الكويت في مخاض عسير للابتعاد عن الاقتصاد الريعي

لا تزال “رؤية الكويت 2035” الاستراتيجية، تراوح مكانها رغم مرور عشر سنوات على إعلانها، والتي تمت مراجعتها وتنقيحها في ذروة انخفاض أسعار النفط عام 2017 حيث تواجه مقاومة شديدة من قبل المواطنين والشركات الكبرى وفي أروقة البرلمان.
لندن - لم تظهر حتى الآن أي آثار تذكر لبرنامج الإصلاحات الكويتي، الذي طرح لأول مرة في عام 2010، والذي يسعى لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على عوائد الريع النفطي وتقليص الإنفاق الحكومي ودور القطاع العام في توظيف المواطنين.
وقد أثارت النسخة الأولى من الاستراتيجية جدلا واسعا، وأثارت غضب الأوساط البرلمانية والشعبية، خاصة بعد الكشف عن دفع رسوم باهظة بلغت نحو 27 مليون جنيه إسترليني لشركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مقابل وظائف استشارية.
كما واجهت في السنوات الأولى مقاومة شديدة لأي سياسات تقشف، في ظل متانة الأوضاع المالية، حين بقيت أسعار النفط لأربع سنوات فوق حاجز 100 دولار للبرميل. وأدى ذلك إلى تراجع شعور الكويت، شأنها شأن بقية دول الخليج الغنية بالنفط، بأي حاجة ملحة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
لكن انهيار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 ووصولها في سنوات لاحقة إلى أقل من 30 دولارا للبرميل، أعاد الحاجة الملحة لتفعيل رؤية الكويت 2035 بعد تنقيحها في عام 2017.
وتقول دراسة لمؤسسة عرب دايجست (ArabDigest.org) الاستشارية إن الاستراتيجية لا تزال تواجه مقاومة وتشكيكا من الأوساط الشعبية والبرلمانية، التي أدمنت المزايا الاجتماعية والدعم الحكومي ومسؤولية الدولة عن توظيف جميع المواطنين.
وتضيف أن بقاء متوسط أسعار النفط عند 60 دولارا للبرميل على مدى 3 سنوات، وتراجعها مؤخرا إلى 55 دولارا بسبب تداعيات فايروس كورونا، يزيد الضغوط لتسريع خطوات تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد وبنائه على أسس مستدامة تقلص تأثير التذبذبات والصدمات.
ويختزل مقال للكاتب بدر الجيعان في صحيفة خلف نيوز المزاج الشعبي حيال الإصلاحات، وجاء العنوان بصيغة سؤال هو “لماذا يتعيّن على الكويت التكيّف والتغيير الآن؟”.
ويقول الكاتب إن البلاد تعاني من شدة اعتمادها الشديد على عوائد صادرات النفط، والذي يعني خضوع الاقتصاد الكويتي لتقلّبات أسعار الطاقة. ويضيف أن الأمر يزداد سوءا لأن غالبية المواطنين يعملون في القطاع العام مع انخفاض معدلات الإنتاجية الاقتصادية.
وتتضح التحديات العديدة التي تواجهها رؤية 2035 في مدى استخدام عائدات النفط لتمويل الوظائف الحكومية، حيث يعمل أكثر من 75 في المئة من المواطنين الكويتيين في القطاع العام، إضافة إلى الإعانات الحكومية الباذخة لقائمة طويلة من الخدمات والسلع.
ويشير تقرير نشر مؤخرا من قبل مركز الشرق الأوسط في مدرسة لندن للاقتصاد إلى أن الكويت ليست وحدها بين دول الخليج التي تصارع مطالب من أطلقت عليهم “المواطنين الريعيين” الذين يتوقعون من الحكومة خدمات رعاية استثنائية وإعانات اقتصادية شاملة ووظائف مدى الحياة.
وتضيف أن غالبية المواطنين الكويتيين الذين ليس لديهم وظائف، يفضلون أن يظلوا عاطلين عن العمل في انتظار وظيفة في القطاع العام، بدلا من البحث عن عمل في القطاع الخاص بأجور منخفضة ومزايا أقل جاذبية.
