الكينا شجرة تنضح معاني على أيدي النحاتين السوريين

صحيح أن الشجر يموت حين يقطع، فيغيب عنا جماله وينتهي دوره البيئي، لكن مع النحاتين السوريين الذين التقوا في قرية عيون الوادي في حمص اختلف الأمر ليجعلوا من شجرة الكينا منحوتات فنية تحمل أفكارا ومعاني إنسانية.
حمص (سوريا) - من عيون الوادي بريف حمص الغربي أطلق الشجر أنينه للرياح فسمعه النحاتون ولبوا النداء من أنحاء سوريا إلى القرية ذات الطبيعة النضرة ليباشروا رحلة الإبداع ضمن ملتقى سيلينا الرابع المخصص للنحت على الخشب تحت عنوان “أنين الشجر”.
الملتقى احتضن خلال عشرة أيام 16 نحاتا استطاعوا أن يعيدوا صباغة الخشب ويطوعوا الكينا بين أيديهم ليستسلم أمام مطارقهم وأزاميلهم ويتحول إلى تحف فنية متفردة.
وقال الفنان التشكيلي نسيم الريس من منظمي الملتقى في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا) إن الفعالية تستمد خصوصيتها من كونها إنجازاً فنياً مهماً يعتبر الأضخم لعدد المشاركين، حيث يترك كل واحد منهم بصمته على شجرة الكينا.
النحات غاندي خضر من حماة لفت بدوره إلى أن ما يميز هذه التجربة هو نبض الخشب وروحه ما يجعله مختلفاً عن التعامل مع الحجر.
وبيّن أن منحوتته تتجه نحو التجريد والرمزية حيث يطرح فكرة عيون الوادي من منظوره الخاص كعيون بشرية ضمن تكوين نحتي يتكون من كتلة وفراغ وظل ونور.
ووجدت النحاتة حنان الحاج القادمة من سلمية عبر منحوتة لرجل (عيواظ) من رؤيتها الخاصة فرصة ممتعة وفريدة للنحت على أحجام كبيرة من الخشب.
وشكّل الملتقى تحديا لابن السويداء النحات أسامة عماشة وفرصة للتعرف على آلية ورؤية وأدوات كل نحات، حيث برز الجانب التشكيلي والإيقاع البصري في منحوتته ضمن الفراغ مستخدما الرموز السورية القديمة، مُدخلاً عنصر السمكة برمزية إلى المرأة بما تحمله من مدلولات الخصوبة والعطاء.
أما منحوتة الفنان علي سليمان القادم من طرطوس فجسدت المرأة بشكل تعبيري يرمز إلى الأنثى والذكر، في حين احتضنت منحوتة هادي عبيد من جرمانا مشهد احتواء رجل وامرأة وبعض الطيور التي تشكل ذكرياتهما.
ويرى سليمان أنه ينجز أعمالاً فكرية يعبر عنها بتكوينات نحتية بقوله “ربما لعجزي عن التعبير عنها لغويا، أو لأنني أتقن توليفها بالتكوينات النحتية، وعلى رأي ابن عربي كل فن لا يفيد علماً لا يعول عليه”.
واستوحت النحاتة رنا حسين حالة الفتاة في رشاقة متطلعة نحو السمو والنقاء الروحي والسكينة تحمل على كتفها عصفورا متجها برأسه نحو العنق مصدر الأنين والأوجاع، بينما عبر النحات أكثم السلوم بعمله عن سوريا الأم الصامدة والشامخة والمتمردة والصابرة التي تحاول أن تخرج من معاناتها كطائر الفينيق الذي ينهض من تحت الركام.
وفي استمرار لسلسلة أعماله النحتية (وجوه) قدم النحات إياد بلال عمله الذي تألف من كتلتين متصلتين بمعدن، لافتا إلى أن عمله يحمل كما كبيرا من الرومانسية والصوفية وشيئاً من الخيال الذي طغى على الواقع في ركن الفروسية وكأنه استعادة لفكرة أسطورة سورية قديمة حول اتصال الأرض بالسماء.
ويعتبر بلال أن أي خامة تخدم الفكرة يمكن أن يذهب إليها بلا تردد، لكنه يفضل في الوقت ذاته خامتي الرخام والبرونز، إلى جانب اشتغاله على الخشب والمعادن الأخرى، مع اختبار طويل على مواد صناعية مثل البوليستر وغيره.
و يقول بلال إن “الفنان عامة معني بأن يكون هو الرافع المعنوي للناس في مجتمعه، فهو يعتبر خط الدفاع الحقيقي عن هذا المجتمع عبر تأثيره في الإنسان ومساهمته في صوغ وعي مختلف ورسم آفاق جديدة، فالفنان الحقيقي يقرأ الواقع بدقة من دون الركون إلى الفكر الجامد، مع التركيز على أهمية الإنسان ومركزيته في الفن كموضوع وهدف”.
ومثلت منحوتة النحات وضاح سلامة حيواناً أسطورياً له علاقة بشيء من الطفولة عبر غزال له جوانح يقفز من مكان إلى آخر ليخرج الفنان من أفكاره ومشاعره الداخلية إلى الراحة والسكينة.