس عشر وتطور السوق هذه الأشياء إلى دائرة الضوء، على ما توضح مفوضة المعرض.

من الصدَف إلى المواد الغذائية والزجاج والمعدن والخشب وغيرها، برز هذا النوع خلال القرن الثامن عشر مع جان سيميون شاردان أو بطيخات لويس إيديجيو ميلينديز الموجود على ملصق المعرض.

وتتعايش هذه الأعمال مع حشرات هجينة خيالية ومجموعة أعشاب تفاعلية لميغيل شوفالييه، أنتجها هذه السنة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

ويعالج الكاميروني بارتيليمي توغو موضوع اللاجئين من خلال كومة ضخمة من الحزم المغطاة بالقماش، والمكشوفة تحت هرم متحف اللوفر.

ويسلط المعرض الضوء أيضاً على معاناة الحيوانات، من خلال أعمال زورباران أو غويا أو كوربيه، “اللذين يظهران أصلاً تعاطفاً كبيراً مع مصير الحيوانات التي يريان فيها إنسانية”، بحسب مفوضة المعرض.

تشكيل بسيط وأفكار عميقة
تشكيل بسيط وأفكار عميقة

15