اللبنانيون يستعدون للانتخابات النيابية وسط تحديات أبرزها المال الانتخابي والضغوطات الأمنية

تهدد ظاهرة شراء أصوات الناخبين في لبنان نزاهة الانتخابات النيابية وشفافيتها والمقررة في الخامس عشر من مايو الجاري، إذ يقول مراقبون إن الظاهرة تعتبر أحد أبرز أسباب عدم حدوث التغيير السياسي المنشود وسيطرة القوى السياسية التقليدية على السلطة.
بيروت - يستعد اللبنانيون لخوض الاستحقاق الدستوري واختيار أعضاء جدد للبرلمان وسط عدد من التحديات أبرزها الضغوطات الأمنية، ودور المال الانتخابي في ظل الأزمة المالية والاقتصادية، وانخفاض مستوى الحماسة.
ولفت الرئيس اللبناني ميشال عون، في تصريح على مواقع التّواصل الاجتماعي الأربعاء، إلى أنّ “مع تصاعد منسوب المال الانتخابي أستذكر ما كتبت في العام 1998: تحاشوا أن تنتخبوا المرشّحين لما في جيوبهم فهذا لهم، بل اختاروهم لما في قلوبهم وعقولهم فهذا لكم. اعملوا على إيصال الشّرفاء المتحلّين بإرادة العمل، فالشّرف يحميهم من المذلّات، وإرادة العمل تعطيهم القدرة على التّنفيذ والإنجاز”.
ومن المقرر أن تبدأ العملية الانتخابية في مرحلتها الأولى في السادس من مايو الحالي موعد اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية في الدول العربية، وفي مرحلتها الثانية في الثامن من مايو موعد اقتراع اللبنانيين في باقي الدول. حيث يشارك الناخبون اللبنانيون من غير المقيمين على الأراضي اللبنانية في الانتخابات النيابية في 58 بلدا. أما انتخابات المقيمين فستكون في الخامس عشر من مايو الحالي.
وتوزع 718 مرشّحا للانتخابات على 103 لوائح انتخابية متنافسة. وانخرطت 118 سيدة في 64 لائحة انتخابية من بين اللوائح الـ103. وبلغت نسبة المرشحات من الطوائف المسيحية 58 في المئة من إجمالي المرشحات، مقابل 42 في المئة من الطوائف الإسلامية.
وستجرى الانتخابات النيابية وفق القانون النسبي والصوت التفضيلي، حيث يتوزع الناخبون اللبنانيون وعددهم 3970073 على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائبا جديدا.
وتتميز هذه الانتخابات بحصولها في ظل أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة ترافقت بدايتها مع حراك شعبي طالب بالمعالجة والتغيير. وأفرز أكثر من 200 مجموعة بينها مجموعات حزبية، قرّر عدد منها خوض المعركة الانتخابية المقبلة في لوائح حملت عنوان “التغيير”.
يرتفع "سعر الصوت" كلما اشتدت المنافسة، لاسيما وأن عملية شراء الأصوات هي من الممارسات التقليدية في لبنان
ويلعب المال الانتخابي في انتخابات العام 2022 دورا مؤثرا في ظل الأزمة الحالية، حيث يرتفع “سعر الصوت” كلما اشتدت المنافسة، لاسيما وأن عملية شراء الأصوات هي من الممارسات التقليدية خلال الانتخابات النيابية في لبنان.
ورصدت شركة الدراسات والأبحاث والإحصاءات “الدولية للمعلومات”، في بيان لها في أبريل الماضي، حركة شراء الأصوات في انتخابات 2022، وتبين أن دائرة بيروت الأولى جاءت في المرتبة الأولى، حيث تراوح سعر الصوت ما بين 100 و300 دولار أميركي، وفي المرتبة الثانية حلّت دائرة كسروان – جبيل (في جبل لبنان)، حيث سجل سعر الصوت بين 100 و150 دولارا. ومن المتوقع أن يشهد شراء الأصوات ارتفاعا كبيرا في الأيام المقبلة.
وشهدت الأسابيع الماضية حوادث أمنية تخللها إطلاق نار في عدد من المناطق على خلفية الانتخابات النيابية، وأدت إلى منع أو إعاقة وصول بعض المرشحين إلى الأماكن المحددة لإطلاق حملاتهم الانتخابية، أو إقامة المهرجانات الانتخابية من قبل معارضيهم.
وقال علي سليم، المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، “تواجه عملية الانتخابات تحديات عديدة أولها يأتي في الإطار القانوني، حيث يعطي القانون الانتخابي امتيازا للمرشحين من الصفّ الأول ( كمرشحي الأحزاب السياسية والمنتمين إلى طبقة رجال الأعمال من أصحاب النفوذ السياسي والموارد المالية)، يسمح لهم بتوزيع المساعدات للناس، وهذا ما نعتبره عملية شراء أصوات قبل الانتخابات النيابية، حيث يجري استغلال الوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر به اللبنانيون”.
