الكويت تقرّ بعلل اعتمادها المفرط على ريع النفط

يجمع محللون على أن إقرار الكويت بأنها تواجه صعوبة كبيرة في التخلص من إدمان النفط باعتباره ركيزة أساسية لتمويل الموازنة حتى مع وجود محاولات مرتبكة للتنويع، يعكس قناعة حكومتها الجديدة بأهمية وضع حد للتلكؤ في تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
الكويت - تواجه الكويت بعد الإيرادات الضخمة التي شهدتها خلال العامين الماضين تحديات جديدة ستمتد حتى العام 2029 لسد عجز الموازنة العامة، في تأكيد على مدى علل اعتمادها المفرط على النفط الخام.
وحذرت الحكومة في برنامج عملها الجديد من أن البلد الغني بالنفط يواجه “تحديا استثنائيا خطيرا”، في ظل تذبذب أسعار الخام واعتماد المالية العامة عليه كمصدر وحيد للدخل.
ووفق وثيقة البرنامج، فإن هذا التحدي “يهدد قدرتها على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية، ويهدد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية”.
وجاء في البرنامج، بحسب رويترز، أن العجز المتوقع في الموازنة العامة خلال السنوات الخمس المقبلة سيتراوح بين 45 و60 مليار دينار (146.1 إلى 194.8مليار دولار) من دون المضي بالإصلاح الاقتصادي والمالي.
ومن المتوقع أن تتضاعف متطلبات التمويل الحكومي خلال 10 سنوات وبلوغ متوسط عجز الموازنة 42.2 مليار دولار في 2033.
وتسعى الكويت، التي تعتمد حاليا على إيرادات النفط في تمويل 90 في المئة من موازنتها العامة، لتنويع اقتصادها وتقليل اعتماده على النفط كمصدر شبه وحيد للتمويل.
البرنامج الجديد لعمل الحكومة يواجه تحديا استثنائيا خطيرا في ظل تذبذب أسعار الخام والاعتماد عليه كمصدر وحيد
ولم تتكلل جهود الحكومات السابقة وخططها منذ انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014، من تنفيذ أجندة الدولة العضو في منظمة أوبك “رؤية 2035″، للحاق بركب جيرانها في منطقة الخليج وخاصة السعودية والإمارات، التي حققت نجاحات متفاوتة في التنويع.
وحذر البرنامج من أن استمرار الأوضاع المالية والاقتصادية بالتدهور قد ينتج عنه تعثر الأفراد والشركات والبنوك، وارتفاع معدلات البطالة “لحد خطير”، وانهيار الخدمات الاجتماعية وتدهور الأمن الاجتماعي.
ولطالما أكد خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن تعافي أسعار النفط لن يكفي لسد العجز في موازنات دول الخليج عموما، والتي تعتمد بشكل أساسي على إيرادات الخام، وهو ما يحتم عليها تنويع مصادر الدخل وخفض الإنفاق.
ويرى محللون أن الكويت لن تستطيع في فترة قصيرة معالجة العجز المالي، إلا من خلال ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية التي لا تزال تتراوح بين 72 و78 دولارا للبرميل.
ويفترض برنامج عمل الحكومة أن تمويل الموازنة سيتطلب أسعار نفط عند 100 دولار في العام 2033، لتنفيذ إصلاحاتها التي طال انتظارها.
وكشفت الوثيقة أن الحكومة تعتزم إقرار قوانين منها أدوات السيولة وضريبة أرباح الأعمال والضريبة الانتقائية في الدورة التشريعية الحالية.
كما تعتزم البدء في دراسة جدوى مشروع ربط السكك الحديدية مع السعودية خلال مئة يوم.
42.2
مليار دولار متوسط عجز الموازنة في 2033 مع تضاعف متطلبات التمويل الحكومي
والأسبوع الماضي، أظهرت الحكومة تفاؤلا بتقليص عجز الموازنة الجديدة التي تبدأ مطلع أبريل المقبل، رغم الضبابية التي تكتنف آفاق الاقتصاد العالمي بسبب التوترات الجيوسياسية المتفاقمة.
