الكويت تواجه إكراهات عودة اتساع عجز الموازنة

الاعتماد المفرط على النفط وبطء الإصلاحات والخلافات السياسية عراقيل أمام استدامة الفوائض.
الأربعاء 2023/02/01
كم نصيبك من ثروة بلدك؟

تنبئ موازنة الكويت للسنة المالية المقبلة أنها ستتأثر بتراجع عائدات النفط في 2023 نتيجة ضبابية آفاق الاقتصاد العالمي رغم الخطوات التي اتخذتها الحكومة طيلة العام المالي الحالي للاستفادة من طفرة أسعار الخام لتعديل أوتار توازناتها المختلة.

الكويت - تواجه الحكومة الكويتية إكراهات عودة اتساع العجز المالي في الموازنة الجديدة، التي رفعتها إلى البرلمان الثلاثاء للنظر فيها والمصادقة عليها، ما يجعلها في سباق لتفادي مساوئ سنوات سابقة عندما تراجعت العوائد في عهد النفط الرخيص.

وتتضمن موازنة العام المالي، التي تبدأ مع مطلع أبريل المقبل، عجزا قدره 6.8 مليار دينار (22.35 مليار دولار)، مقارنة بعجز متوقع قدره 124 مليون دينار في الموازنة الحالية.

وتؤكد الموازنة التي ترجح إنفاق 86.13 مليار دولار مقابل إيرادات بنحو 63.9 مليار دولار سيشكل النفط 88 في المئة منها، أن البلد سيعود إلى معضلة التأثيرات السلبية لضعف أسعار النفط العالمية خلال العام الحالي.

ولم يتفاجأ المحللون بهذه الأرقام بالنظر إلى العديد من السلبيات التي تلازم إدارة الاقتصاد، ومن أهمها بطء الإصلاحات، التي يُفترض أنها تتضمن تنويع مصادر الدخل، وأيضا الخلافات السياسية المستمرة، التي تفضي دائما إلى تغيير الحكومة ما يعني غياب الاستقرار.

أرقام حول الموازنة

  • 86.13 مليار دولار حجم المصروفات
  • 63.9 مليار دولار حجم الإيرادات
  • 22.35 مليار دولار حجم العجز المالي
  • 88 في المئة من العوائد متأتية من النفط
  • 80 في المئة من الموازنة لبندي الدعم والرواتب
  • 70 دولارا لبرميل النفط أساس بناء الموازنة

ويعزو هؤلاء عودة تسجيل العجز إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية واستئثار الدعم والرواتب ببند الإنفاق كونها تمثل 80 في المئة، والتي تشكل عبئا كبيرا، فضلا عن عدم قدرتها الإيفاء بالتزاماتها، كما كانت في السابق.

وقالت وزارة المالية في بيان نشرته على صفحتها في تويتر إنه “تم بناء الموازنة الجديدة على أساس 70 دولارا لسعر برميل النفط، وهو معدل محافظ وأقل بمقدار 10 دولارات مقارنة بالموازنة الحالية وأقل بنحو 15 دولارا من السعر الحالي في السوق العالمي”.

وأوضحت أن الكويت العضو في منظمة أوبك “تتوقع كمية إنتاج قدرها 2.67 مليون برميل يوميا من النفط الخام”.

وتقول الحكومة إن الموازنة المقبلة غير اعتيادية كونها محملة بنفقات غير متكررة واستحقاقات متراكمة منذ سنوات سابقة، ولكنها لم توضح طريقة تمويل العجز.

وأشارت الوزارة في بيانها إلى أن “الزيادة في المصروفات تشمل تغطية لعجوزات سابقة تخص مستحقات وزارتي الكهرباء والنفط وبدل بيع الإجازات للعاملين”.

وتبلغ المستحقات المتراكمة لوزارة الكهرباء نحو 2.44 مليار دولار، أما المبالغ المستحقة لوزارة النفط فتناهز المليار دولار، إلى جانب مخصصات توظيف أكثر من 21.8 ألف كويتي في القطاع العام بقيمة 1.9 مليار دولار.

ومن بين أسباب زيادة الإنفاق، تكلفة الارتفاع المتوقع في الكميات المستهلكة من الوقود لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء، وارتفاع أسعار النفط والوقود للاستهلاك والتوزيع المحلي.

وعلاوة على ذلك، تغطية تكاليف المناطق السكنية مدينة المطلاع والبنية التحتية والمرافق العامة لمشروع جنوب مدينة سعد العبدالله الإسكاني.

