اللبناني جورج طنب يبدأ مسيرته من حيث ينتهي محترفو الموسيقى

بيروت - بينما يجتهد الموسيقيون أعواما تلو أخرى مراكمين الخبرات على أمل أن يتمكنوا من خوض غمار التأليف الموسيقي المخصص لفنّ الباليه، يبدأ الموسيقي اللبناني الشاب جورج طنب من حيث ينتهي المحترفون في هذا المجال.
ويضع المؤلف الموسيقي لمساته الأخيرة على كتابة موسيقى عرض “باليه بينوكيو” الإيطالي الإنتاج، تمهيدا لعرضه قريبا في إيطاليا ودول أوروبية وعربية، ليعزز بذلك الموسيقي الشاب الذي تتلمذ على يد فنانين كبار في أوروبا وهوليوود، خطواته نحو العالمية.
ومنذ كتابة الروائي الإيطالي كارلو كولودي سنة 1880، للقصة الخيالية “بينوكيو”، ترجمت لأكثر لغات العالم، وتحولت إلى العشرات من الأفلام، منها ما أنتجته ديزني بالرسوم المتحركة في عام 1940، والتلفزيون الإيطالي في خمس حلقات كل حلقة بمدة ساعة وذلك في عام 1972. وتحولت هذه القصة إلى عروض باليه وعروض موسيقية تجوب العالم.
وتركز أغلب الأعمال الموسيقية على الجوانب المرحة والأحداث المتسارعة والمشاعر المختلطة التي تتضمنها قصة بينوكيو الطفل المصنوع من الخشب والذي يعلم الناس الكثير من القيم بناء على إدراكه لعاقبة الكذب والكذابين.
الفنان غير الإيطالي الوحيد
جورج طنب لم يعمل في مجال الهندسة المدنية، بل فضّل أن يهندس مقطوعاته الموسيقية ويمتهن شغفه القديم
في الأستوديو الذي يملكه في ضواحي بيروت، يُمضي الشاب المتحدر من عائلة فنية عريقة في الموسيقى اللبنانية عزفا وغناء، ساعات كل يوم، يؤلف ويدوّن بقلم الرصاص نوتات مقطوعات متناغمة مع مشاهد العرض المقام بمناسبة احتفالية الذكرى المئة والأربعين لولادة الشخصية التي ابتكرها الكاتب كارلو كولودي وطبعت الأدب الإيطالي.
وسيكون الشاب اللبناني البالغ 29 عاما والذي نال أخيرا جائزة التميز لأفضل موسيقى أصلية عن فيلم “كفى” الوثائقي في مهرجان الأفلام التسجيلية الأميركي “ويذاوت بوردرز”، الفنان غير الإيطالي الوحيد في هذا العمل الذي يُفتتح في سبتمبر المقبل في صالة الأوبرا في مدينة ليتشيه في جنوب إيطاليا، على أن يتنقّل في العالم من كارنيغي هول في نيويورك إلى المملكة العربية السعودية.
ويفتخر طنب بأن “الموسيقي يتوج عادة رصيده الفني بتلحين عرض باليه”، فيما هو ينطلق في بدايات مسيرته بعمل من هذا النوع على المستوى العالمي.
ويشير الموسيقي اللبناني إلى أن هذا العرض الراقص الممتد على 140 دقيقة، يتضمن عشر لوحات مدة كل منها عشر دقائق. وتتميز الموسيقى التي وضعها طنب له وتسجل قريبا بمعهد سانتا تشتشيليا الوطني في روما، بالطابع الرومانسي، ويقول إن فيها نوستالجيا وهي مستوحاة من “روح موسيقى أفلام ديزني”.
ويصفها بأنها “متحركة، كأنها تصور قصة بينوكيو”، و”تحل محل الكلام والخطوات”.
ويشرح طنب أنها موسيقى حديثة لكنّ بنية كتابتها كلاسيكية والأوركسترا ستعزفها مباشرة أثناء العرض الراقص.
ويعكس ديكور الأستوديو البيروتي الخاص بطنب مسار دراسته ومسيرته الفنيتين، إذ يزيّن جدرانه رسم لبيتهوفن ولوحة تجمع المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ ومواطنه الموسيقي جون ويليامز، وصورة صغيرة بالأسود والأبيض للمؤلف الموسيقي الإيطالي الراحل إنيو موريكوني.
