اللافي يواجه المنفي في صراع على شرعية المجلس الرئاسي الليبي

اللافي يؤكد أن المنفي لا يملك اتخاذ قرارات أحادية أن صفة القائد الأعلى للجيش تسند للمجلس مجتمعا، ردا على قراره بالاتفاق مع الدبيبة بتشكيل لجنة أمنية.
الخميس 2025/06/05
تحالف يهدد مستقبل المجلس الرئاسي

طرابلس – تشهد الساحة الليبية حاليا توترا سياسيا وأمنيا متصاعدا، تتجلى أبرز ملامحه في انقسام حاد داخل المجلس الرئاسي الليبي، مدفوعا بما يعتبره البعض احتكارا للقرار من قبل رئيس المجلس، محمد المنفي، بالاتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة.

ويُنظر إلى هذا التحالف على أنه محاولة لاحتكار القرار، خاصّة وأن قرارات المنفي الأخيرة صدرت دون التشاور والتنسيق مع عضوي المجلس الرئاسي الآخرين، عبدالله اللافي ومحمد الكوني، مما يهدد بتقويض أساس المجلس الرئاسي ووحدته.

يثير التحالف المتنامي بين المنفي والدبيبة تساؤلات جدية حول مستقبل المجلس الرئاسي نفسه. ففي ظل احتكارهما لعملية صنع القرار، خاصة فيما يتعلق بالملفات الأمنية والعسكرية، يجد المجلس الرئاسي نفسه أمام تحدٍ وجودي يهدد بتقويض دوره وصلاحياته.

هذا التقارب، الذي يتجلى في إصدار قرارات أحادية دون توافق أعضاء المجلس، لا يثير فقط حفيظة المكونات الأخرى داخل المجلس، بل يفتح الباب أمام اتهامات بتجاوز الصلاحيات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي.

فبعد ساعات من إصدار المنفي الأربعاء قرارا بتشكيل لجنة ترتيبات أمنية وعسكرية مؤقتة في طرابلس، عقب إعلان الدبيبة الاتفاق بين الطرفين على ترتيبات أمنية وعسكرية في العاصمة، أكد اللافي، ممثلًا عن المنطقة الغربية، في بيان نشره على صفحته الرسمية على فيسبوك، أن المنفي "لا يملك صلاحيات اتخاذ قرارات أحادية". يُعد هذا التصريح مؤشرًا واضحًا على الخلاف العميق داخل المجلس.

كما شكك اللافي في وصف حكومة الدبيبة للمنفي بصفته "القائد الأعلى للجيش الليبي"، معتبرًا أن هذا الوصف "ادعاء يخالف نصوص الاتفاق السياسي"، وأن هذه الصفة "تُسند إلى المجلس الرئاسي مجتمعا ولا يجوز لأي من أعضائه بمن فيهم رئيس المجلس، أن ينفرد بادعائها أو التصرف بموجبها".

وأوضح اللافي أن صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي تقتصر على تمثيل القرار السياسي للمجلس في المحافل الخارجية وترؤس جلساته، ولا تشمل "اتخاذ قرارات أحادية، لا سيما تلك التي تمس الأمن الوطني أو تُعيد تشكيل المشهد العسكري في العاصمة وهي ملفات ذات طابع سيادي لا تُدار إلا بتوافق داخلي واضح وصريح".

ويزداد الموقف تعقيدا مع تأكيد اللافي أن المنفي، بصفته ممثلًا للمنطقة الشرقية (برقة) في تركيبة المجلس، لا يملك صلاحية اتخاذ قرارات تتعلق بالمنطقة الغربية، وأن أي إجراء يخص هذه الجغرافيا يجب أن يتم بالتنسيق معه لا أن يفرض كأمر واقع دون تشاور أو توافق، وهو ما نرفضه شكلا ومضمونًا.

