الكويت تنقل ثمن الإصلاحات الاقتصادية إلى كاهل الوافدين

تسير الحكومة الكويتية بخطى متثاقلة لإجراء الإصلاحات الاقتصادية الملحة لتصحيح الاختلالات المالية المتفاقمة. ويزداد ميلها يوما بعد يوم لتفادي المعارضة البرلمانية والشعبية باللجوء إلى الحلول السهلة التي تنقل أعباء الإصلاحات إلى كاهل العمال الأجانب، رغم ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات سلبية.
لندن - تتباين الضغوط على الدول النفطية لتنويع الاقتصاد ومصادر إيرادات الموازنة، لكنها تدرك جميعا أنها ضرورة حتمية لتفادي تداعيات تذبذب أسعار النفط، مثلما حدث منذ منتصف عام 2014.
ويقول محللون إن الكويت تسير بخطى متثاقلة في تنفيذ الإصلاحات الملحة بسبب المعارضة البرلمانية والشعبية لإجراءات التقشف في ظل امتلاكها احتياطات مالية كبيرة، تمنحها مرونة كبيرة في اختيار وتيرة الإصلاحات.
وتدرك الكويت وجميع الدول النفطية أن الطلب على النفط سيصل حتما إلى ذروته خلال العقدين المقبلين، الأمر الذي يفرض الاستعداد مبكرا لتلك المرحلة، التي قد لا تجدي معها الاحتياطات النفطية الوفيرة وقلة عدد السكان البالغ 4 ملايين نسمة، 30 بالمئة منهم فقط من الكويتيين.
ويختلف الوضع في الكويت عن جيرانها الخليجيين في حجم المعارضة الشعبية والبرلمانية لأي مساس بحقوق المواطنين، الذي أدمنوا على المزايا السخية وتولي الحكومة مسؤولية توظيف معظم المواطنين.
ويمثل ذلك أكبر عقبة في طريق الإصلاح بسبب الحذر من إثارة غضب المواطنين، الأمر الذي يدفع الحكومة لتحويل أعباء التقشف والإصلاحات إلى كاهل المغتربين من خلال طرد أعداد كبيرة من العمال الأجانب من الوظائف الحكومية.
ويعاني اقتصاد الكويت من اختلالات كبيرة في المؤشرات المالية وانتشار البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة واعتماد مفرط على الإنفاق العام. ويمثل حجم الإنفاق الحكومي الهائل على الكويتيين من أكبر المشاكل التي تواجهها البلاد. ويرى مراقبون أن الشلل الحكومي يكمن في أن البرلمان الكويتي يعد الهيئة التشريعية الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي الذي يملك سلطة إقالة الوزراء، الأمر الذي يعرقل تنفيذ الإصلاحات.
ويقاوم المشرّعون، الذين يميلون لإرضاء الجمهور، تدابير التقشف التي يمكن أن تطال المواطنين وهو ما يجبر الحكومة على تحويل أعباء الإصلاح الاقتصادي باتجاه العمال الأجانب.
ويعتبر حجم الإنفاق العام وارتفاع الموازنة التشغيلية، التي يذهب معظمها إلى جيوش موظفي الدولة وفواتير الدعم الحكومي السخي مشكلة مزمنة مستعصية على الحل تفاقم العجز الكبير في الموازنة.
ويقدر صندوق النقد الدولي حاجة الكويت لتمويل ذلك الخلل بنحو 100 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وتحتاج الكويت إلى الاستثمارات الأجنبية لإنجاح خطط تنويع الاقتصاد لكن نداءاتها للتمويل الدولي لم تحقق نجاحات تذكر، وهي تسعى لإيجاد طريقة بديلة لتمويل جهود الإصلاح الهيكلي، الذي يجبرها على محاولة تحفيز النمو في القطاع الخاص.
ورغم أن الكويت تملك احتياطات مالية كبيرة من ضمنها أصول صندوق ثرواتها السيادية، الذي يعتبر الأقدم في العالم العربي، لكنها ملزمة بسداد قدر كبير من الديون في السنوات القادمة.
وتنهمك الحكومة في أسهل الإصلاحات وهي توطين العمال حيث تسعى لزيادة نسبة الكويتيين العاملين في القطاعين العام والخاص خلال فترة 5 سنوات. وقد حققت بعض النجاح في العامين الماضيين بإنهاء عقود 3 آلاف أجنبي في القطاع العام لإفساح المجال أمام الكويتيين.
وتخطط وزارة التعليم لتسريح ما يصل إلى ألف موظف أجنبي هذا العام. وأصدرت الحكومة أيضا مرسوما ينصّ على أن الكويتيين هم الذين بإمكانهم قيادة سيارات الأجرة في المطار.
كما ناقش البرلمان مقترحات أخرى مثل فرض ضريبة جديدة على رواتب المغتربين قبل إرسال تحويلاتهم المالية وإجراء تدقيق حكومي لمهارات العمال الأجانب، بهدف شطب وظائفهم.
وكما هو متوقع فإن توظيف المزيد من المواطنين في مناصب مرغوبة يلقى استحسان الكويتيين من الناحية السياسية أكثر من محاولات فرض تدابير التقشف.
ولا يميل معظم الشباب الكويتي إلى وظائف القطاع الخاص التي تفرض التزامات أكبر، وتتزايد طوابير المنتظرين للحصول على وظيفة حكومية بأجور أعلى وضمانات أفضل ورفض العمل في الشركات الخاصة.
وتحاول الحكومة حاليا فرض عقوبات على القطاع الخاص وإجباره على إتاحة الفرص للكويتيين لتفاقم نقل أعباء إصلاحات سوق العمل إلى المغتربين. لكن الجوانب السلبية للبرنامج دفعت الحكومة إلى التراجع عن بعض أهدافها. ويفتقد الكويتيون إلى حد كبير المهارات المطلوبة للعديد من الوظائف التي يقوم بها المغتربون في قطاعات الصحة والتعليم والتقنية، الأمر الذي يفاقم تداعيات برامج تقليص توظيف الأجانب.
في هذه الأثناء تتزايد ضغوط تنويع الاقتصاد في وقت تلجأ فيه الحكومة إلى الحلول التي لا تثير احتجاجات المواطنين، ليتعمق المأزق الحكومي باستمرار تدفق المزيد من الكويتيين إلى القطاع العام وارتفاع فاتورة الأجور الحكومية.
ويكشف التناقض في الأجور بين القطاعين العام والخاص حجم صراع الحكومة الشاق لإقناع المزيد من الكويتيين بالتخلي عن أحلامهم في الحصول على وظيفة حكومية فاخرة. وهو ما يرجه مواصلة تحميل العمال الأجانب ثمن لإصلاحات الحكومية الانتقائية في السنوات المقبلة.