الكويت في جولة حاسمة لضبط توازناتها المالية

بدأت الكويت تستشعر على نحو أكبر المخاطر التي تتربص بتوازناتها المالية وهي تتجه على ما يبدو إلى معالجتها بما يمكنها من تحقيق الأهداف والتي لطالما كان البلد عاجزا عن إدراكها جراء السجالات السياسية العقيمة وسوء إدارة الملف الاقتصادي.
الكويت- وضعت الحكومة الكويتية تسريع وتيرة زخم إعادة هيكلة الاقتصاد هدفا لتمهيد الطريق لإحداث نقلة نوعية حتى العام 2026 وفق خطة مرحلية سيتم من خلالها وضع التوازنات المالية على طريق التصحيح التدريجي.
ويتفق المتابعون الاقتصاديون للشأن الكويتي على أن تلك الخطوة باتت ضرورة ملحة لتنويع موارد الدخل حتى مع عودة عائدات النفط إلى الارتفاع نتيجة انعكاسات الحرب في أوكرانيا على أسواق الطاقة.
وعلى الرغم من التأخير الكبير في وضع خطة تضبط التصرف في الموازنة السنوية، يعتقد خبراء أن إعلان الحكومة عن نيتها ترشيد الإنفاق العام أمر يدعو إلى التفاؤل.
وكلف مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الاثنين الماضي وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار عبدالوهاب الرشيد بوضع أسقف للإنفاق العام في موازنة السنوات الثلاث المقبلة.
وقال البيان الأسبوعي للمجلس إن “الاجتماع استعرض توصية لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن تحديد أسقف الإنفاق للسنوات المالية الثلاث المقبلة”.
كما تم تكليف وزير المالية “باتخاذ ما يراه مناسبا بشأن تحديد أسقف الإنفاق ووضع مبدأ توجيهي للجهات الحكومية بسقوف الإنفاق”.

◙ وزير المالية عبدالوهاب الرشيد سيضع أسقفا للإنفاق العام بموازنة السنوات الثلاث المقبلة
وتواصل الكويت سياسة التقشف في بعض البنود عبر تقليص الإنفاق العام حيث من المتوقع أن ينخفض بنسبة 4.8 في المئة إلى 72.8 مليار دولار، على أن يخصص 74.5 في المئة من هذا المبلغ لرواتب الموظفين العامين والمساعدات الحكومية.
وحذر البنك الدولي مرارا من تباطؤ الحكومة الكويتية في معالجة التضخم المتواتر في فاتورة الرواتب المخصصة لموظفي القطاع العام نظرا لاحتمال تأثيرها مستقبلا على التوازنات المالية للبلد الخليجي.
وتكفل الحكومة لجميع الكويتيين العمل في القطاع العام بشكل شبه مضمون فهي توظف أكثر من 80 في المئة من المواطنين ويحصل كافة على دعم سخي للوقود والكهرباء والمياه.
ويتطلب تبني خطة إصلاح واضحة المعالم تعالج أوجه الترابط بين إصلاحات المالية العامة وجهاز الخدمة المدنية وسوق العمل، وضع استراتيجية تواصل فاعلة يمكنها إقناع المواطنين بحتمية السير في هذا الطريق.
وبالإضافة إلى الضوابط قصيرة الأجل يتعين تطبيق تدابير شاملة لإصلاح القطاع العام إذ تشير التجارب الدولية إلى أن الإصلاحات الناجحة تجمع بين التمتع بالحجم الصحيح للقطاع العام مع التركيز على الارتقاء بمستوى تقديم الخدمات.
وحتى مع الارتفاع الحالي لأسعار النفط الذي تجاوز حاجز المئة دولار في الأسابيع الماضية، إلا أن اعتماد الكويت على إيرادات بيع الخام بنسبة تزيد عن 90 في المئة في إنفاقها العام يجعلها دائما عرضة لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية.