وأشار إلى أن التركيبة الثلاثية الحالية للمجلس الرئاسي "جرت وفق منطق التوازن بين الأقاليم الجغرافية الثلاثة، لضمان عدم تدخل أي طرف في شؤون الآخر دون توافق وتحديدا في المسائل المرتبطة بصفة القائد الأعلى للجيش الليبي، التي يفترض أن تُمارس بنهج جماعي يراعي الخصوصيات الجغرافية والسياسية، لا بأسلوب التفرد أو التنازع على الاختصاص".

ومع تصاعد الدعوات المطالبة برحيل الدبيبة وحكومته، يصبح المنفي في موقف حرج، حيث يُنظر إلى استمرار هذا التحالف على أنه محاولة للحفاظ على وضع قائم قد يؤدي في النهاية إلى تآكل شرعية المجلس الرئاسي ودوره ككيان جامع وموحد للدولة الليبية.

ولم تكن انتقادات عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي لقرارات رئيس المجلس محمد المنفي هي الأولى من نوعها، بل تأتي ضمن سلسلة من الخلافات المتكررة التي شهدها المجلس منذ تشكيله.

وقال اللافي إن الإجراء الصادر عن المنفي جاء في وقت كان العمل جاريا لـ"تطوير صلاحيات اللجنة المشتركة المنبثقة عن اتفاق وقف إطلاق النار، بهدف توسيع دورها في ضبط الأوضاع الميدانية وتأمين مسار التهدئة، بالتنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين، وبمنهجية تراكمية بعيدة عن الاستعراض أو التصعيد".

وحذر اللافي من أن الإجراءات الأحادية الصادرة عن المنفي "لا تقوض التوجه نحو تطوير صلاحيات اللجنة المشتركة المنبثقة عن اتفاق وقف إطلاق النار فحسب، بل تُعطي مؤشرات خاطئة قد تُتخذ ذريعة لإعادة الاصطفاف الميداني، أو توظف كغطاء سياسي لمواجهات جديدة".

وحمّل اللافي رئيسي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها "المسؤولية الكاملة عن التداعيات التي قد تترتب على هذه الخطوات الأحادية، والتي من شأنها أن تفاقم التوتر داخل المنطقة الغربية، وتُقوّض مساعي الاستقرار وبناء الثقة بين المؤسسات".

ودعا في ختام بيانه، إلى "الالتزام الصارم بالآليات التوافقية والتمثيلية داخل المجلس الرئاسي، واحترام مبدأ عدم الانفراد بالقرار، وتجنب توظيف المناصب في مسارات قد تُفسر على أنها إقصائية أو انتقائية أو منحازة".

هذه الانتقادات المتكررة تسلط الضوء على تحديات التوافق والعمل الجماعي التي يواجهها المجلس الرئاسي، وتؤكد أن الخلافات ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي سمة متجذرة في تركيبته وعمله، مما يضعف من قدرته على أداء دوره الموحد للدولة الليبية.

والصلاحيات التي يمارسها المنفي اليوم كرئيس للمجلس الرئاسي، والتي يراها البعض تتجاوز الأطر المتفق عليها، تعود إلى طريقة وصوله للمنصب ذاتها. فقد وصل المنفي إلى سدة المجلس الرئاسي ليس بصفته قائدا عسكريا أو زعيما سياسيا ذو قاعدة شعبية واسعة، بل كجزء من لائحة موحدة تم تقديمها إلى ملتقى الحوار السياسي في اجتماع جنيف أوائل فبراير 2021.

وكان المنفي حينها يتولى وظيفة سفير لحكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فايز السراج في أثينا، وهو ما يشير إلى أن صعوده لم يكن نتيجة مسار سياسي تقليدي، وغالبا يذكر الدبيبة، المنفي بذلك، مؤكدًا أن وصوله إلى منصب رئيس المجلس الرئاسي ما كان ليتحقق لولا تلك الخطوة التي أدارها آنذاك عميد الأسرة الحاج علي الدبيبة من إسطنبول.