ولا ينسى طنب النصيحة التي أسداها له كونراد بوب، موزع موسيقى “ستار وارز” لجون ويليامز “لا تذهب إلى لوس أنجلس لتصبح مؤلف موسيقى أفلام بل أثبت حضورك قبل ذلك في عالم الموسيقى الكلاسيكية في أوروبا، إذ أن عدد المؤلفين الذين يكتبون بطريقة كلاسيكية يتضاءل”. ويضيف “أدركت اليوم قيمة كلامه”.
وتتلمذ طنب على يد كونراد في فيينا، حيث درس التوزيع الأوركسترالي وتقنيات تأليف موسيقى الأفلام، وكان بين أساتذته أيضا موزع ومؤلف موسيقى الجزء الثالث من أفلام “سبايدر مان” كريستوفر يونغ. ثم انتقل إلى لوس أنجلس حيث درس أسس تأليف موسيقى الأفلام ضمن ورشة عمل “هوليوود ميوزيك”.
موسيقيّ بالفطرة

لم يعمل الشاب جورج طنب في مجال الهندسة المدنية التي نال إجازة جامعية فيها، بل فضّل أن يهندس مقطوعاته الموسيقية ويمتهن شغفه القديم.
وفي تصريحات سابقة له، يقول طنب إن الموسيقى والهندسة “يتشابهان في أشياء عديدة. فالأوركسترا هي بناء سيمفونية أساسها الحساب. اخترت الموسيقى، شغفي الكبير”.
ويرى طنب أن الموسيقى تحديدا “لغة إلهية.. أنا أقدّم رسالة. هذا ما قاله بيتهوفن حين كتب إحدى سمفونياته. وإذا أردت أن أصف موسيقاي فأقول إنّها لحن جميل وتركيبة كلاسيكية صلبة”.
فجورج الصغير الذي تأثر بوالده عازف البيانو والمؤلف الموسيقي سمير وعمّاته آمال ورونزا وفاديا اللواتي كنّ جزءا من المشهد الفني المحلي بأصواتهن المميزة ورصانتهن نهاية سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، كان أول تلميذ يلتحق بصفوف المعهد العالي للموسيقى في لبنان (الكونسرفاتوار الوطني) في الرابعة من عمره، مع أن عمر الدخول الرسمي هو سبعة أعوام.
ويتذكر قائلا “لم أكن أقرأ النوتات، بل كنت أحفظ المقطوعات على السمع”.
في البيت، تأثر بالموسيقى الشرقية، وفي الكونسرفاتوار، تنقلت أصابعه على المفاتيح البيض والسود عازفا مقطوعات لكبار الموسيقيين الكلاسيكيين، وبيتهوفن هو الأحب إلى قلبه.
وفي فيينا، بالغا، كتب مقطوعة سمّاها “سيرين فيينا” أو بالعربية “فيينا الهادئة” مدتها ست دقائق، فتحت أمامه أبواب الموسيقى الكلاسيكية.
وبدأت مسيرته العالمية في ميلانو حين أدرج قائد الأوركسترا فرنشيسكو أتاردي “سيرين فيينا” في حفلته الموسيقية في سان ريمو قي إيطاليا وعزفتها الأوركسترا السيمفونية للمدينة، إلى جانب مقطوعات لبيتهوفن وموزار.
وكرر طنب مشاركته في المهرجانات العالمية من ميلانو مرورا بالأردن فباريس، إلى أن التقى واضع كوريغرافيا باليه بينوكيو مصمم الرقص الإيطالي مؤسس فرقة فريدي فرانزوتي الذي طلب منه كتابة ألحان العرض.
ويكشف طنب أن الأميركي من أصل لبناني ماريو قصار الذي أنتج فيلمي “ذي ترمينايتور” و”بايسيك انستينكت”، طلب منه وضع موسيقى لفيلمين تاريخيين قيد الإنتاج بعدما سمع الموسيقى التي ألفها لفيلم “كفى” لديزي جدعون “الذي يوثق حرب لبنان”.
وأمام اللوحات المائية التي تمثل مناظر لبنانية رسمها جده لوالده مارون طنب، يقول المؤلف الشاب “إذا أردت أن أكتب موسيقى مستوحاة من وضع لبنان الحالي، ربما أؤلف تحفة”.