وبررت الوزارة تقديراتها بأن الحكومة تتبع خطة محكمة لزيادة الإيرادات غير النفطية تدريجيا على مدى السنوات القادمة، بالإضافة إلى إصلاحات لتقنين وحوكمة الإنفاق لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية والتحوط أمام أي أمر طارئ.

وتم تقدير واحتساب أرباح الجهات المستقلة التابعة للدولة في الموازنة، مما يرفع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية إلى نحو 19 في المئة.

ورجحت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في تقرير الشهر الماضي أن تظل الموازنة الكويتية من بين أقوى الموازنات السيادية، التي تصنفها رغم التقلبات صعودا ونزولا في أسعار خامات النفط منذ منتصف 2014.

وزارة المالية: الحكومة تتبع خطة لزيادة الإيرادات غير النفطية وحوكمة الإنفاق
وزارة المالية: الحكومة تتبع خطة لزيادة الإيرادات غير النفطية وحوكمة الإنفاق

ويتوقع خبراء الوكالة أن تساعد الظروف الراهنة على انخفاض الدين الحكومي إلى أقل من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية الحالية، التي تنتهي في أواخر مارس المقبل.

ويبلغ متوسط الدين الحكومي لدى الدول التي تتشابه مع الكويت في درجة التصنيف عند نحو 49 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ومن المتوقع أن يصل صافي الأصول السيادية الخارجية التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت إلى 470 في المئة من الناتج المحلي خلال السنوات الممتدة من 2022 وحتى 2024 بما يجعله الأعلى بين الدول المصنفة.

ورغم أن نقاط القوة الائتمانية الرئيسية في الكويت تتمثل في الموازنة والعوائد الخارجية القوية بشكل استثنائي قد تساعد في التأقلم مع التقلبات العالمية، إلا أن فيتش حددت نقاط الضعف الرئيسية المتمثلة في الجمود المؤسسي والقيود السياسية على الإصلاحات، التي من شأنها معالجة التحديات المالية والهيكلية الناجمة عن الاعتماد الكبير على النفط والقطاع العام.

وتتزايد الدلائل بأن الكويت لا تزال تدير قطاع الأعمال بعقلية قديمة، وأن الشركات الخاصة بعيدة حتى الآن عن المساهمة في التنمية، حيث لم تسهم محاولات الحكومات المتعاقبة في الخروج من هذه المعضلة.

وطوال العقد الماضي شجعت الحكومة، التي تنفق أكثر من نصف موازنتها على رواتب الكويتيين، الذين يعمل أغلبهم في وظائف حكومية، مواطنيها على إقامة مشاريعهم الخاصة في محاولة منها لخلق قطاع خاص قوي بالبلاد.

وكان الهدف الأساسي هو تخفيف العبء على الموازنة، وتقليل الاعتماد على العمال الوافدين، وكذلك المساعدة على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، ولكنه بقي متذبذبا في عالم متقلب.

وتبدو كل الجهود التي تم بذلتها لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تضمنت إنفاق نحو نصف مليار دولار من التمويل الحكومي على هذه الشركات، عرضة للضياع.

ومع تحقيق الفوائض بسبب الحرب في شرق أوروبا، دخلت الكويت في سباق للإسراع في إعادة ترميم صندوق الاحتياطي العام، أحد الصناديق السيادية للبلد الخليجي، عبر استغلال طفرة أسعار النفط بعدما لجأت إليه خلال السنوات الماضية.

Thumbnail

ويرى خبراء أنه لتحقيق هذا الهدف يجب أن تضع الدولة حدودا للسحب لعدم استنزافه مستقبلا، لكن واقع الحال يؤكد أن عدم اقتناص الفرص والبيروقراطية يبددان احتمالات تجسيد رؤية 2035 واقعيا.

وتستخدم الحكومة الصندوق الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار، لتغطية عجز الموازنة خلال الأزمات مثلما حصل منذ منتصف 2014 عندما هوت أسعار النفط الخام إلى مستويات مقلقة.

وكان البلد حتى انهيار الأسعار في ذلك الوقت من أكثر اقتصادات منطقة الخليج العربي متانة بفضل ثروته النفطية الكبيرة وانخفاض الدين العام والأصول المالية الضخمة.

وامتنع عن اللجوء إلى الاقتراض من الأسواق المالية منذ إصدار أول دين سيادي له في عام 2017 بقيمة ثمانية مليارات دولار، لأن البرلمان لم يقر بعد قانونا يسمح للدولة برفع سقف الدين وإصدار ديون لآجال أطول.

وأثار ذلك مخاوف المحللين من استنزاف صندوق الاحتياطي العام على مدى السنوات التالية لتغطية العجز المتراكم في الموازنة.

10