اللواء محمود توفيق صائد الحيتان الإرهابية يبدأ عمله مسلحا بثقة الدولة

القاهرة تملك خبرات كبيرة في اختراق جماعات جهادية داخل مناطق الصراعات بحكم وجود مصريين بينهم والتتبع التاريخي لطريقة التجنيد.
الأحد 2018/07/15
خبير في الحركات الإسلامية وزيرا لداخلية مصر

جهاز الأمن الوطني يعتبر أحد أهم الأذرع الأمنية التي بمجرد أن يسمع المواطن البسيط اسم ضابط صغير فيه، ترتعد فرائصه من الخوف. ويولي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية المصري الجديد، أهمية كبيرة لهذا الجهاز، ليس باعتباره أهم أدوات الشرطة لمنع الجرائم الإرهابية، لكن لأنه أمضى فيه نحو ثلاثين عاما، وينظر له كثيرون على أنه المفتاح السري للمعلومات، ومعرفة خارطة الجماعات الإسلامية داخل مصر وخارجها، عاكساً بذلك صورة رسخت في أذهان قطاع كبير من المصريين.

صورة نمطية ساهمت في رسمها بعض الممارسات الحقيقية، وما قدمته أفلام وأعمال درامية تعرضت لعمل الجهاز منذ أن كان يسمى “القلم السياسي” قبل ثورة يوليو 1952، لأن نشاطه اقتصر على متابعة السياسيين والتلصص عليهم، وهو نشاط لم يبتعد عنه الجهاز، مهما وقع تغيير القادة الذين تناوبوا على رئاسته وتبدلت الأنظمة الحاكمة في مصر.

عندما قامت ثورة 25 يناير 2011، كان من بين أهداف عدد كبير من النشطاء والسياسيين، بعد أن سقط نظام حسني مبارك وضاعت، تقريبا، هيبة الشرطة، اقتحام المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة في شمال القاهرة، كنوع من الانتقام، أو رغبة في العثور على أوراق مدوّن عليها أسماء عملاء الجهاز، وإن أمكن محادثاتهم الهاتفية. وقتها أعلنت أسماء صحافيين وسياسيين ونشطاء، وانتشرت تسريبات لأشخاص قيل أنهم كانوا على علاقة مباشرة بالجهاز، من باب الوشاية وتقديم المعلومات عن زملائهم للضباط.

المثير أن من قادوا عملية الاقتحام كان معظمهم ينتمون إلى التيار الإسلامي بأطيافه، من الإخوان والسلفيين والتكفيريين، أملا في العثور على سجلات يمكن أن تدينهم بالعمالة لجهاز بدا في الظاهر عدوا لهم، بينما في الحقيقة كان البعض منهم عملاء له.

القدرة على التسلل، إحدى علامات التميز التي لازمت الجهاز، ومكنت ضباطه من الإيقاع بعناصر إسلامية كثيرة، قبل أن ترتكب جرائمها. فقد تمت عملية اختراق واسعة لجماعات متطرفة بطريقة ناعمة، أدت إلى إحباط الكثير من العمليات الإرهابية، ظهرت تجلياتها مع الموجة الأولى للعنف في منتصف التسعينات من القرن الماضي.

تمدد عمليات الإرهاب في مصر خلال السنوات التي تلت ثورة 30 يونيو 2013، كان نتيجة طبيعة لمحاولات العبث بجهاز أمن الدولة، الذي أوكل النشاط الديني أهمية فائقة في عهد مبارك، وكان من أهم صمّامات الأمان في الشرطة آنذاك.

بدت ملامح انتقام التيار الديني مع صعود الإخوان للحكم منتصف 2012، ومنحت الجماعة عملية تخريب الجهاز المرعب أهمية، وتولت هندسة خطة تغيير اسمه من مباحث أمن الدولة إلى الأمن الوطني، وانتقمت بطرق مختلفة من عدد كبير من ضباطه، وأجبرت البعض على ترك البلاد، حفاظا على حياتهم، وغالبيتهم ممن عملوا في إدارة مكافحة النشاط الديني، ولديهم خريطة بأسماء الشخصيات الظاهرة والخفية في التيار الإسلامي ووزن كل منها ودورها.

