اللامركزية وصفة يتمسك بها الأكراد وترفضها دمشق

دمشق - تتمسك الإدارة الذاتية الكردية باللامركزية كوصفة “مثالية” لحكم سوريا الجديدة، وهو ما تعارضه دمشق بشدة، في موقف يربطه الكثيرون بتركيا التي لديها حساسية مفرطة حيال منح أيّ صلاحيات للأكراد في سوريا.
ويثير الخلاف حول اللامركزية مخاوف من انهيار ما تم بناؤه من توافقات حتى الآن بين الأكراد ودمشق، وآخرها الاتفاق الجزئي في محافظة حلب شمال غرب سوريا، والذي يندرج ضمن تفاهم لم يرق إلى اتفاق شامل كان وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في مارس الماضي.
وقالت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد مؤخرا إن الأكراد يرفضون الحكم المركزي في سوريا.
وأضافت خلال مقابلة مع قناة “كردستان 24” الكردية أن مطالب الأطراف السياسية الكردية تتمثل بالاعتراف بالأكراد كمكون أساسي في المجتمع، ومنحهم حق التعليم باللغة الأم، وممارسة العمل السياسي داخل سوريا.
وطالبت القيادية في الإدارة الذاتية بأن تكون المرأة فاعلة بجميع المراكز السياسية وعمليات اتخاذ القرار، وضمان ذلك في الدستور.
وحول تمسّك “الإدارة الذاتية” وأطراف كردية أخرى بمفهوم الحكم اللامركزي في سوريا قالت أحمد “يمكنكم أن تسمّوها بأيّ شكل، سواء كانت فيدرالية أو كونفيدرالية، لا مانع لدينا، ولكن يجب أن تكون الدولة لامركزية، ويجب أن يكون هناك حكم إقليمي موجود فيها.”
ولفتت إلى أن وساطة قائمة للمفاوضات مع دمشق، وهناك محادثات مستمرة، لكن “سنكون مصرّين على موقفنا، وإذا تم فرض نظام مركزي علينا، فسنرفضه.”
واللامركزية هي إحدى النظم الديمقراطية، تقوم على توزيع السلطة والصلاحيات بعيدا عن مركز واحد (مثل الحكومة المركزية) وتفويضها إلى وحدات فرعية أو مستويات حكومية أدنى.
ولا تعتبر اللامركزية مفهوما طارئا على سوريا، فمع اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 وخروج عدة مدن ومناطق عن سيطرة حكومة الرئيس السابق بشار الأسد، تشكلت لجان مدنية ومجالس محلية لإدارة تلك الأنحاء، في ظل الفراغ الأمني والخدماتي آنذاك.
ومع طول أمد الصراع تطورت آليات الحكم المحلي في سوريا، وشكل الأكراد في شمال وشرق البلاد إدارة ذاتية تولت تسيير الأمور هناك أمنيا وإداريا وخدماتيا وثقافيا واقتصاديا، كما تشكلت في شمال غرب سوريا حكومتان، الأولى تابعة لائتلاف قوى الثورة والمعارضة، والثانية حكومة الإنقاذ وهي تابعة لهيئة تحرير الشام، قبل أن يجري تفكيكهما بعد نجاح الأخيرة في ديسمبر الماضي في الإطاحة بالأسد، والصعود إلى سدة الحكم.
كما برز شكل من أشكال الحكم المحلي أيضا في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، من خلال لجان شعبية. وقد أثبتت هذه التجارب في الحكم المحلي فعاليتها وإن بنسب متفاوتة، وأظهرت قدرة لدى السوريين في إدارة وتنظيم شؤونهم بعيدا عن المركز (دمشق).
ويقول مؤيدون للنظام اللامركزي في سوريا إن تلك التجارب تشكل ردا على الفزاعة التي يثيرها المعارضون للفكرة بأنها قد تغذي النزعات الانفصالية وتقود البلاد إلى سيناريوهات التشظي والتفتيت.
ويشير هؤلاء إلى أن اللامركزية تشكل حاليا الوصفة الأمثل لإدارة الدولة السورية، في ظل حالة الضعف التي تعاني منها المؤسسات المركزية ومحدودية انتشارها جغرافيا، نتيجة الحرب المدمرة التي شهدتها البلاد، معتبرين أن السلطة السياسية الحالية تدرك ذلك، لكنها ترفض الإقرار بالأمر خشية إثارة غضب تركيا.
وتنظر تركيا إلى أي شكل من أشكال اللامركزية في سوريا على أنه تهديد لأمنها القومي، من منطلق أن هذا الحكم قد يغذي الطموحات الانفصالية للأكراد في سوريا وأيضا لديها.
وصرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الذي عقد في وقت سابق من أبريل الجاري، بأن تركيا لن تتسامح مع أيّ هيكل فيدرالي في سوريا، وأن أيّ تشكيل مسلح خارج إطار الجيش السوري الوطني لن يُسمح به.
وأوضح إبراهيم خولاني، باحث مساعد في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا” أن تصريحات فيدان تعكس “موقفا إستراتيجيا واضحا من أنقرة لرسم خطوط حمراء في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد.”
ولفت خولاني إلى أن “تركيا تعتبر أيّ خطوة لإقامة كيان فيدرالي، خاصة من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تهديدا مباشرا لأمنها القومي بسبب الارتباط الوثيق بين قسد وحزب العمال الكردستاني.”
إصرار الجانب الكردي على اللامركزية في مقابل تشبث تركيا بموقفها قد يقود إلى إجهاض الاتفاق والدخول في صدام
وأشار إلى أن “أنقرة تسعى من خلال هذه التصريحات إلى ترسيخ دورها كضامن أساسي لوحدة الأراضي السورية، وفرض نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أيّ ترتيبات سياسية أو أمنية تخص مستقبل سوريا، خاصة في شمالها.”
ولفت حوراني إلى أن هذه التصريحات تحمل “رسالة تحذير مبطنة بأن تركيا لن تسمح بفرض أمر واقع على حدودها الجنوبية، سواء عبر دعم كيان كردي مستقل أو تجاهل المخاوف الأمنية التركية.”
وأكدت الإدارة الذاتية مرارا أن لا رغبة لديها في الانفصال عن سوريا، وأن طموحها ينحصر في حكم لامركزي، تسوده العدالة، وتتشارك فيه جميع المكونات السورية في صنع القرار، بعد تجربة طويلة ومريرة مع النظام المركزي.
وقالت إلهام أحمد إن “النظام الاتحادي هو المدخل لتسوية سياسية دائمة في سوريا، يُنهي مركزية القرار، ويمنح المجتمعات المحلية أدوات حقيقية في إدارة شؤونها.”
ولفتت الرئيسة المشتركة في الإدارة الذاتية إلى هناك تحضيرات لـ”مؤتمر كردي موحد، وقد اتفقت الأطراف في شمال شرقي سوريا على العديد من الأمور،” مشيرة إلى أن المحادثات “وصلت إلى المراحل الأخيرة.”
وفي العاشر من مارس الماضي، اتفقت قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية مع السلطة السورية على دمج المؤسسات العسكرية بـ”قسد”، والمدنية (الإدارة الذاتية) بالوزارات السورية، لكن لم يتم تحديد شكل هذا الدمج، حيث ترك الأمر للجان مختصة للتفاهم حول التفاصيل.
ويعتقد متابعون أن إصرار الجانب الكردي على اللامركزية في مقابل تشبث تركيا بموقفها وحيث لا تستطيع دمشق معارضتها، قد يقود إلى إجهاض الاتفاق، والدخول في صدام.