وأشار سليم إلى أن التحدي الثاني الذي يواجه الانتخابات النيابية هو “الضغوطات التي يتعرض لها بعض المرشحين، من كافة الأطراف، التي تعيق وصولهم إلى الأماكن المحددة لإقامة المهرجانات الانتخابية ومحاولات منعهم بالقوة وترهيبهم من قبل المعارضين”، مشيرا إلى أن “هذه الضغوطات لا تجابه بتدخل مباشر من قبل وزارة الداخلية والبلديات لحماية المرشحين واللوائح، وإنما يتم التغاضي عنها. ومن المتوقع تزايد وتيرة هذه الضغوطات مع اقتراب موعد الانتخابات”.
واعتبر أن التحدي الثالث يكمن في “التكبيل المالي الذي تواجهه هيئة الإشراف على الانتخابات في موضوع مراقبة الإنفاق الانتخابي والظهور الإعلامي للمرشحين، وهي واحدة من المهام الأساسية للهيئة، وذلك بسبب عدم حصولها على الاعتمادات المالية. ولم تصدر قرارات لتنظيم آلية الإنفاق الانتخابي، حيث ينص القانون على فتح حساب مصرفي للحملة الانتخابية لكل مرشح، على أن يقوم المرشح بصرف المال من هذا الحساب. وما يحصل حاليا هو إنفاق انتخابي خارج إطار حساب الحملة الانتخابية”.
ولفت إلى أن “السلطات المحلية (البلديات واتحاد البلديات) تقوم بدعم بعض المرشحين علنا في مخالفة واضحة للقانون الانتخابي، حيث ينص القانون في المادة 77 / الفقرة الثانية، على منع السلطات المحلية من الترويج للمرشحين، وما يحصل حاليا هو أن بعض المرشحين وبعض الأحزاب يقدمون المساعدات للسلطات المحلية التي تقوم بدورها بإصدار بيانات تشكر فيها المرشحين، وهذا مخالف للقانون”.
ورأى أن “الظهور الإعلامي للمرشحين يتم شراؤه، وبالتالي يتم حصر المعركة الإعلامية بين مرشحي الصف الأول على حساب غيرهم من المرشحين، وهذا مخالف للقانون، فيما الظهور الإعلامي للمرشحين يجب أن يكون مجانيا”.
وشدّدت العديد من البرامج الانتخابية للوائح التي حملت عنوان “التغيير” على إعادة الاعتبار لدور الدولة الراعية لكافة المواطنين، وتكريس دولة القانون والمؤسسات وتطبيق الدستور والانتقال من دولة المحاصصة الطائفية إلى الدولة المدنية، وتحصين سلطة القضاء وتحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، وامتلاك الدولة اللبنانية وسلطتها الشرعية قرار السلم والحرب.
من المقرر أن تبدأ العملية الانتخابية في مرحلتها الأولى في السادس من مايو الحالي موعد اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية في الدول العربية
وأما الأحزاب المناهضة للسلطة فشدّدت برامجها الانتخابية على حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق القرارات الدولية، وتحييد لبنان واللبنانيين عن الصراعات والمحاور، وتأكيد اتفاقية الهدنة ووثيقة الوفاق الوطني وتطبيق اللامركزية الموسعة، بينما شدّد “حزب الله” على أهمية حماية المقاومة.
وطرحت الأحزاب والقوى السياسية وقوى المجتمع المدني شعارات انتخابية لشدّ جمهور الناخبين. وحملت شعارات 2022 طابع التحدي والتحذير والقدرة والإصرار على البقاء والتغيير نحو الأفضل واتهام الآخرين بالعجز والفشل.
ورغم اقتراب موعد الانتخابات النيابية يحذّر البعض من انخفاض مستوى الحماسة الشعبية في بعض المناطق لخوض الاستحقاق الانتخابي، بفعل انهيار ثقة الكثير من اللبنانيين في مرشحي الأحزاب السياسية التي حمّلوها مسؤولية الفشل، والتسبب في الأزمة الاقتصادية وما نتج عنها من إفقار أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين، وعدم ثقتهم في مرشحي المجتمع المدني.
وانتشرت على الطرقات لافتات تحمل صور بعض المرشحين في الدوائر التي يخوضون فيها معركتهم الانتخابية، وأخرى تحمل الشعارات الانتخابية.
وركّزت الحملات الانتخابية كافة في الأسابيع الماضية على الدعوة إلى المشاركة الكثيفة في الاستحقاق الانتخابي، وارتفعت نبرة الخطابات الانتخابية التي لم تخل من التشنج السياسي.
وبالرغم من تأكيدات المسؤولين في لبنان على استكمال التحضيرات اللوجستية والأمنية لإجراء العملية الانتخابية، إلا أن العديد من المواطنين لا يزالون يشككون في إمكانية تجديد السلطة التشريعية في ظل التحديات القائمة.