وتوقعت وزارة المالية عجزا بنحو 19.1 مليار دولار للسنة المالية 2024 – 2025، وهو أقل بنحو 13.5 في المئة من تقديرات السنة المالية الحالية مع إيرادات تناهز 60.67 مليار دولار بانخفاض 4.1 في المئة عن تقديرات العام المالي الحالي.
وتستند حسابات النفط إلى معدل إنتاج يومي يبلغ 2.7 مليون برميل يوميا، وتم احتساب نقطة التعادل في موازنة الكويت على أساس 90.7 دولار لبرميل النفط.
وحسب التقديرات، ستصل إيرادات النفط في السنة المالية الحالية إلى نحو 52.7 مليار دولار بتراجع 5.4 في المئة مقارنة بالموازنة السابقة، مقابل ارتفاع إيرادات القطاع غير النفطي بواقع 5.7 في المئة إلى حوالي 7.9 مليار دولار.
وترى التقديرات أيضا أن النفقات المتوقعة في السنة المالية المقبلة ستبلغ 79.8 مليار دولار، بانخفاض قدره 6.6 في المئة عن موازنة العام الحالي.
وتستخدم الكويت صندوق الاحتياطي العام الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار، لتغطية عجز الموازنة أثناء الأزمات، مثلما حصل قبل عشر سنوات عندما هوت أسعار الخام إلى مستويات مقلقة.
وكان البلد حتى انهيار الأسعار في ذلك الوقت من أكثر اقتصادات منطقة الخليج متانة بفضل ثروته النفطية الكبيرة، وانخفاض الدين العام والأصول المالية الضخمة.
وامتنع عن اللجوء إلى الاقتراض من الأسواق المالية منذ إصدار أول دين سيادي لها في عام 2017 بقيمة ثمانية مليارات دولار، لأن البرلمان لم يوافق على قانون يسمح للدولة برفع سقف الدين وإصدار ديون لآجال أطول.
وأثار ذلك مخاوف المحللين من استنزاف صندوق الاحتياطي العام على مدى السنوات التالية لتغطية العجز المتراكم في الموازنة.
وأدت طفرة إيرادات النفط في أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وزيادة ضبط الإنفاق إلى إعطاء دفعة لواحدة من أكبر منتجي الخام في الشرق الأوسط.
وفي السنة المالية الماضية، سجلت الكويت العضو في منظمة أوبك، فائضا يبلغ 20.8 مليار دولار، منهية بذلك تسع سنوات متتالية من عجز الموازنة.
الكويت، التي تعتمد حاليا على إيرادات النفط في تمويل 90 في المئة من موازنتها العامة، تسعى لتنويع اقتصادها وتقليل اعتماده على النفط
ومن البنود البارزة في الموازنة الجديدة تمثل النفقات الرأسمالية المخطط لها 9.3 في المئة من إجمالي الإنفاق، وتمثل الأجور والدعم 79.4 في المئة من إجمالي الموازنة.
وذكرت الوزارة أن من أهم أسباب النقص والزيادة في النفقات تتمثل في تخفيض اعتماد الباب الثاني، وهو السلع والخدمات وتتركز في نوع وقود تشغيل محطات الكهرباء والماء بمبلغ 3.9 مليار دولار، وتخفيض في وزارة الصحة بمبلغ 624.29 مليون دولار.
كما سيتم تقليص المصروفات المخصصة لدعم منتجات مكررة وغاز مسال مسوق محليا بمبلغ 325.1 مليون دولار، وتخفيض بند الدعوم بمبلغ 192.8 مليون دولار بوزارة التجارة والصناعة.
ونقل البيان عن وزير المالية وزير دولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار أنور المضف قوله إنه يتطلع إلى “العمل والمزيد من التعاون مع مجلس الأمة (البرلمان) على إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الجديدة”.
وكان وزير المالية السابق فهد الجارالله قد قال في نوفمبر الماضي، إن “الاقتصاد الكويتي متين، لكن وزارة المالية تواجه أزمة سيولة”. وأوضح في بيان حينها، أن الوزارة تعكف على إيجاد العديد من الحلول لتعزيز السيولة وإعادة هيكلة الاحتياطي العام.
وأكد أن الحكومة تعمل على بعض القرارات التي من شأنها تعزيز الإيرادات غير النفطية ووقف الهدر.