الكويت تكسر تسع سنوات من العجز المالي في الميزانية

كسرت الكويت سنوات العجز المالي التي لازمت الموازنة بفضل الإيرادات القوية لتجارة النفط، لكن الأمر لن يدوم طويلا إذا لم تعمل الحكومة على بناء جدار منيع أمام التقلبات رغم إقرار صندوق النقد الدولي بأن البلد مستقر ماليا وأن أمام اقتصاده فرصة للتعافي.
الكويت - تحولت موازنة الكويت إلى تحقيق فائض مالي هو الأول منذ تسع سنوات بعدما ساعدت الأسعار المرتفعة للنفط في الأسواق العالمية البلد الخليجي على جني إيرادات كبيرة مع نهاية العام المالي المنتهي في مارس 2023.
ورغم أن نقاط القوة الائتمانية الرئيسية في الكويت تتمثل في الموازنة والعوائد الخارجية القوية بشكل استثنائي التي قد تساعد في التأقلم مع التقلبات العالمية وضبط توازناتها الاقتصادية بشكل محكم، لكن الأمر سيتغير مع توقعات بالعودة إلى تسجيل عجز.
وتتمثل نقاط الضعف الرئيسية في الجمود المؤسسي والقيود السياسية على الإصلاحات الاقتصادية، التي من شأنها معالجة التحديات المالية والهيكلية الناجمة عن الاعتماد الكبير على النفط والقطاع العام.
وقالت وزارة المالية الأربعاء إنّ الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة للعام المالي 2022 – 2023 “يسجل فائضاً فعلياً لأول مرة منذ 9 سنوات بقيمة 6.4 مليار دينار (نحو 21 مليار دولار)”.
ويمثل قطاع النفط أكثر من 90 في المئة من الإيرادات الحكومية الكويتية، لذلك استفادت الدولة من انتعاش الأسعار في العام الماضي. لكن موازنة العام المالي الذي بدأ مطلع أبريل الماضي تتضمن عجزا قدره 22.35 مليار دولار.
ووصلت نسبة الإيرادات النفطية إلى 92.7 في المئة من إجمالي الإيرادات المحقّقة، حسبما أفادت الوزارة على منصتها الإلكترونية، فيما بلغ معدل سعر برميل الخام في السنة المالية المنقضية نحو 97.1 دولارا.
وبلغ معدل الإنتاج اليومي من النفط قرابة 2.7 مليون برميل في الكويت التي تمتلك نحو 7 في المئة من احتياطات العالم النفطية.
وبحسب البيانات فقد بلغت العوائد الإجمالية نحو 28.8 مليار دينار (93.3 مليار دولار)، منها 87 مليار دولار إيرادات نفطية.
وبينما بلغت النفقات الإجمالية 72.3 مليار دولار، ذهب 78 في المئة منها إلى المرتبات والدعوم المختلفة، بينما بلغت نسبة المصروفات الرأسمالية 9 في المئة فقط.
ولا تزال المرتبات والأجور تمثل أكثر من نصف المصروفات إذ بلغت نحو 42.3 مليار دولار رغم أنها تراجعت اثنين في المئة عن الموازنة السابقة.
ولا تشمل الموازنة الختامية الاحتياطيات المالية للدولة أو إيرادات صندوق احتياطي الأجيال القادمة، بل يعاد استثمارها مرة أخرى.
ولم تكشف الحكومة عن حجم الدين العام، لكن وكالة فيتش رجحت انخفاضه إلى أقل من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الظروف التي شهدها العالم جراء الحرب في أوكرانيا.
ويبلغ متوسط الدين الحكومي لدى الدول التي تتشابه مع الكويت في درجة التصنيف عند نحو 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتزامنا مع إعلان النتائج أكد سعد البراك وزير المالية بالوكالة على أن بلاده تتمتع بوضع مالي متين واحتياطات كبيرة واستقرار نقدي.
وقال في بيان إن “كل هذه العوامل تحصن البلاد من تذبذب أسواق النفط على المدى القصير، كما تمكنها كذلك من تخطي التحديات القائمة بامتياز واغتنام الفرص التي توفرها هذه التحديات”.