ومع انتهاء خمسة أشهر من العام المالي الحالي الذي بدأ في أبريل الماضي، فقد بلغ سعر برميل النفط الكويتي خلال شهر أغسطس نحو 104 دولارات، لذلك حافظ على مكانته كونه أبرز مقومات موازنة الدولة.
وبحسب تقرير أصدرته شركة الشال للاستشارات الاقتصادية السبت الماضي، فإن سعر البرميل يزيد بنحو 39 دولارا عن السعر الافتراضي المقدّر في الموازنة الأخيرة، والبالغ 65 دولارا للبرميل، أي بارتفاع يصل إلى ستين في المئة.
وتوقع معدو التقرير أنه إذا استمر مستويا الإنتاج والأسعار على حاليهما، وهو افتراض قد لا يتحقق، فإنه من إجمالي عوائد النفط بعد خصم تكاليف الإنتاج للسنة المالية الحالية نحو 30.2 مليار دينار (98 مليار دولار).
وهذه الإيرادات تزيد بحوالي 43.75 مليار دولار عما هو مقدر في الموازنة الحالية، وهو ما يعطي الحكومة فرصة لالتقاط الأنفاس والتركيز على تفعيل خطط التنمية بشكل مرحلي مدروس.
وكانت الحكومة تتوقع نمو الإيرادات النفطية بنسبة 83.4 في المئة بالموازنة الحالية لتصل إلى 55.5 مليار دولار، ارتفاعا من 30.2 مليار دولار في العام المالي السابق.
وعانت الكويت، العضو بمنظمة الدول المصدر للبترول (أوبك)، من هبوط الإيرادات النفطية وسجلت موازنتها عجزا ماليا متواصلا لسنوات عدة.
وساهم صندوقها السيادي الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار، ويملك أصولا تقدر بقيمة 700 مليار دولار، وفقا لمعهد صناديق الثروة السيادية، في إنقاذ ماليتها العامة لاسيما خلال الأزمة الصحية.
وتعتمد الهيئة على توزيع الأموال المستثمرة على مجموعة من الأصول المختلفة، وذلك بأوزان استراتيجية، حيث يتم تحديثها بناء على معطيات السوق العالمية.
◙ الكويت سياسة تواصل التقشف في بعض البنود عبر تقليص الإنفاق العام حيث من المتوقع أن ينخفض بنسبة 4.8 في المئة إلى 72.8 مليار دولار
كما تقوم بتحديد النسبة المستهدفة لتلك الأصول، وذلك بناء على توقعاتها لأداء جميع أعمالها في الخارج، وهي تركز كثيرا على سوق الأسهم والاستثمار في سندات الخزانة الأميركية.
وقال البيان إن “وزير المالية قدم عرضا لمجلس الوزراء حول وضع صندوق الاحتياطي العام وصندوق احتياطي الأجيال القادمة، بالإضافة إلى وضع المالية العامة للسنوات الخمس القادمة والإصلاحات الضرورية لمواجهة التحديات”.
ويتفق الكثير من الخبراء في المؤسسات المالية ووكالات التصنيف الدولية على أن الكويت في أشد الحاجة إلى القيام بمراجعة شاملة في النموذج المتبع لإعادة تصحيح التوازنات المالية بما يدعم الأهداف.
ورغم أن هذه الجهات ترجح أن تساعد زيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره في تعافي الاقتصاد الكويتي تدريجيا، إلا أنها تعتقد أن الحكومة أمامها تحديات هائلة للإصلاح المالي والهيكلي وهما حجر زاوية لمواجهة المخاطر المستقبلية.
وطيلة سنوات احتدم الجدل بين الحكومة، التي ترى أن قانون الدّين العام سوف يسمح لها بالاستفادة من الأسواق الدولية والحصول على المزيد من القروض لتغطية أي عجز متوقع في السنوات القادمة، والبرلمان الذي يعارض غالبية أعضائه إقرار القانون بشكله الحالي.