ويبدو أن جهود الحكومة لتشجيع الشركات الخاصة على توظيف الكويتيين قد جاءت بنتائج عكسية إلى حد ما وزادت المشكلة تعقيدا، لأن نظام الحصص القسري مع فرض غرامات على الشركات التي تفشل في الوفاء بمعايير “التوطين” أدى إلى ظهور وظائف وهمية.
ولجأت بعض الشركات التي أُجبرت على توظيف مواطنين، إلى وضعهم في جدول الرواتب دون أن تطالبهم بالعمل. وأنشأت كشوف مرتبات مزيفة وخصصت مساحات مكتبية لهؤلاء الموظفين غير المرئيين.
ويؤكد تقرير مدرسة لندن للاقتصاد أن “هذا السلوك أصبح منتشرا إلى درجة أنه يوجد الآن عشرات الآلاف من العمّال الأشباح في الكويت”.
وتقول عرب دايجست إن المشكلة لا تتوقف عند ذلك الحد، حيث لجأ مغامرون وانتهازيون إلى إنشاء شركات وهمية تدعي أنها تفي بحصص توطين الوظائف، في وقت تلجأ فيه لتشغيل مهاجرين بشكل غير رسمي لأداء وظائف تلك البطالة المقنعة، إضافة إلى تحقيق عوائد من المتاجرة في تأشيرات الهجرة.
ونسب تقرير مدرسة لندن للاقتصاد إلى مصدر خاص لم تفصح عن اسمه، تأكيده أن “من يتم توظيفهم من قبل شركات وهمية، يتم تداول تأشيرتهم مع شركات أخرى تسعى إلى الحصول على مهاجرين غير شرعيين، يصبحون بعد ذلك جزءا من سوق العمل غير الرسمي”.
ويشير رجال الأعمال إلى صعوبات أخرى تعترض تحقيق رؤية 2035. ويقولون إن تحفيز القطاع الخاص يحتاج إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تحتل الكويت مرتبة متدنية إقليميّا في استقطاب تلك الاستثمارات، رغم ثروتها الهيدروكربونية الهائلة ونيتها المعلنة للترحيب بالمستثمرين الأجانب.
ويتضح ذلك في احتلال الكويت المركز الأخير بين دول مجلس التعاون الخليجي و97 عالميا مؤشر سهولة ممارسة الأعمال المتعلق بالبيئة التنظيمية وإجراءات التصريح والتسجيل.
ويشير التقرير إلى أن المسؤولية في ذلك التصنيف المحبط، لا تقع على الحكومة فقط، فالشركات الكبرى لا ترغب بفتح الأبواب للمنافسة الخارجية وهي تسعى إلى “إعاقة الإصلاحات السياسية وتروج للنظر إليها على أنها تهدد الحياة الاجتماعية والأنشطة السياسية والاقتصادية”.
وتقول عرب دايجست إن البرلمان الكويتي المنقسم ساهم في عرقلة الإصلاح الاقتصادي. وفي كثير من الأحيان تندلع خلافات شديدة بين النواب والحكومة.
وتؤكد أن الحكومة حاولت بعد انهيار أسعار النفط في 2014، كبح جماح الإنفاق العام وزيادة الضرائب وخفض الإعانات، لكن البرلمان رفض ذلك بشدة.
وواصل البرلمان عرقلة جميع جهود الإصلاح وبضمنها تطبيق ضريبة القيمة المضافة، التي كان من المفترض، بموجب اتفاق لمجلس التعاون الخليجي أن تطبق في عام 2018، والتي طبقتها جميع دول المجلس باستثناء الكويت وقطر.
وتقول مؤلفة تقرير مدرسة لندن للاقتصاد، صوفي أوليفر إليس، إنه “لا يزال هناك تساؤل حول ما إذا كانت الكويت ستكون قادرة على تنفيذ رؤية 2035 بنجاح ضمن إطارها الزمني الطموح”.
وتضيف أن تطبيقها يتطلب من جميع اللاعبين الرئيسيين، وبضمنهم الحكومة والبرلمان والأوساط الاقتصادية وكذلك المواطنين الكويتيين، تقديم تنازلات.
وترى عرب دايجست أنه “لا توجد حتى الآن أي علامات تذكر على إمكانية حدوث ذلك”.