واستند قرار المنفي الأخير بتشكيل لجنة ترتيبات أمنية وعسكرية مؤقتة في طرابلس، إلى ما عرضه رئيس حكومة الوحدة وما تقتضيه متطلبات المرحلة من إجراءات لترسيخ الأمن والاستقرار والمصلحة العامة.

وتهدف اللجنة المشكلة، برئاسة رئيس المجلس الرئاسي أو من ينوب عنه، وعضوية ممثلين عن وزارتي الداخلية والدفاع، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والمنطقة العسكرية الساحل الغربي، إلى إعداد وتنفيذ خطة شاملة للترتيبات الأمنية والعسكرية في العاصمة.

وتشمل الخطة إخلاء المدينة من كل المظاهر المسلحة، وتمكين الجهات النظامية الشرطية والعسكرية من أداء مهامها، وتعزيز سلطة الدولة وترسيخ الأمن والاستقرار وتكريس سيادة القانون. يستهدف القرار المجموعات المسلحة غير التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، والتي تنتشر وتسيطر على مواقع حساسة ومؤسسات الدولة في طرابلس.

ورحبّت وزارتا الدفاع والداخلية، في بيان مساء الأربعاء، بالاتفاق المشترك بين حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي، وأعلنتا التزامهما الكامل بتنفيذ خطة إخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، وتمكين القوات النظامية من أداء واجبها في حماية المواطنين، وفرض النظام العام، وإنهاء أي تمركزات خارجة عن مؤسسات الدولة الرسمية.

وتأتي هذه التطورات في ظل أجواء أمنية وسياسية متوترة تشهدها العاصمة طرابلس. فمنذ 12 مايو الماضي، شهدت المدينة مواجهات عنيفة بين اللواء "444" و"جهاز الردع" في أعقاب مقتل قائد ما كان يسمى "جهاز دعم الاستقرار" عبدالغني الككلي.

ورغم عودة الهدوء النسبي، إلا أن قرار المنفي بتجميد قرارات الدبيبة "ذات الطابع العسكري أو الأمني في إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية أو تكليف أشخاص بمهام عسكرية أو أمنية" يعكس عمق الأزمة والثقة المتصدعة بين الأطراف.

ويبدو أن محمد المنفي يجد نفسه في مأزق حقيقي، حيث يرى مراقبون أن سقوط حكومة الدبيبة قد يعني سقوط المنفي نفسه، خاصة مع تواتر الدعوات المطالبة برحيل الدبيبة وحكومته. هذه العلاقة المتشابكة بين المنفي والدبيبة وتداعياتها على المشهد السياسي والأمني في ليبيا، تجعل من صياغة مستقبل البلاد تحديا كبيرًا، وتزيد من الضغوط على جميع الأطراف للتوصل إلى حلول توافقية تخرج البلاد من هذه الأزمة.

وهذا الانقسام المستمر داخل المجلس الرئاسي الليبي، يحمل في طياته تداعيات وخيمة على استقرار ليبيا ومستقبل عمليتها السياسية، فغياب التوافق واحتكار القرار يُقوضان أي جهد لبناء مؤسسات دولة موحدة وذات سيادة، ويُغذيان أجواء عدم الثقة التي تُمهد لعودة الصراعات المسلحة.

كما أن الاستمرار في إصدار قرارات أحادية الجانب يُفقد المجلس الرئاسي شرعيته ودوره كجهة جامعة، ويُرسخ منطق المحاصصة والتحالفات الضيقة على حساب المصلحة الوطنية. وهذا الوضع لا يُعيق فقط مسار المصالحة الوطنية ووضع دستور دائم وإجراء الانتخابات، بل يُبقي البلاد رهينة لتقلبات سياسية وأمنية لا تنتهي، مما يُهدد بتقسيم ليبيا ويُعقّد أي مسعى لتحقيق استقرار دائم.