اللامركزية شعار موسمي يرفع مع كل استحقاق بلدي في لبنان

بيروت- تعالت أصوات القوى السياسية في لبنان في الأيام الأخيرة، مطالبة بتطبيق اللامركزية الإدارية، في حملة ربطها متابعون باقتراب موعد الانتخابات البلدية والاختيارية، المقرر انطلاقها في مايو المقبل.
ويقول المتابعون إنه مع كل استحقاق انتخابي تطل دعوات في لبنان لتطبيق اللامركزية، لكنها سرعان ما تخفت بمجرد انتهاء الاستحقاق، حتى أنه يمكن القول إنه مجرد شعار موسمي.
واللامركزية الإدارية هي نظام يعتمد على توزيع السلطة الإدارية واتخاذ القرارات على مستوى محلي، بدلا من حصرها بيد المركز.

سامي الجميل: اللامركزية القائمة حاليا غير كافية لتحقيق إنماء متوازن
ويساهم نظام اللامركزية في زيادة مشاركة المجتمعات المحلية في صنع القرار وإدارة شؤونها، بما يعزز الشفافية والمسؤولية، ويلعب هذا النظام دورا في توجيه الجهود نحو تحسين البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين بشكل أفضل.
وتعود المطالبة باللامركزية الإدارية إلى اتفاق الطائف الذي أقر في بداية تسعينات القرن الماضي، لكن لم تتوفر الإرادة السياسية لتفعيلها، لأسباب مختلفة، من بينها توجس البعض من هذا النموذج في الإدارة.
وكانت آخر محاولة لإقرار قانون اللامركزية في لبنان في عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2012، حينما تم تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الإدارية برئاسة وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود.
وعقدت العشرات من جلسات العمل آنذاك في قصر الرئاسة بعبدا تم خلالها التوصل إلى مشروع قانون أحيل على مجلس النواب، ليبقى المشروع مركونا على الرف إلى حد اليوم.
ودعا رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل مؤخرا مجلس النواب إلى تحمل مسؤولياته لإقرار قانون اللامركزية، معتبرًا أن لبنان أمام فرصة تاريخية لتحقيق إصلاح فعلي.
وأوضح الجميل خلال افتتاح المؤتمر التشاركي الثالث لـ”التجدد للوطن” بعنوان “اللامركزية: آن الأوان”، أن إقرار القانون سينقل المنافسة من صراع طائفي على السلطة المركزية إلى منافسة إنمائية داخل كل منطقة لتحسين حياة الناس.
وأشار الجميّل إلى أن اللجنة الفرعية عقدت 76 جلسة عمل وأقرت غالبية مواد القانون بموافقة مختلف الأطراف، ولا ينقص لإقراره سوى الإرادة السياسية.
وأكد أن اللامركزية تقتضي إنشاء مجالس محلية منتخبة تتمتع باستقلالية إدارية ومالية، لافتا إلى أن الكتائب قدمت مشروع قانون للبلديات في 2010، أعقبه إعداد قانون للامركزية بالتعاون مع لجنة شكلها الرئيس ميشال سليمان.
واعتبر رئيس حزب الكتائب (ماروني) أن اللامركزية البلدية القائمة حالياً غير كافية لتحقيق إنماء مناطقي متوازن، مشددًا على ضرورة توزيع الضرائب بشكل يضمن دعم المناطق الأقل نموًا وتعزيز التنمية في جميع المناطق اللبنانية.
من جهته قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط إن “اللامركزية الإدارية ضرورة وطنية مُلِحَّة. هي واحدة من الوسائل الأساسية لتحقيق إنماءٍ متوازن يُنهي التمييز بين المناطق. إنها السبيلُ لتحرير المُواطن من البيروقراطية، ولإعادة الثقة بينه وبين الدولة، عبر تمكين البلديات والاتحادات المحلية والمؤسسات من إدارةِ شؤونها الإنمائية والخدماتية، ضِمْنَ أُطُر شفافة، خاضعة للمُحاسبة.”

تيمور جنبلاط: اللامركزية السبيل لتحرير المواطن من البيروقراطية
ولفت جنبلاط إلى أن “اتفاق الطائف أقَرّ هذا المبدأ بوضوح، وأنه آن الأوان لتطبيقه بِلا تأخير ولا تحريف. وعندما نتحدث عن اللامركزية فهي بالطبع لا تعني التقسيم بأي شكل من أشكاله. فهذا التقسيم رفضناه ولا نزال نرفضه لأسباب جوهرية أبرزها العامل المذهبي والطائفي. اللامركزية الإدارية التي نُنادي بها تُعَزِّز الوحدة لأنها تَرْدُم الهُوَّة بين المركز والأطراف وتُشرِك الجميع في القرار الوطني.”
ويرى مراقبون أن المشكلة الأساسية التي حالت على مدى عقود دون السير في تطبيق اللامركزية في لبنان هي غياب الإرادة السياسية في ظل هواجس التقسيم، لكن اليوم الوضع يبدو مختلفا في ظل عهد جديد يرفع شعار الإصلاح.
ويشير المراقبون إلى أن هناك قناعة لدى قادة العهد الجديد بأن تفعيل اللامركزية الإدارية أمر ملح ويخدم جهود الإصلاح التي تعهدوا بالمضي فيها، لكن الأمر لا يخلو من بعض التعقيدات منها مسألة توفير التمويلات اللازمة للسلطات المحلية في ظل الأزمة المالية التي يتخبط فيها لبنان، ولا يجد حتى الآن السبيل لمعالجتها.
ومن بين التحديات الأخرى أن توزيع السلطة في لبنان يستند بالأساس على نظام طائفي، وبالتالي هناك حاجة إلى إحداث نوع من التوازن بين النظامين.
وأكد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام أن الانتخابات البلدية والاختيارية ستتم في موعدها المحدد، مشيرا إلى أن الانتخابات تمثل خطوة نحو اللامركزية الإدارية الموسّعة لاستكمال ما تبقّى من بنود اتفاق الطائف.
وقد جاء كلام سلام خلال إطلاق غرفة العمليات المركزية الخاصة بالانتخابات البلدية والاختيارية الاثنين في وزارة الداخلية والبلديات وبحضور الوزير أحمد الحجار في قاعة اللواء الشهيد وسام الحسن.
وأضاف سلام “لقد وعدنا بأن الانتخابات ستُجرى في موعدها المحدد، وهي استحقاق دستوري وديمقراطي، وقد وفّينا بهذا الوعد. بعد الجولة التي قمت بها، تأكّدت من جاهزية وزارة الداخلية لتنظيم العملية الانتخابية.” وأشاد بالتدابير الأمنية واللوجستية التي تم اتخاذها لضمان أمن سير الاستحقاق، مؤكداً أن “هذه الخطوة تعزز العملية الديمقراطية في لبنان.”
ودعا رئيس الحكومة الشباب اللبنانيين إلى الترشح والمشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية، معتبراً أن هذه فرصة لهم للتأثير في الحياة السياسية.
وأشار سلام إلى أن “الانتخابات البلدية هي بداية لتحقيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، وقد تعهدنا في البيان الوزاري باستكمال تطبيق ما لم يُنفذ في اتفاق الطائف.” وأضاف أن الحكومة ستعكف بعد الانتخابات على دراسة مشاريع مختلفة تهدف إلى تعزيز دور البلديات وتحقيق اللامركزية في إدارة شؤون المواطنين.”