وكان صندوق النقد الدولي قد أكد في ختام مشاورات المادة الرابعة مع الكويت مطلع يونيو الماضي أن التعافي الاقتصادي للبلاد “لا يزال مستمرا ومستفيدا من زيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره”.
وأكد خبراء الصندوق أنه تم احتواء التضخم وتعزيز رصيد المالية العامة والحساب الخارجي مع الحفاظ على الاستقرار المالي.
وبلغ التضخم الكلي السنوي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك ذروته في أبريل العام الماضي مسجلا 4.7 في المئة ثم اتخذ اتجاها تنازليا وبلغ 3.7 في المئة بنهاية أبريل الماضي.
وتوقع صندوق النقد تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للكويت خلال هذا العام بنحو 0.1 في المئة جراء تخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها في أوبك+ وبطء نمو الطلب الخارجي.
وأظهرت بيانات رسمية نشرها البنك المركزي الأربعاء ارتفاع الأصول الاحتياطية الأجنبية للبلاد الشهر الماضي بنسبة 4.8 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 49.3 مليار دولار.
ويعد المستوى الشهري للاحتياطي الأجنبي الكويتي الأدنى منذ بداية العام الحالي، وسط تراجع حصيلة الإيرادات النفطية والالتزام باتفاق خفض الإنتاج المقررة من تحالف أوبك+.
ولا يشمل الاحتياطي الأجنبي الأصول الخارجية لدى الهيئة العامة للاستثمار (الصندوق السيادي) التي تتجاوز 803 مليارات دولار، وفق أحدث بيانات معهد صناديق الثروة السيادية (أس.دبليو.أف).
ومن المتوقع أن يصل صافي الأصول السيادية الخارجية التي تديرها الهيئة إلى 470 في المئة من الناتج المحلي خلال السنوات الممتدة من 2022 وحتى 2024 بما يجعله الأعلى بين الدول المصنفة.
ومع تحقيق الفوائض بسبب الحرب في شرق أوروبا، دخلت الكويت في سباق للإسراع في إعادة ترميم صندوق الاحتياطي العام، أحد الصناديق السيادية للبلد الخليجي، عبر استغلال طفرة أسعار النفط بعدما لجأت إليه خلال السنوات الماضية.
21
مليار دولار فائض الموازنة الماضية بعد نمو عوائد النفط بنحو 65 في المئة إلى 87 مليار دولار
ويرى خبراء أنه لتحقيق هذا الهدف يجب أن تضع الدولة حدودا للسحب لعدم استنزافه مستقبلا، لكن واقع الحال يؤكد أن عدم اقتناص الفرص والبيروقراطية يبدّدان احتمالات تجسيد رؤية 2035 واقعيا.
وتستخدم الحكومة الصندوق الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار لتغطية عجز الموازنة خلال الأزمات مثلما حصل منذ منتصف 2014 عندما هوت أسعار النفط الخام إلى مستويات مقلقة.
وتقوم السلطات بتحويل 10 في المئة من الإيرادات السنوية إلى صندوق الأجيال القادمة لاستثماره لمرحلة ما بعد النفط، لكن تم إيقاف هذه العملية في 2020 بقانون من البرلمان في ظل شح السيولة، على أن تقتصر عملية التحويل على السنوات ذات الفائض.
وكان البلد حتى انهيار الأسعار في ذلك الوقت من أكثر اقتصادات منطقة الخليج العربي متانة بفضل ثروته النفطية الكبيرة وانخفاض الدين العام والأصول المالية الضخمة.
وفي وقت سابق هذا الشهر كشفت الحكومة أنها تدرس إنشاء صندوق سيادي ثان يحمل اسم “سيادة” يركز على الاستثمار في السوق المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي، وفقا لبرنامج العمل الحكومي الذي كُشف عنه مؤخراً.
وسيعمل “سيادة” بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي والدولي “في إطار الحوكمة الجيدة والشفافية لتحقيق التقدم والازدهار”. ويُعَدّ هذا مناقضاً لإستراتيجية صندوق الأجيال القادمة، الذي لا يصرّح علناً عن بيانات أدائه.