الكويت في سباق لإعادة بناء احتياطاتها النقدية

دخلت الحكومة الكويتية في سباق للإسراع في إعادة ترميم صندوق الاحتياطي العام عبر استغلال طفرة أسعار النفط، بعدما لجأت إليه خلال السنوات الماضية لتغطية العجز في الميزانية. ويرى خبراء أن لتحقيق هذا الهدف يجب أن تضع الدولة حدودا للسحب لعدم استنزافه مستقبلا.
الكويت – تسعى الكويت لاستغلال الفوائض المالية المتوقعة بسبب ارتفاع أسعار النفط لترميم صندوق الاحتياطي العام، أحد الصناديق السيادية للبلد الخليجي، الذي تضرر كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية بسبب هبوط أسعار النفط وتداعيات أزمة كورونا.
وقال وزير المالية عبدالوهاب الرشيد في جلسة أمام مجلس الأمة (البرلمان) في وقت سابق هذا الأسبوع إن ميزانية العام المالي الحالي الذي بدأ في أبريل الماضي، ستحقق فائضا سيُوجه “لترميم الاحتياطي العام”.
ويدير الصندوق الهيئة العامة للاستثمار، وتستخدمه الحكومة من أجل تغطية عجز الميزانية خلال الأزمات مثلما حصل منذ منتصف عام 2014 عندما هوت أسعار النفط الخام إلى مستويات مقلقة.
وكان البلد الخليجي العضو في منظمة أوبك، حتى انهيار الأسعار في ذلك الوقت من أكثر اقتصادات منطقة الخليج العربي متانة، بفضل ثروته النفطية الكبيرة وانخفاض الدين العام والأصول المالية الضخمة.
وقد امتنعت الكويت عن اللجوء إلى الاقتراض من الأسواق المالية منذ إصدار أول دين سيادي لها في عام 2017 بقيمة ثمانية مليارات دولار، لأن البرلمان لم يقر بعد قانونا يسمح للدولة برفع سقف الدين وإصدار ديون لآجال أطول.
وأثار ذلك مخاوف المحللين من استنزاف صندوق الاحتياطي العام، الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، على مدى السنوات التالية لتغطية العجز المتراكم في الميزانية.
وذلك ما حصل بالفعل، حيث سحبت الحكومات المتعاقبة في السنوات التي سبقت الأزمة الراهنة مليارات الدولارات من صندوق الاحتياطي العام، وخاصة أثناء الأزمة الصحية.
وفي السنة التي تفشت فيها أزمة كورونا، نفدت سيولة صندوق الاحتياطي العام، واضطرت الحكومة إلى بيع بعض أصوله خلال سنوات الجائحة لصندوق الأجيال القادمة، وهو صندوق سيادي أكبر وتديره أيضا الهيئة العامة للاستثمار.
وهدفت تلك العملية إلى التغلب على الصعوبات المالية التي واجهتها البلاد، في ظل غياب قانون يسمح لها بالاستدانة من الخارج.
وكانت الحكومة تحول نسبة عشرة في المئة من الإيرادات السنوية إلى صندوق الأجيال القادمة لاستثماره لمرحلة ما بعد النفط، لكن تم إيقاف هذه العملية في 2020 بقانون من البرلمان في ظل شح السيولة، على أن تقتصر عملية التحويل على السنوات ذات الفائض.
وألمح الرشيد إلى عدم تحويل نسبة العشرة في المئة من الإيرادات إلى صندوق الأجيال القادمة في ميزانية العام المالي الحالي، قائلا للصحافيين عقب الجلسة “هذا الاستقطاع تم إيقافه من فترة نظرا للعجوزات التي مررنا بها وانخفاض سعر البرميل”.
وتوصلت مؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة والهيئة العامة للاستثمار في 2021 إلى اتفاق نهائي، تسدد المؤسسة بموجبه نحو 8.250 مليار دينار (27.44 مليار دولار) للحكومة خلال 15 عاما على أقساط.
وتمثل تلك الأموال أرباحا مستحقة بنحو 7.75 مليار دينار (24.8 مليار دولار) ونصف مليار دينار (1.6 مليار دولار) كرسوم إضافية.
وقال نواب في جلسة إقرار الميزانية إن هناك جهات أخرى حكومية مثل مؤسسة الموانئ وغيرها مدينة للحكومة، ولكن بمبالغ أقل من مؤسسة البترول.
وقال وزير المالية “بكل تأكيد فإن كل إيرادات الدولة المستحقة من الجهات الأخرى سيتم تحصيلها.. كل الجهات.. ولن نجعل أرباحا لا تُحول إلى الدولة”.
والثلاثاء الماضي، صادق البرلمان على ميزانية 2023/2022 التي تأجل إقرارها بسبب الانتخابات البرلمانية في سبتمبر الماضي، وبعد إجراء تعديلات واسعة عليها.
وأعاقت الخلافات بين الحكومة والبرلمان في الكويت الكثير من الإصلاحات الاقتصادية والمالية المستحقة، في ظل اقتصاد يعتمد بشكل كلي على الإيرادات النفطية.
وأشار تقرير اللجنة المالية البرلمانية إلى أن الميزانية شملت نفقات قيمتها 23.5 مليار دينار (75.9 مليار دولار)، وإيرادات بلغت 23.4 مليار دينار (74.97 مليار دولار) وعجزا بنحو 124 مليون دينار.
وكانت التقديرات السابقة التي أعلنتها الحكومة في يناير الماضي تشير إلى أن الإيرادات ستبلغ 60.2 مليار دولار والمصروفات 70.3 مليار دولار والعجز عند نحو عشرة مليارات دولار.
لكن ارتفاع أسعار النفط رفع الإيرادات. كما أن بعض المزايا المالية الجديدة التي تم منحها للمواطنين رفعت المصروفات.
وتشكل الإيرادات النفطية نحو 91 في المئة من الإيرادات في الميزانية التي وضعت بناء على تقدير سعر البرميل عند 80 دولارا، لكن النفط الكويتي يدور حاليا حول مستوى 95 دولار للبرميل.
وقال الرشيد إن “الأسعار اليوم لها فترة فوق هذا السعر، وهذا سيترتب عليه تحقيق فوائض في الحساب الختامي القادم (للميزانية) ونسعى من خلال هذه الفوائض لترميم الاحتياطي العام”.
وقدر تقرير لمركز الشال، وهو مركز دراسات كويتي مستقل للاستشارات المالية، فائض الميزانية بنحو 7.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي. وتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات 101.9 مليار دولار بنهاية السنة إذا استمر مستوى الإنتاج والأسعار دون تغيير.
وأعاد البرلمان الأسبوع الماضي مشروعا أوليا للميزانية إلى اللجنة البرلمانية المختصة، حيث تضمن في حينها إيرادات بمبلغ 23.4 مليار دينار ومصروفات قدرها 23 مليار دينار.
وتضمنت النسخة الأخيرة من تقرير اللجنة إنفاقا إضافيا شمل 300 مليون دينار (961.2 مليون دولار) كبدل نقدي لموظفي الحكومة مقابل رصيد الإجازات الدورية، و157 مليون دينار (503 ملايين دولار) كمكافأة لفئات جديدة من الصفوف الأمامية التي واجهت الوباء.