ارتباك الجهاز المرعب

اللواء توفيق يعرف بإشرافه على إدارة النشاط العربي في الأمن الوطني وكانت مهمته إحباط تجنيد الشباب المصري في عمليات إرهابية
اللواء توفيق يعرف بإشرافه على إدارة النشاط العربي في الأمن الوطني وكانت مهمته إحباط تجنيد الشباب المصري في عمليات إرهابية

تلك المسألة تركت هزة مادية ومعنوية أثّرت على عمل ضباط الجهاز، من ناحية قدرتهم على التتبع الدقيق لنشاط الجماعات الإسلامية، بعد عملية هدم منظمة أثّرت على كفاءته، واحتاجت القيادات الأمنية وقتا للإصلاح.

وشهدت المسافة بين التخريب والإصلاح تصاعدا في عمليات العنف بشكل غير مسبوق في مصر، استفادت بالطبع من حمّى الصراعات في المنطقة ورواج سوق التيار الإسلامي وامتداداته الإقليمية.

استغرقت عملية استعادة الجهاز لكفاءته المعتادة في مكافحة النشاط الديني وقتا. وجرى الاعتماد على ضباط لم يبتعدوا عنه طوال مدة خدمتهم. ومنهم اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في الحكومة المصرية الجديدة.

وتمثّلت المسؤولية الرئيسية عند توليه إدارة جهاز الأمن الوطني، في تجديد دماء الجهاز على المستوى المعلوماتي، وإعداد الكوادر وتدريبها وتجهيزها للعمل باحترافية.

هو من مواليد 1961، بمحافظة القاهرة، وتخرّج في كلية الشرطة عام 1982، ومنذ تخرّجه ويعمل بالجهاز. وتدرّج في المناصب حتى تولّى منصب نائب رئيس الجهاز، ثم رئيسه، ولم يبتعد عن ملف مكافحة الإرهاب.

عمل اللواء توفيق في إدارات مختلفة، لكن يظل دوره كمسؤول عن مكافحة التطرف والنشاط الخارجي، هو الأبرز، ما جعله خبيرا في دهاليز الجماعات الإسلامية.

يحتاج متابعة هذا النشاط، إلى شخص مثل اللواء توفيق يتسم بالحرص والتأني في اتخاذ القرارات قبل تنفيذ أي مهمة، ولديه ثبات انفعالي نادر، وقدرة عالية على ضبط النفس في المأموريات الصعبة، وتتوافق هذه السمات مع العقلية الاستخباراتية التي تميز جهاز الأمن الوطني في مواجهة العناصر الإرهابية.

تعزيز أمني ورسمي

قال عنه مقرّبون منه إنه “يحظى بثقة أمنية في دولاب الدولة المصرية الرسمي”، لأنه أشرف على خطط تأمين مؤتمرات كبيرة، نظمتها الحكومة على مدار السنوات الماضية، دون أن يتخلّى عن اهتمامه بمتابعة النشاط الديني.

وأشار هؤلاء إلى أنه تم تكليفه بمهام محددة لإنجازها الفترة المقبلة، بعد أن أصبح وزيرا للداخلية، على رأسها ملاحقة الذيول المتشعبة للخلايا الإرهابية في الخارج، ووضع خطة محكمة لتأمين منطقة سيناء، وإعادة الاستقرار الأمني علي المستوى العام، عقب اتخاذ الحكومة قرارات اقتصادية ترتبط بخفض الدعم المقدّم للمواطنين واحتمال وجود احتقان تستغله جماعة الإخوان، ما يستوجب مواجهة أمنية مبكرة.

وعلمت “العرب” من مصادر أمنية مقربة من اللواء توفيق، أنه كان مشرفا على خطط ملاحقة العناصر الإرهابية التي ارتكبت عددا من العمليات الإرهابية الفترة الماضية، كما كان رئيسا لعمليات ملاحقة الخلايا العنقودية.

بعد تقلده منصب نائب مدير قطاع الأمن الوطني بالقاهرة عام 2011 مثلا، أدار ملف الخلايا الإرهابية، وكشف بعضها قبل أن يتضخم الخطر الذي تحمله، ويمتد العبث لأماكن وأشخاص آخرين.

كان رئيسا لفريق البحث في واقعة محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم في سبتمبر 2013، ونجح في تحديد الجناة وضبطهم.

الإرهاب كعنصر عابر للحدود والقارات ليضفي على فكرة مكافحة الإرهاب بعدا حيويا يتطلب خبرات، تتوافر في شخصية اللواء محمود توفيق
الإرهاب كعنصر عابر للحدود والقارات ليضفي على فكرة مكافحة الإرهاب بعدا حيويا يتطلب خبرات، تتوافر في شخصية اللواء محمود توفيق

في أكتوبر الماضي صدر قرار بترقيته رئيساً لجهاز الأمن الوطني بعد إعفاء رئيسه اللواء محمود شعراوي الذي أصبح وزيرا للتنمية المحلية في الحكومة الجديدة، على خلفية حادث الواحات الإرهابي في الصحراء الغربية، وراح ضحيته 16 من الضباط والجنود، وفقا للرواية الرسمية لوزارة الداخلية، والتي شككت فيها بعض وسائل الإعلام الغربية.

كان الحادث كبيرا ومفاجئا وانطوى على جرأة شديدة للعناصر الإرهابية التي أرادت القيام بعملية تحدث دويا محليا وخارجيا، يوحي بعدم الاستقرار الأمني بمصر، في وقت نجح فيه الجيش والشرطة معا في تكبيد الإرهابيين خسائر باهظة في سيناء، وتصاعدت وتيرة الحديث عن اقتراب موعد اقتلاع جماعات العنف هناك من جذورها.

تعيين محمود توفيق رئيسا لجهاز الأمن الوطني في ذلك الوقت، لم يمثّل مفاجأة لمن كانوا يعرفونه، ويدركون مهاراته في مكافحة الإرهاب، وبالفعل جرى القبض على إرهابيي حادث الواحات بعد فترة قصيرة، وتحرير أحد الضباط من قبضتهم.

بدت مهمة اللواء توفيق الرئيسية، ضرورة تسريع وتيرة عملية إعادة هيكلة الجهاز التي اتخذت أشكالا مختلفة منذ صعود الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكم، الذي يولي هذه العملية اهتماما لسد الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها جماعات العنف، وغلق الأبواب حول إمكانية وجود اختراقات داخل الأجهزة الأمنية، مكّنت جماعة الإخوان من تسهيل عملياتها الإرهابية.

أسندت إلى توفيق مهمة تتبع العناصر الإرهابية المشاركة في عدد من العمليات الإرهابية، وعلى رأسها المتهمون باغتيال المستشار هشام بركات النائب العام المصري في يونيو 2015، ومن اغتالوا العميد عادل رجائي قائد إحدى الفرق المدرعة بالجيش في أكتوبر 2016.

كان اللواء توفيق مشرفا على إدارة النشاط العربي في الجهاز، ومهمته إحباط محاولات تجنيد الشباب المصري للمشاركة في عمليات إرهابية تقع في نطاق المنطقة العربية.

نجح في تفتيت خلايا إرهابية كانت تنطلق من ليبيا وتمكنت من تجنيد عدد كبير من الشباب المصري في الأراضي الليبية، تمهيدا لارتكاب جرائم داخل الأراضي المصرية في وقت مبكر عندما كان العقيد معمر القذافي يحكم ليبيا.

تحصّل على خبرات كبيرة في مجال مكافحة التطرف الديني، وهو ما ينعكس على تصوّراته، بعد أن تبوأ منصب وزير الداخلية، ما يعني أن ملف الإرهاب لن يبارح أولويات الحكومة.

إرهاب الداخل والخارج

هناك نظرتان تسودان بين المتخصصين والخبراء في مجال مكافحة الإرهاب، الأولى ترى أن خط الدفاع الأول يبدأ من داخل الحدود، وعبر تجفيف المنابع الداخلية، وتتبع نشأة ونمو خلايا العنف التي تتغذى على الجماعات الدينية.

والثانية ترجّح كفة بدء المواجهة الصارمة من الخارج، وتستند على كثافة النشاط الذي تقوم به جماعات العنف في دول كثيرة، وزيادة معدلات تسرّب الشباب من بلدانهم إلى مناطق الصراعات وانخراطهم في صفوف جماعات جهادية، تمكّنت من دغدغة مشاعر البعض واستغلت العاطفة الدينية لتجنيد عدد كبير من دول مختلفة، جرى توظيفهم في النزاعات المحتدمة وأصبح فيها التيار الإسلامي رقما مهما في المعادلة المسلحة الراهنة.

كما أن زيادة معدلات الهجرة العكسية لشباب مصريين ساهمت في أهمية التركيز على الخارج، وجاء الإرهاب كعنصر عابر للحدود والقارات ليضفي على فكرة مكافحة الإرهاب بعدا حيويا يتطلب خبرات، تتوافر في اللواء محمود توفيق.

لمصر خبرات كبيرة في اختراق كثير من الجماعات الجهادية داخل مناطق الصراعات، في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، بحكم وجود مصريين بينهم، والتتبع التاريخي لطريقة التجنيد، والأماكن التي وطأتها أقدامهم.

اختراق تنظيم داعش أمر يشهد لمحمود توفيق بتحقيقه في ما كان يعرف بـ”ولاية سيناء” في العريش بشمال سيناء
اختراق تنظيم داعش أمر يشهد لمحمود توفيق بتحقيقه في ما كان يعرف بـ"ولاية سيناء" في العريش بشمال سيناء

اللواء توفيق من القيادات التي تعتقد في أهمية التركيز على الإرهاب القادم من الخارج، وهو ما ظهر في رسائله التي وجهها للمجتمع المصري وقيادات وزارته عقب تولّيه منصبه، فقد شدّد على تفاعل السياسات الأمنية مع الوضع الإقليمي، ما يتطلب دقة تقديرات الموقف والرصد المستمر والحزم للتغلب على ما ينتج عنه من تحديات، وعلى رأسها خطر الإرهاب.

تراكم الخبرات في مجال معيّن يمنح صاحبه مزايا نوعية، ليس فقط لأنه يجعله يتمكّن من القدرة على الفرز والرصد والتفوّق، لكن لأنه يستطيع دراسة الظاهرة من جوانبها المختلفة، خاصة عندما تتعلق المسألة بقضية أمنية، متشعبة ولها روافد متباينة، يصعب حصرها في بعد محدد.

هذا النوع من القضايا، يحتاج إلى تراكم معرفي، اجتماعي ونفسي واقتصادي وسياسي، ناهيك عن الأمني، وإلمام جيّد به. وهو ما ساعد اللواء محمود توفيق، على التفوق في المهام التي أسندت إليه.

بحكم خبرته لخارطة جماعات العنف بمصر، نجح في الوصول إلى العناصر الإرهابية المتورطة في عمليات كثيرة، الأمر الذي جعله بمثابة الذراع اليمني لوزير الداخلية السابق مجدي عبدالغفار في مواجهة الهجمات الإرهابية.

تفكيك معسكرات الإرهابيين

تمكّن اللواء توفيق من اختراق تنظيم داعش أو ما كان يعرف بـ”ولاية سيناء” في العريش بشمال سيناء، ونجح في الحصول على معلومات دقيقة عن أكبر عمليات الإرهاب التي تمّ إحباطها في شمال سيناء، حيث أراد تنظيم داعش السيطرة على منطقة “البرث” في جنوب رفح ورفع علمه عليها في يوليو 2017.

عدم مبارحة اللواء توفيق مكانه في متابعة النشاط الديني، ساعده كثيرا في تقليل عمليات العنف، ولُقّب داخل جهاز الأمن الوطني بـ”صائد الخلايا الإرهابية”، ومكّنته خبراته الطويلة في مكافحة التطرف داخل مصر أو خارجها، أن يمتلك معلومات ساهمت في الوصول لعديد المعسكرات التي كان يتم تجهيزها لاستقبال وتدريب إرهابيين.

من أهم المراكز التي نجح في تفكيكها، معسكر في نطاق الكيلو 11 دائرة مركز شرطة الإسماعيلية، وتم فيها قتل 14 إرهابيا، واقتحام معسكر لحركة “حسم” التابعة لجماعة الإخوان، في منطقة صحراوية بالفيوم، ومقتل 8 من عناصرها، واستهداف مركز بأحد الدروب الصحراوية في محافظة أسيوط، ومقتل 8 من المنتمين إلى الإخوان، ومداهمة معسكر تدريبي في منطقة ههيا بالشرقية، وضبط متفجرات في مزرعة بالمنطقة.

أشرف اللواء توفيق، على تنفيذ اقتحامات عناصر الأمن المركزي وقوات الصاعقة لمعسكرات الإرهابيين في الصحراء الغريبة، وقتل إرهابيين تورطوا في استهداف “أتوبيس” كان يقلّ أقباطا بمحافظة المنيا وتفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية.

مؤهلاته في مجال مكافحة التطرف، جعلته على رأس قادة الفرق الأمنية التي نجحت في تفكيك معسكرات الإرهابيين في الظهير الصحراوي الغربي لمصر.

لذلك وقع عليه الاختيار لتمثيل مصر في محافل دولية مختلفة كانت تناقش ملف الإرهاب وخفاياه. ونال دورات عديدة في تحليل المعلومات ومحاربة الجماعات المتطرفة.

8